أما آن الأوان لرفع التدنيس عن إمارة المومنين؟
د. محمد بولوز
هوية بريس – الثلاثاء 02 يونيو 2015
لم يكن ما مر على منصة السويسي بالرباط ونقل على شاشة القناة الثانية حدثا عاديا، بل هو تتويج لمسلسل تصاعدي ما ندري حدود السقف الذي وضعه المخططون لحربهم المستعرة على القيم والأخلاق والحياء، أو بالأحرى ما ندري الدرك الذي سنبلغه مع هؤلاء في الانحدار في هذه المهاوي السحيقة، فرائدة الرقص الجنسي “جينيفر لوبيز” معروفة بالتأكيد لدى المنظمين، وهم يقصدون إلى ما وقع فعلا ويبالغون في الاستفزاز، ويأتون الجريمة عن سبق إصرار وترصد، وكلما تجرع الناس جرعة زادوهم أشد منها وأمر، وأكثر جرأة ووقاحة، وكلما استوعبوا صدمة عالجوهم بأخرى أنكى وأقوى، وإذا تخلفوا عن الحضور إلى المنصة نقلوا إليهم الفحش والتفحش والبذاءة التي تعجز عن وصفها اللغة والعبارات إلى بيوت الناس وغرف نومهم عبر القنوات العمومية وخصوصا منها القناة المعلومة.
وما هو أدهى وأمر هو أن يجري هذا باسم “الرعاية السامية لأمير المومنين” حيث يحظى الملك بالتوقير والاحترام أو كذلك يجب أن يكون، وبتنظيم من جمعية فوق الجمعيات تسمي نفسها “مغرب الثقافات” أو قل هو “مغرب السخافات” و”مغرب الانحطاط والويلات” وبدعم مادي رهيب من مؤسسات تصنف عادة بالمؤسسات “الاستراتيجية” التي تخف فيها السلطة الحكومية أو تنعدم، حيث لا حسيب ولا رقيب ولا حكامة ولا صوت للشعب أو لسواده الأعظم، فكيف السبيل للتغيير والإصلاح بل لمجرد الاقتراب والتفكير بجد في الأمر؟ وأي مدخل وأي باب يسلكه المعتدلون الشرفاء، الذين يتألمون ويبكون على مآل هذا الوطن إذا استمر يمشي سريعا في هذا النفق المظلم الكالح؟
ولا شيء أخطر من انسداد الأفق الديموقراطي أمام الشعوب في أمر من الأمور، حيث يفقد الناس الأمل في التغيير والإصلاح وتحسن الأمور، وخصوصا إذا لم يكن يسمع لنصيحة ولا يلتفت لصيحات المصلحين ولا يعبأ بأمر بمعروف أو نهي عن المنكر، ولا يكون من سبيل لاختيار مؤسسات معبرة عن الإرادة الحقيقية للشعوب أو انتخاب مسؤولين يعكسون آمال وطموحات الناخبين، فيبدأ الفوران في العقول والغليان في الصدور، فيفقد الرشد وتضيع التؤدة، وما يدري الناس وحتى الخبراء متى تقلب الطاولة على من فيها، ومتى يكون الانفجار والسيل الجارف الذي قد يجرف معه حتى الأشياء الجميلة والمكتسبات الثمينة.
ولا نغوص في التاريخ لنحضر للناس نماذج من مآلات الاستبداد بالرأي وقهر الشعوب على غير مرادها وقناعاتها، فما يجري أمامنا وفي محيطنا درس بليغ لمن يتعظ ويعتبر، فمن كان منا يتخيل ويتصور مجرد خيال وتصور مآل العراق وسوريا وليبيا واليمن.. وكيف آلت أحوال شعوبها وينياتها وبناياتها وثرواتها وأمنها ودمائها التي تسيل بلا انقطاع وما سلط عليها من قوم كأنهم من كوكب آخر، ولم يكن لهم من آفة في الأغلب الأعم غير الاستبداد والفساد، وما كان من ديدن الحاكمين في تلك البلاد باعتماد المقولة الفرعونية بالحال أو المقال “ما أريكم إلا ما أرى“، وما يشبه “أنا ربكم الأعلى“، فأين هم الآن وأين شعوبهم؟ فالاستبداد والفساد شر وبلاء في أي مجال كانا ولو أن يكونا فيما قد يعتبره البعض كماليا وزائدا، فهذا العفن الذي يراد فرضه على المغرب والمغاربة باسم الفن والتحديث والانفتاح قد يكون مصدر فتنة وشر مستطير وبلاء عظيم، فليس شيء من النار يعتبر صغيرا، فمعظم النار من مستصغر الشرر.
وكل من يزج بالملكية في هذا المستنقع هو عدو لها وإن أظهر الركوع لها ودبج عبارات الولاء وتمسح بالأعتاب نفاقا وخبثا، والناصحون يترقبون رشدا وتعقلا وتبصرا، وكما نزعت الملكية جزئيا فتيل الانفجار بخطاب 9 مارس والدستور المتقدم، ينتظر تحرير “الرعاية السامية” فلا تعطى إلا في الشيء النافع النبيل، ولا تكون عنوانا إلا في الخير والصلاح والمشاريع المشرفة، وأما الشرور والمنكرات والقاذورات من أمثال ما يجري في معظم المهرجانات والأفلام والأغاني الماجنة فيتنزه عنها ويترفع، وتترك لذاتها، إن لم نقدر على تغييرها، تأخذ حجمها الحقيقي يموت منها ما يموت ويكون فيها البقاء للأصلح والأقوم.
أليس أمير المومنين قال قولته التاريخية: لا أحل حراما ولا أحرم حراما، ومقتضى الكلام كره الحرام والتنزه عن الاقتراب منه، ولا يجوز للمحيطين بالملك توريط لقب “إمارة المومنين” في شيء من الحرام سواء كان يدور في فلك المجون والفسق والعري أو مجال الخمر والقمار وغير ذلك من المحرمات، فما جرى على منصة السويسي حرام في حرام، وإلا فاطلبوا فتواه في الدنيا كلها وعند كل من تعتبرونه ميسرا ومترخصا من علماء المسلمين من مختلف مذاهب أهل السنة بل وحتى معظم مذاهب أهل الأهواء، بل وفقط تمعنوا هذه الآية الكريمة تأتيكم بحكم الجرم الذي اقترفتموه، قال تعالى : (إن الذين يحبون أن تشيع الفاحشة في الذين آمنوا لهم عذاب أليم في الدنيا والآخرة، والله يعلم وأنتم لا تعلمون).
بل انظروا إلى القانون الذي سطرته أيديكم، وكأنه يصف بالضبط الجريمة التي عكفتم عليها وأخرجتموها على منصة السوسي وما يماثلها في السنوات الماضية وهذا العام، فقد جاء في المادة 483: “من ارتكب إخلالا علنيا بالحياء، وذلك بالعري المتعمد أو بالبذاءة في الإشارات أو الأفعال، يعاقب بالحبس من شهر واحد إلى سنتين، وبغرامة من مائتين إلى خمسمائة درهم؛ ويعتبر الإخلال علنيا متى كان الفعل الذي كونه قد ارتكب بمحضر شخص أو أكثر شاهدوا ذلك عفوا أو بمحضر قاصر دون الثامنة عشرة من عمره، أو في مكان قد تتطلع إليه أنظار العموم“.
فكيف نواجه تساؤلات طلبة القانون ورجال القانون وكيف يتصرف المخلصون ممن لهم الحق في تحريك النيابة العامة ضد جريمة واضحة بينة مكتملة الأركان، بل وكيف نجيب عن تساؤلات تلاميذ الثانوي الإعدادي الذين ندرسهم درسا بعنوان إمارة المومنين ومواصفاتها الجميلة ومقتضياتها العظيمة عندما يعلم ويسمع أن ما جرى على المنصة هو تحت الرعاية السامية، بل كيف نشرح ونبين للأئمة وهم يتلقون تكوينهم وتأهيلهم في ثوابت الأمة والحديث عن إمارة المومنين وهم يسمعون ما نعلم جميعا، إنه حقا حرج شديد وعنت كبير ونريد من مولانا حفظه الله أن يرفع عنا الحرج والعنت، ويرفع الدنس عن “إمارة المومنين”.
فلقب “إمارة المومنين” لقب شريف ورمز أصيل وعنوان كريم وعبارة جميلة لها صلة قوية بالدين والإيمان والمومنين بكتاب الله وسنة رسوله الكريم ولها صلة متينة بتاريخ عريق لهذا البلد الأمين، ولا يليق أبدا أن تدنس وتلطخ بقاذورات “إلتون جون” و”جينيفر لوبيز” وما في حكمهما، نريدها أن تكون عنوانا للإيمان الراسخ والعلم النافع والعمل الصالح والدعوة إلى الله وحمل رسالته في العالمين والسعي في كل خير، عنوانا للأصالة والأسلمة المتدرجة لمختلف جوانب الحياة، والتنمية المستدامة والشاملة للوطن والمواطنين، والعدالة الراسخة التي تثبت أركان الحكم والنظام، وعنوانا للشورى الشاملة والديموقراطية المكتملة التي لا تستثني أي مجال من المشاركة ولو كان فنا وترفيها وتمكن من إبداء الرأي فيه وتدخل الحكامة والمحاسبة في كل قطاع فذلك عين الصواب والطريق المضمون للتقدم فيه والنهوض به، وتكون عنوانا للتضامن مع قضايا الأمة وحماية مقدساتها والسعي في جمع شملها وتوحيد كلمتها..
الاشتغال بهذا وأمثاله يرفع الرأس ويكون موضع الفخر ويعمق المحبة ويكون سببا للعز وللذكر الحسن في تاريخ الأمة ويجلب البركات في الأعمار والأرزاق ويطلق الألسنة بالدعوات الطيبات ذلك وخيرا منه ما نريد لأمير المومنين وبلاد المومنين.