شَاهَت «الخواسر»
هوية بريس – لطيفة أسير
الثلاثاء 23 يونيو 2015
لأن فعل “الكواسر” عصيٌّ عليهم، ابتدع القوم “الخواسر” فباؤوا بالخسران المبين. ألِفنا الانحطاط الفكري والاستهتار بذوق المشاهد المغربي، دجّنتنا سنوات التفاهة التي عشناها مع إعلامنا الوطني طيلة السنوات الماضية، وخاصة في شهر رمضان. أستغرب كيف تُهدر الأموال على برامج تنعدم فيها كل شروط الإبداع الفني وتضمحل معها كل مؤشرات الارتقاء بالمتفرج!
يحتار اللبيب ماذا يختار بين هذا الركام الضَّحْل من الإنتاجات الرمضانية ليَصُبّ عليه جَامَ غضبه ويصرخ في أهله: لقد أسْقمتمونا!!
كوميديا تثير القرَف وتبعث على الغثيان، ومسلسلات تتعقّب خطى الشيطان في نشر الفتنة والوقاحة بين الشباب، برامج التوعية الدينية السليمة تكاد تنعدم، بل تشكو حالها لبارئها من قوم غَدَا الدينُ عندهم تُهمة يتملّصون منها ويخشون الترويج لها. لكن ما يقضّ فكر كل غيور هذه السنة، تلك الدقائق الثلاث التي تمت برمجتها من سلسلة يتحيّر الفكر في تصنيفها لأنه لا صبغة لها، ولعل أصدق ما فيها عنوانها “الخواسر”!!
حاولت متابعة بعض الحلقات على (يوتيوب)، وانتابتني حالة ذهول وأنا أبصر تلك الشخوص “الفنية” تغتال حروفنا العربية بلهجة سوقية يتداولها الصبية في الشوارع على استحياء. أناسٌ لا علاقة لهم بالتمثيل اقتحموا الميدان من أقذر أبوابه فأعلنوا تأييدهم لموجة التدريج التي يُروّج لها أعداء العربية، دعوةٌ ما فتئت تُطلّ برأسها كل حين وبألوان شتى في وسائل إعلامنا السمعية البصرية والمكتوبة، لتكريس اللهجة العامية كلغةٍ أصل.
إن الإعلام المسؤول من أبجدياته الارتقاء بالمشاهدين فكريا وتربويا من خلال برامج تساهم في تكوين الفرد الصالح المصلح، لكن الإعلام غير المسؤول لا يحترم ذاته ولا يلقي بالا لمن يخاطبهم، فهو يسعى لملْءِ أوقات الفراغ بما سَفُل وانحطّ من إنتاج “فني”.
أية قيمة مضافة استفادها المشاهد المغربي من “الخواسر” غير التهريج والعبث الصبياني والترويج للغة شوهاء لا هي عامية محضة ولا فصيحة صريحة. للأسف أضحى إعلامنا الوطني كما “الملاعب الهزلية”، نفرٌ من القوم يمارسون اللهو باسم الفن دون حسيب ولا رقيب.
إن رياح العداء للغتنا العربية باتت تنفث سمومها هنا وهناك، في محاولة لفرض العامية كلغة بديلة عن اللغة العربية بدعوى حضورها في كل مجالات التواصل اليومي، في مقابل اللغة العربية التي تظل حبيسة الكتب والخطابات الرسمية في منأى عن الحياة اليومية -وإن كان هذا الإقصاء متعمدا من خلال السياسات الاستعمارية ومن والاها من الحاقدين في كل البلدان العربية وليس في المغرب فحسب- حيث سبق للجنة العمل المغاربية الفرنسية أن أعلنت صراحة أن: “أول واجبٍ في هذه السبيل هو التقليل من أهمية اللغة العربية، وصرف الناس عنها، بإحياء اللهجات المحلية واللغات العامية في شمال إفريقية”..
وفي المشرق كما في المغرب تعالت نفس الصيحات، فدعا رافع الطهطاوي في كتابه: (أنوارُ توفيق الجليل من أخبار توثيق بني إسماعيل) إلى تأليف الكتب والمراجع باللهجة العامية فقال: “إنَّ اللُّغةَ المتداوَلةَ المسمَّاةَ باللُّغةِ الدَّارجة التي يقع بها التفاهمُ في المعاملات السائرة لا مانع أن يكون لها قواعد قريبة المأخذ، وتصنف بها كتب المنافع العمومية، والمصالح البلدية..”.
ونحا عيسى اسكندر معلوف نفس المنحى فقال: “إنَّ اختلاف لغة الحديث عن لغة الكتابة هو أهمُّ أسباب تخلفنا رغم أنَّهُ من الممكن اتخاذُ أيِّ لهجةٍ عاميةٍ لغةً للكتابة؛ لأنها ستكون أسهل على المتكلمين بالعربية كافة. ولي أملٌ بأن أرى الجرائد العربية وقد غيّرت لغتها!! وهذا أعدُّهُ أعظم خطوةٍ نحو النجاح، وهو غاية أملي!!”.
فالقوم يعتقدون سَفَهًا أن اللغة العربية أحد أسباب تخلفنا، وأنها المعيق الأساس للتنمية، ونسوا -أخزاهم الله- أنها لغة هذا الدين الذي كتب له ربه التمكين ولو بعد حين، يقول الفاروق عمر -رضي الله عنه- : (تعلموا العربية فإنها من دينكم)، وجاء عن ابن تيمية رحمه الله تعالى قوله: (اللغة العربية من الدين ومعرفتها فرض واجب؛ فإن فهم الكتاب والسنة فرض، ولا يفهم إلا بفهم اللغة العربية، وما لا يتم الواجب إلا به فهو واجب).
فيا أهل “الخواسر” خسر البيع!!