احذر شباك «الفايسبوك»
إكرام الفاسي
هوية بريس – الخميس 26 شتنبر 2013م
عندما تكون في الشارع، لا شك أنك تصادف أناسا بأشكال وألبسة مختلفة، وما يخجلك هو وجود بعض أشكال العري والتبرج الفاضح الذي يتعدى كل المبادئ الأخلاقية، وبعض المناكر التي صرنا نتعايش معها يوميا، هذا إذا نظرت أمامك.
أما إن كنت من هواة النظر للأعلى فالمصيبة قد تكون أشد، حينما تقع عينك على لوحات إشهارية عملاقة ممكن أن تضم بعض الصور التي يستحي الإنسان التقي من رؤيتها، فلا يبقى لك إلا النظر إلى الأرض مع الانتباه بين الفينة والأخرى لحركة السيارات قبل العبور، فيقع بصرك مجددا على منكر…
لا يختلف هذا المشهد المتكرر عن جلوسك اليومي أمام صفحات الموقع الاجتماعي “الفيسبوك”، فتصادف أشخاصا بصور بروفيل مختلفة، كما قد تصادف بعض صور الجنس الآخر التي قد تثير إعجابك أو ربما قد تستحيي من رؤيتها، فلأكون منصفة فوضع الصور الساقطة لا يقتصر فقط على النساء وإنما كلا الجنسين على السواء يضعون صورا كذلك. وبعض الصور قد نشاهدها بشكل متكرر ما يعني كثرة تداولها بين رواد “الفيسبوك”، وأخرى لأصدقاء على قوائمنا لم نجرأ يوما على التنبيه عليها.
قد يكون بعضنا في منأى عن هذا كله على “الفيسبوك”، إذا كانت لائحة أصدقائه تضم شخصيات حقيقية من معارفه المحترمين، بحيث تكون صورهم الخاصة خالية من الشبه، ولا ينشرون على جدرانهم إلا المنشورات الخالية من المنكرات عموما، وقد يكون ربما في منأى عن فتنة الجنس الآخر إن كانت لائحته تضم فقط أصدقاء من جنسه، كلها هذا محمود، ولكن رغم ذلك لا يسلم أحدنا من مصادفة بعض المنكرات أثناء تواجده على الفيسبوك.
إذ يقترح عليك محرك موقع “الفيسبوك” على جانب جدار حسابك مجموعة من الأشخاص لتضيفهم إلى قائمتك، بناء على أصدقائكم المشتركين أو أحيانا صفحاتكم وشخصياتكم المفضلة..، قد يبدو الأمر من الوهلة الأولى مألوفا، إلا أنه يتحول إلى فضول يجعلك تزور صفحات أولئك الأشخاص وأحيانا إن لم تستحضر رقابة الله، قد لا تغض بصرك عن صور الجنس الآخر وتظل تتصفح ألبوماتهم الشخصية.
إضافة إلى الأصدقاء المقترحين، تجد إعلانا لبعض الصفحات يعترضك وأنت تشاهد جديد منشورات أصدقائك على الصفحة الرئيسية، كما تجد في الجانب حيزا قارا مخصصا للإعلانات الممولة، وهنا موضع الخلل، فأنت مستهدف بشكل دقيق بذلك الإشهار بناءا على معطيات دقيقة، كمكان تواجدك، عمرك، جنسك، اهتماماتك، حالتك الاجتماعية، لغة استعمالك للـ”فيسبوك” ولغاتك الأخرى، مستواك التعليمي، دينك ورأيك السياسي، إضافة إلى بعض المعطيات المتعلقة بمتصفحك وآخر الأبحاث والصفحات التي قمت بزيارتها!
لا تستغرب، فلما أتممت إعداداتك الخاصة بحسابك الشخصي وملأت خانات المعلومات الخاصة بك، فقد خُزِّنت تلك المعلومات المتعلقة بك وهي التي يستثمرونها لتحديد الإعلان المناسب لك. فالإعلان الذي تراه أنت في هذه اللحظة لا يراه كل رواد “الفيسبوك”!
هذا الاستهداف الخطير، يجعلك عرضة لبعض الصفحات الموجهة لبني جلدتك قصد إفسادهم ودعوتهم أحيانا إلى الرذيلة، فأصحاب بعض الصفحات والمواقع الماجنة ينفقون الأموال الطائلة لإفساد الشباب المغربي، حيث نجد إعلانات موجهة خصيصا للمغاربة وتتكلم بألسنتهم؛ إلا أن محتواها لا يمت بصلة للعرف ولا للدين المغربي، فهو يعمل على تخريب العقول وإثارة الشهوات بالدعوة إلى الرذيلة ونشر الصور الساقطة.
هذه الصفحات قد تكون تجارية، تعرض صور النساء للدعاية لمنتوجاتهم؛ ولا غرابة إن وجدنا إعلانات لشركات مغربية مخصصة لبيع المستحضرات والملابس النسائية بل حتى الداخلية منها.
كما قد تكون هذه الصفحات خاصة ببعض الساقطين من المغنيين والمغنيات أو ممثلي الأفلام ومقدمي البرامج ولاعبي الكرة، وكما قد يكون محتواها خليعا من الدرجة الأولى أو يعرض فكاهة ذات مستوى جد منحط.
فصار الواحد منا يفتح حسابه على حذر، بل ويخجل إن كان جالسا على حاسوبه رفقة أهله وأبنائه ثم يرى أمرا كذلك فجأة، فيضطر إلى إغلاق الصفحة أو تجاهلها حتى لا يلفت الانتباه للمنكر، بل وربما تقع عين طفله على الأمر فيبادره بالسؤال بكل براءة حول ما رأى، أو يظل الطفل متأثرا بالمنظر الخليع.
في مقالتي هته لا أتطرق إلا لما يعرض على “الفيسبوك” دون إرادة المستعمل، وإلا لأطلت الكلام عن معاني العفة والتقوى إن وجهت الكلام لمن يقصد المناكر، لست أدعو إلى اعتزال عالم “الفيسبوك”، فقد تواجه نفس الأمر على الأنترنت كله بل وتواجه فتنا ربما أشد على أرض الواقع، لكني أدعو إلى التعامل مع هذا العالم الافتراضي بشيء من الورع والتحلي بالمبادئ الإسلامية، فهنا تتحقق حقا معاني رقابة الله وقد ترقى بنفسك لمقام الإحسان!
فأنت في بيتك، وقد أغلقت عليك باب غرفتك ثم جلست أمام شاشة حاسوبك، تنشر منشورا علميا أو دعويا أو خبرا، وربما تطالع مقالا علميا أو تدير صفحة دعوية أو تحادث أصدقائك..، قد تعرض عليك فتنة، فإما أنك تتقي الله وتغض بصرك وتغلق الصفحة، أو تنساق وراءها وتظل الفتن تتوالى عليك حتى تجد نفسك منغمسا فيها، ولا قدر الله قد تصير مدمنا النظر إلى ما لا يرضي الله، فتشتد خطورة ذنبك فينتقل من كونه صغيرة إلى كبيرة من الكبائر.
وبعيدا عن العواقب الأخروية لإطلاق النظر، فأضراره النفسية والاجتماعية أيضا خطيرة، لأن النظر إلى الصور الخليعة يجعل الرجل يكون تصورا مثاليا عن المرأة، والمرأة أيضا تكون تصورا مثاليا عن الرجل، ما يشكل عقبات أمام اختيار شريك الحياة، ويدمر بعض العلاقات الزوجية. كما قد يتحول النظر لصور النجوم من مجرد فضول إلى حالة مرضية تجعل صاحبها يسعى للاقتداء بالشخصيات، من نجوم الأزياء والرياضة والغناء والسينما..
إذن؛ الحل لتفادي هذا كله هو تثبيت بعض البرامج add-on على متصفحك لحجب الإعلانات على “الفيسبوك” وحجب أي محتوى إباحي، على سبيل المثال adblock، أو إن اقتضى الأمر حجب الصور من “الفيسبوك” بضبط بعض إعدادات المتصفح لحجبها..
كما ينصح بعدم الإعجاب ببعض منشورات الصفحات المشبوهات وإن كانت منشورات لائقة، لأن ضغطك على زر أعجبني يجعل أصحاب الصفحة يضعونه كإعلان لأصدقائك أنك معجب بهذه الصفحة جوار صورة غير لائقة، ما ينقص قيمتك لدى أصدقائك من غير قصدك ويجعلك مساهما في نشر المنكر من حيث لا تدري، ونفس الأمر يحصل حينما تقبل دعوة للعب أو إضافة تطبيق، فتجد نفسك معجب بصفحات خليعة لم تتعمد الإعجاب بها، ما يزيد عدد المشتركين بها بشكل متسارع.
وينصح أحيانا بعدم الضغط على الروابط المشكوك فيها، كمعرفة من زار بروفيلك، أو النظر إلى فضيحة فلان، أو صوت ضد “إسرائيل”، أو قرعة الهجرة لسويسرا وبريطانيا، إلى غير ذلك من الروابط التي قد تجدها على جدار صديقك أو نشرها أحد أصدقائك على حائطك وإن كان ثقة، فليس هومن نشر ذلك وإنما تم ذلك بشكل أتوماتيكي فور ضغطه على الرابط، فهذه الروابط قد تحمل أيضا فايروسات خطيرة تدمر حسابك وحاسوبك.
وقانا الله وإياكم من الفتن.