مكانة العلماء.. بين الإذعان للمؤسسة والسلطان والدفاع عن مصالح الأمة والقرآن
المشاهدات:
2٬235
إبراهيم الطالب-هوية بريس
عندما يَتَّحد السلطانُ مع القرآن؛ يكون المسلمون في أوج القوة والعطاء والمنعة والنماء؛ فتنتشر عدالة الله في الأرض وينعم الإنسان والحيوان ويرتاح من الظلم الحرث والنسل؛ ويتطوران -أي الحرث والنسل- ليقود المسلمون الأمم نحو الحضارة الحقة.
الحضارة الحقة وليس حضارة البهيمية التي نعيشها اليوم؛ حيث يستعبد الإنسان أخاه الإنسان استعبادا حقيقيا؛ استبدلت فيه سلاسلُ الذل التي كان العبيد يُطَوَّقون بها في قرون الغرب الوسطى، -قبل ما سمي زور بثورة الحرية والإخاء والمساواة الغربية-، بربطات العنق والأحذية الملمعة؛ في حين بقي الاستغلال والذل والسخرة هي هي.
حضارة الإسلام هي حضارة السمو التي يعيش فيها الإنسان منتهى الحرية والعدالة مع قمة التوازن النفسي، عندما يحقق معنى الاستخلاف المبني على أساس الحرية لكن في دائرة العبودية لله الذي له الخلق والأمر؛ فيخرج الإنسان من عبادة الإنسان إلى عبادة رب الإنسان، ومن جور الأديان البشرية المختلَقة والمحرفة إلى عدل الإسلام وشريعته السمحة.
وحتى يحفظ الإسلامُ أساس الحضارة بث كل مقوماتها ومرتكزاتها في مبادئه وجعل العلماء حراس هذه المبادئ والمرتكزات.
وحيث لا يَثْبت مبدأ ولا مرتكز مع الطغيان البشري إلا بقوة تحمي المبدأ من الانتهاك؛ وسلطانٍ يمنع المرتكز من الإضمحلال والضياع، جعل الله هذه القوة وهذا السلطان بيد القائد السياسي.
فإذا ضعف العلماء والسلاطين؛ انفصل العلم عن السلطان والقوة يُصبح المبدأ والمرتكز متجاوَزَين من طرف العامة أو الشعب، وذلك بفعل الأهواء والشهوات الجماعية؛ التي تتمظهر عندما يضعف الدين في الدولة في شكل صناعات للذة وقطاعات لاستعباد الناس؛ وتتضافر لتُشكل جماعات ضاغطة على مراكز القرار في الدولة.
ولهذا نبه الله المسلمين من جماعات الضغط التي تتكون من أرباب الشهوات في قوله سبحانه :(وَاللَّهُ يُرِيدُ أَنْ يَتُوبَ عَلَيْكُمْ وَيُرِيدُ الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الشَّهَوَاتِ أَنْ تَمِيلُوا مَيْلا عَظِيمًا). النساء 27.
فالشهوات هنا صارت تفرض تشريعات تضاهي ما شرعه الله؛ وتزاحم أحكام الشريعة الربانية التي فصلها الله في مصادر الإسلام وأمر باتباعها من طرف كل المسلمين حكومات وشعوبا.
والميل المذكور في الآية هو الميل عن الحق، الذي شرعه الله إلى الباطل الذي تمليه الشهوات عندما تتسلط على النفوس؛ فتجعلها تُشرِّع ما لم يأذن به الله؛ فيَعُم الفساد ويفشو.
وعندها يصبح الميل العظيم عن العدل، -الذي لا يكون أشمل للكائنات الحية والجامدة إلا باتباع أمر الله-، إلى الظلم الذي تتجاوز شرورُه ومفاسدُه البشرَ لتشمل تضاريسَ البَرِّ وظلماتِ البحر، كما في بيانه سبحانه عند قوله تعالى: (ظَهَرَ الْفَسَادُ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ بِمَا كَسَبَتْ أَيْدِي النَّاسِ لِيُذِيقَهُمْ بَعْضَ الَّذِي عَمِلُوا لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ) الروم 41.
فما نذوقه اليوم من ذُل وهوان، وما نعيشه من ضعف وخور وتخلف؛ منشؤه انفصال العلاقة بين الدين والدولة، والتي كانت نتيجتها اضطراب العلاقة بين العلماء والسلاطين؛ الأمر الذي يُحدِْث بدوره اضطرابات خطيرة على كل المستويات، ولعل أعظم تجليات هذه الاضطرابات في العالم الإسلامي اليوم؛ هذا القتلُ المستشري في المسلمين وهذا الفساد في شعوبهم وهذا الدمار في بلدانهم؛ حتى أصبحت الدول تعتبر الملايين من أبنائها إرهابيين؛ تحاربهم ويحاربونها.
فعندما تضطرب العلاقة بين العلماء والسياسيين تنتقل الحروب من الخارج إلى الداخل فيصير القاتل والمقتول من المسلمين فقط؛ وهذا واضح بيِّنٌ في عالمنا العربي خاصة والإسلامي عموما، ولا يحتاج إلى تمثيل أو تدليل.
إن ما نعيشه اليوم ليس نتيجة استعمال الدين في السياسة ولكنه نتاجٌ لِفساد السياسيين الذين تَمَلَّكتهم صفات الفرعونية؛ فأصبح شعارهم: (وَقَالَ فِرْعَوْنُ ذَرُونِي أَقْتُلْ مُوسَى وَلْيَدْعُ رَبَّهُ إِنِّي أَخَافُ أَنْ يُبَدِّلَ دِينَكُمْ أَوْ أَنْ يُظْهِرَ فِي الأَرْضِ الْفَسَادَ). غافر 26.
هذه الفرعونية تتلاشى فقط عندما تتماسك طبقات المجتمع الإسلامي المكونة من طبقة الحكام وطبقة العلماء والشعب، وحماية لهذا التماسك نَظَّم الإسلام العلاقة بينها؛ فجعل العلماء في مستوى الحكام؛ وجعل الشعب تابعا لهما، وجعل ضمانة الاستقرار في امتثال ما أمر الله به واجتناب ما نهى عنه وذلك من طرف الطبقات الثلاثة جميعها.
وحتى لا تختل العلاقاتُ، وتضعف جماعة المسلمين ومجتمعاتهم جعل تطبيق الشرع -الذي هو مراد الله من العباد وشرطَ تحقيق العبودية-، واجبا على الطبقات الثلاثة؛ فوحَّد بذلك مرجعية التحاكم عند الوفاق والخلاف وفي المنشط والمكره؛ وذلك حماية لهم من التنازع الذي هو أساس الضعف من جهة، ومن جهة أخرى حتى لا يزيغ الحاكم ويستبد بالأمر فيكثر فساد الدنيا؛ ولا يضل العالم باتباع هوى السياسي فيفسد الدين ويفقد سلطته على النفوس، فينتج عن الفسادَين تيه الشعب في هَوْجَل الشهوات وشعاب الرذائل.
فالشرع الإلهي فوق الجميع يتساوى الكل أمامه؛ ولا يسع لأحد تعطيله ولا تحريفه ولا انتحال غيره شريعة ومنهاجا؛ وهذه الفَوْقِيّة هي من خصائص الدين الإسلامي وبها حفظه الله تعالى فاستمر طيلة خمسة عشر قرنا لم يتعرض لتحريف كما وقع في الديانات الأخرى.
ولضمان استقلالية العلماء -التي لا يمكنهم القيامُ بواجبهم إلا بوجودها-، جعل علاقتهم مع الحكام علاقة تعاون وتعاضد، لا علاقة خدمة وسخرة؛ وأحلَّهم مقام السلطة بجانب الحكام؛ حيث اعتبرهم من طبقة أولي الأمر الواجب طاعتهم من طرف الشعب، وجعلهم محل الفصل في التنازع بما استحفظوا عليه من كتاب الله وسنة نبيه صلى الله عليه وسلم.
لكن عندما تفسد العلاقة بين طبقة الربانيين من العلماء وطبقة الحكام، يحاول القائمون على تسيير الدول تهميشهم والاستعاضة عنهم بعلماء السوء، فيعرضون حينها لسنة الابتلاء؛ ولنا مئات الشواهد من التاريخ ولعل ألصقها بِنَا موقف الإمام مالك في محنته المتعلقة بطلاق المكره، حيث ضغط السياسيون آنذاك من أجل أن يفتيهم بوقوع طلاق المكره ونفاذه؛ حتى يتوسل بفتواه إلى نفاذ بيعة المكره، فأبى رحمه الله ورضي عنه إلا الثبات والصبر فكان مصيره التعذيب.
ولنا نماذج من السياسيين الفاسدين في تاريخ الإسلام الذين يجعلون من الدين وسيلة من وسائل تطويع الناس لمتطلبات الأهواء السياسية التي تفرضها الجماعات الضاغطة لأرباب الشهوات، كما لنا نماذج من علماء السوء الذين يقفون مع السياسيين الفاسدين ضد العلماء الربانيين.
أما اليوم مع تسلط العلمانية الدولية بعد قرون الاحتلال الغربي على غالبية النظم في الدول الإسلامية؛ فقد صار الدين آلية من آليات التحكم في اتجاهات الشعوب وتحريف مطالبها، وكسر صلابتها، وتفتيت بنيانها.
فأنشئت مؤسسات رسمية تحتكر الفتوى، ليس من أجل تنظيمها أو حمايتها من التسيب العلمي وصيانتها من تطاول الجهال والغلاة، ولكن من أجل تجميد دور العالم في تأطير الناس وتوجيه سلوكهم الجماعي.
فأصبح -ويا للأسف- للدولة علماؤها الذين يشتغلون في مؤسساتها ولا يخرجون عن المرسوم لهم في تطبيق سياساتها الدينية التي تجتهد في ملاءمتها مع مقتضيات العلمانية الدولية؛ وأصبح السياسي يتدخل في الديني، والديني لا يسمح له بالتدخل في السياسي.
ولا يعني هذا أن كل علماء المؤسسات ليسوا علماء للأمة؛ ولكننا نريد الإلماح إلى أن إكراهات السياسة تكمم أفواههم؛ فيوثرون السكوت في موطن البيان مخافة سطوة السياسي، وهروبا من الإرهاب العلماني المستقوي بنفوذ العلمانية الدولية، هذا فضلا عن وجود فاسدين يأمّون الناس رغم سقوط عدالتهم وكره الناس لهم.
هذا الوضع جعل قسما كبيرا من الشعب يفقد الثقة في مؤسسات الدولة الدينية، ويبحث له عن علماء ربانيين يستمد منهم الفتوى ويهتدي بما ينتجونه من وصايا وتوجيهات.
فمكانة العلماء اليوم تتأرجح بين فريق يؤثر الإذعان للمؤسسة، وفريق يرى الواجب الشرعي في الدفاع عن مصالح الأمة، والقيام بواجب البيان الذي نص عليه القرآن عند قول الله تعالى: (وَإِذْ أَخَذَ اللَّهُ مِيثَاقَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ لَتُبَيِّنُنَّهُ لِلنَّاسِ وَلا تَكْتُمُونَهُ فَنَبَذُوهُ وَرَاءَ ظُهُورِهِمْ وَاشْتَرَوْا بِهِ ثَمَنًا قَلِيلا فَبِئْسَ مَا يَشْتَرُونَ) آل عمران 187.
إن هذه الازدواجية الواقعة على مستوى طبقة العلماء، نتجت عن انفصال الدين عن السياسة كما أشرنا؛ الأمر الذي خلق لنا جماعات وتيارات إسلامية تروم تقديم التصور الصحيح للدين بعد فساد السياسة في بلاد المسلمين، علما أن كل هذا التشرذم والانقسام، يعود في النهاية بالضعف على مستوى تماسك المجتمع وقوته حكاما ومحكومين.
إن على الدول الإسلامية أن تعيد النظر في سياساتها للشأن الديني؛ وأن توقف عمليات خلق دين إسلامي علماني تحت ضغط العلمانية الدولية؛ فما نراه في مصر وسوريا من استغلال للدين في قتل الأبرياء وسجن العلماء شيء بالغ الهمجية، وللأسف بدأت الدائرة تتسع حيث أصبحت الجماعات الإسلامية السلمية أو المقاومة للصهاينة هي أيضا ترمى بالإرهاب كبداية لتصفيتها وإبادتها نهائيا، نسأل الله السلامة.
آخر اﻷخبار
جزاك الله خيرا وبارك فيك أنا ارى الواجب كل الواجب أن يرجع الجميع حكام ومحكومين ورئيس ومرؤوس الاله العظيم يقول وتوبوا الى الله جميعا لعلكم تفلحون
هاد سي يراهيم الطالب خطييييير الله يعطيك الصحة واخلاص …. فرتكتي الرمانة …