«واشنطن بوست»: لماذا لا يسمى القاتل الأبيض إرهابيا؟
هوية بريس – متابعة
السبت 20 يونيو 2015
نشرت صحيفة “واشنطن بوست” الأمريكية، تقريرا حول التعاطي الإعلامي مع حادثة إطلاق النار، التي وقعت الأربعاء الماضي، وأسفرت عن قتل تسعة أمريكيين سود داخل كنيسة مدينة تشارلستون الأمريكية، انتقدت فيه التعاطي الإعلامي “العنصري” مع هذه الحادثة، و”ازدواجية المعايير في تصنيف القاتلين إلى إرهابيين، ومختلين نفسيا، بحسب لون بشرتهم”.
وقالت الصحيفة، في تقريرها، إن الشرطة بدأت تحقيقاتها في جريمة إطلاق النار على تسعة أمريكيين سود، في كنيسة إيمانويل الإفريقية بمدينة تشارلستون، على أساس أنها جريمة كراهية ارتكبت على يد شاب أبيض، مضيفة أنه “لطالما كانت كنائس السود في الولايات المتحدة؛ هدفا للمتعصبين البيض الذين يمارسون الحرق والتفجير، بهدف ترويع السكان السود الذين يؤمّون هذه الكنائس”، بحسب عربي 21.
وذكرت أن واحدا من أكثر الهجومات التي استهدفت كنائس السود وحشية في التاريخ، وقع في مدينة بيرمنغهام بولاية ألاباما، في سنة 1963، وقد أدى لمقتل أربع فتيات على يد عناصر من منظمة كلو كلاكس كلان (KKK) العنصرية، التي قامت بتفجير الكنيسة المعمدانية في المدينة، ما أدى لاندلاع احتجاجات وظهور “حركة الحقوق المدنية”.
وقالت الصحيفة إن وسائل الإعلام لم تستعمل كلمة “إرهاب” في حديثها عن جريمة كنيسة تشارلستون، ولم يتم تصنيف القاتل ديلان روف (21 عاما) على أنه “إرهابي محتمل”، بل سارعت إلى اعتماد رواية “المرض النفسي”، وعملت على إثارة مشاعر التعاطف معه عبر وصفه بالمريض نفسيا، وضحية غياب العلاج النفسي اللازم، حتى إن المحلل بقناة (MSNBC) ديراي مكنسون، قال أثناء تناوله هذه الجريمة: “نحن لم نتعرف بعد على حالته العقلية”، في انحياز واضح لهذا القاتل الأبيض، بحسب تعبير الصحيفة.
واعتبرت أن وسائل الإعلام الأمريكية تعتمد أسلوبا مختلفا في التغطية على جرائم قام بها أمريكيون سود، أو مسلمون، “حيث يتم تصنيفهم مباشرة كإرهابيين ومجرمين، تحركهم طبائعهم الشريرة، بينما يتم اعتبار القاتل الأبيض شخصا منفردا وضحية المجتمع، وهو ما عبّر عنه عمدة مدينة تشارلستون، جوزيف رايلي، عندما أكد أن عملية إطلاق النار هذه هي عمل فردي”.
وأضافت أن الإعلام يعتبر العنف الذي يصدر عن شخص أسود أو مسلم “عنفا ممنهجا، يتطلب ردة فعل قوية من قبل أبناء عرقه أو طائفته؛ للتبرؤ من هذا العمل. وحتى الضحايا السود يتم تهميشهم، ويتم التشكيك في المأساة التي حلت بهم، عبر التلميح إلى وجود مبررات لعمليات القتل التي أودت بحياتهم، مثل: أن الضحية كان يرتدي سترة رياضية، ويغطي رأسه، أو أنه كان يسرق السجائر”.
وأضافت: “حتى عندما تم الاعتداء بشكل غير مبرر، على مراهقة أمريكية في حفلة حمام سباحة، من قبل شرطي غاضب فقد السيطرة على نفسه؛ فقد علقت ميغن كيلي من قناة فوكس نيوز على الحادث قائلة: إن الفتاة أيضا ليست ملاكا”.
واعتبرت الصحيفة أن طريقة تناول وسائل الإعلام العنصرية لحادثة إطلاق النار داخل كنيسة تشارلستون “غير مقبولة، فكل الضحايا الذين سقطوا فيها كان ذنبهم الوحيد أنهم كانوا يشاركون في صلاة ليلة الأربعاء”، متابعة بأنه “يبدو أن اختيار القاتل لهذه الكنيسة لم يكن عشوائيا، بالنظر للأهمية التاريخية التي تميزها، فهي تعد أول كنيسة للطائفة المسيحية الميثودية في جنوب الولايات المتحدة، وقد تم بناؤها في سنة 1818 على يد دنمارك فيسي، الذي قاد ثورة ضد العبودية في تشارلستن، لم يكتب لها النجاح، لتتم في سنة 1822 محاكمته، ويتم إحراق الكنيسة كنوع من الانتقام من السود الطامحين للحرية”.
واعتبرت الصحيفة أن هذه الخلفية التاريخية تثبت أن قتل قس الكنيسة والمصلين ليلة الأربعاء الماضي؛ هي جريمة كراهية مع سبق الإصرار والترصد، ونقلت عن العمدة رايلي أن “السبب الوحيد الذي قد يجعل شخصا يدخل إلى الكنيسة ويقتل المصلين؛ هو الكراهية”.
وأضافت: “لكن هذه الحادثة تحمل أيضا رسالة تهديد للسود، تعيد إلى الأذهان تاريخا طويلا من الإرهاب الذي يستهدف المؤسسات والشخصيات التي تدافع عن الحقوق المدنية للسود”.
وشددت على وجوب عدم التغاضي عن حقيقة تاريخية؛ مفادها أن الكنائس والمساجد التي يؤمها السود، كانت دوما عرضة للعنف والعنصرية في الولايات المتحدة، ومن أبرز موجات العنف؛ تلك التي استهدفت سلسلة من الكنائس بالحرق في سنوات التسعينيات وخاصة أن الضرر الذي يتعرض له السود والمسلمون جراء هذه الهجمات؛ لم يعد يحظى باهتمام، وخصوصا منذ أحداث الحادي عشر من سبتمبر، وسيطرة ظاهرة الإسلاموفوبيا على السياسة والإعلام، “حتى أصبحت كلمة إرهاب تنطبق حصريا على السود والمسلمين”.
ودعت الصحيفة إلى التزام الإعلام الأمريكي بالنزاهة، وعدم وصف القاتل بأنه “شخص أبيض ومنفرد، يعاني من اختلال نفسي بسبب فشل المجتمع في احتوائه”، مؤكدة أن “هذه الجريمة ليست مجرد عمل فردي، بل هي تعبير عن الكراهية والعنصرية وإحساس البيض بالأفضلية داخل المجتمع الأمريكي، حتى بعد 50 سنة من حرق كنيسة برمنغهام وانطلاق حركة الحقوق المدنية”.
وختمت بالقول: “الآن؛ بعد أن ألقت الشرطة القبض على المشتبه به، يجب أن تتم تسمية الأمور بمسمياتها.. إنه إرهابي”.