ولاية الفقيه بين إسماعيل الصفوي والخميني
هوية بريس – احسان الفقيه
الثلاثاء 30 يونيو 2015
لا تكمُن أهمية ومكانة الخميني لدى الإيرانيين والشيعة بصفة عامة لمجرد أنه قائد الثورة فحسب، بل لأن الخُميني قد أحدث تحوّلا جذريا في المسار السياسي والعسكري لطائفة الشيعة، حيث أنه قد أتاهم بنظرية ولاية الفقيه، والتي أنقذتهم من إشكالية منهجية حالت دون تمدُّدهم على مدى قرون.
كما هو معلوم، فإن الشيعة الإمامية الإثنى عشرية التي قامت على منهاجها الجمهورية الإيرانية، يرون أن الأئمة من لدُن علي بن أبي طالب رضي الله عنه ثم ولده الحسن، ثم الحسين ، ثم نسله، منصوص عليهم، ولا يجوز وفق معتقدهم أن تخرج الولاية عن هذا النسل.
* فلما جاء الإمام الحادي عشر وهو الحسن العسكري المتوفي عام 260 هجرية، كان عقيما لا ولد له، وهذا بدوره ينسف عقيدة الإمامة التي يجتمع عليها الشيعة الإمامية، وتحافظ على إطارهم العقدي الذي يميزهم عن غيرهم.
* وهنا سارع مرجعيات الشيعة بأطروحات كان أبرزها، الإدّعاء بأن الحسن العسكري له ولد اسمه “محمد” وأنه قد دخل سرداب سامرّاء، وغاب غيبة صغرى لمدة 70 عاما، كان يتصل بشيعته من خلال أربع سُفراء وفق المزاعم الشيعية، أعقبه بغيبة كبرى عام 329هجرية، وينتظرونه حتى اليوم لكي يخرج باعتباره مهديهم المُنتظر.
* وبحسب هذه الأساطير الشيعية فإن محمد بن الحسن العسكري الذي يسمونه صاحب الزمان، تسلم الإمامة وهو في عمر خمس سنوات، وأنه حيّ إلى الآن، أي تجاوز عمره 1170 سنة.
ووفق معتقد الشيعة لا يجوز الجهاد إلا مع أئمتهم، وهو من شأنه أن يجعل إيران مجرد دولة، دون أن يكون لها مشروع توسعي.
* فجاء الخميني قبل الثورة بنظرية ولاية الفقيه، والتي تعني أن ينوب أكثر فقهاء الشيعة علما عن الإمام الغائب، ويتصرف نيابة عنه، وكان ينشر الفكرة عندما كان في العراق قبل الثورة، والتي لم تقم إلا بعد أن اختمرت تلك النظرية، ليتكئ عليها الخميني في مشروعه الصفوي.
فوجد الشيعة في كل مكان من هذه النظرية فرعا عن الإمامة التي ينبغي أن يذعنوا لها ويدينوا لها بالولاء، لذا لا يتحرك أذناب إيران في أي مكان إلا تحت راية ولاية الفقيه.
لقد حشد الخميني مرويّات للشيعة حول ولاية الفقيه لتأصيل النظرية، إلا أن جميع هذه المرويات لا ترقى إلى درجة الصحّة بميزان النقد الحديثي للشيعة أنفسهم.
وقد عددّ “محمد مال الله” في كتابه “نقد ولاية الفقيه” هذه المرويات، وضعفها من المصادر الشيعية نفسها.
وذكر أن الكثيرين من علماء الشيعة رفضوا القول بصحة ولاية الفقيه، كان منهم “آية الله شريعتمداري”، والذي منح الخميني درجة “آية الله”، ثم تنكر له بعد الثورة، وسجنه في بيته، ومنع علاجه في الخارج، ومات حيث المكان الذي سُجن فيه.
* لطالما اعتقدتّ أن الخميني هو أو من قال بولاية الفقيه، إلا أنني وبعد المطالعة، وجدت أن الشاة إسماعيل الصفوي قد سبقه إليها بقرون، وهو ما يؤكد أن دولة إيران هي امتداد للدولة الصفوية، ومن قبلها الإمبراطورية الفارسية.
* إسماعيل الصفوي لمن لا يعرف، هو الذي أعلن قيام الدولة الشيعية في إيران عام 1501م بعد أن كان السُنّة فيها 90% من السكان، وقام باضطهادهم وإجبارهم على التحوّل إلى المنهج الشيعي.
وعندما حذره علماء الشيعة من ذلك قال: “إنني لا أخاف من أحد .. فإن تنطق الرعية بحرف واحد فسوف امتشق الحسام ولن أترك أحداً على قيد الحياة”.
وأحدث الشاه إسماعيل الصفوي العظائم:
أمر خطباء المساجد بسبّ أبي بكر وعمر وعثمان، والمبالغة في تقديس أئمة الشيعة الإثنى عشر.
وكما ذكر علي الوردي (كاتب شيعي) في كتاب “لمحات اجتماعية من تاريخ العراق”، فإن إسماعيل الصفوي قتل في بضعة سنوات حوالي مليون مسلم سني.
وقام الصفوي بامتحان الإيرانيين السُنّة، حيث من وافق منهم على سبّ الخلفاء والإمعان في سبهم، تركه، وإلا ضُرب عنقه.
وأمر الطاغية المذكور بأن يسجد القوم له، ونبش قبور علماء السُنة وحرق عظامهم غير مُكتفٍ بقتل الأحياء، وقام بسبي النساء وانتهاك الأعراض.
وهدم بغداد ونكّل بأهلها، وقتل علماءها، وأمر بقتل كل من كان من نسل خالد بن الوليد رضي الله عنه.
* هذا المسخ زعم أنه الولي الفقيه، حتى يتحلّل من قيد القتال وراء الأئمة، والذين توقّف عملهم بغيبة إمامهم محمد بن الحسن العسكري المزعوم والذي دخل السرداب ضمن غيبتين غبيّتين.
* وقد نقل عبد العزيز بن صالح المحمود الشافعي في كتابه “عودة الصفويين” عن بعض المصادر الشيعية، أن الشاه إسماعيل كان مع أتباعه الصوفية في الصيد في منطقة “تبريز” إذ مرّ بنهر فعبره لوحده ودخل كهفاً ثم خرج متقلداً بسيف وأخبر رفقاءه: أنه شاهد في الكهف “المهدي” صاحب الزمان، وأنه قال له: “لقد حان وقت الخروج”، وأمسك ظهره ورفعه ثلاث مرات ووضعه على الأرض.. وشدّ حزامه بيده ووضع خنجراً في حزامه وقال له: “اذهب فقد رخصتك”.
فكان ذلك إيذانا بنيابة إسماعيل الصفوي عن إمامهم الغائب المزعوم.
* وفي كتابه “إيران في العهد الصفوي” يُحلل الكاتب “راجر سيوري” هذا المسلك الذي سلكه إسماعيل الصفوي، بأن الصفويين اعتمدوا على فكرة الحق الإلهي لملوك الفُرس قبل الإسلام، وأن هؤلاء الصفويين أضافوا إلى هذا الحق آخر، عندما تزوج الحسين بن علي رضي الله عنهما ابنة كسرى “يزدجرد”، فاجتمع لأهل البيت حقّان، حقّ ملوك إيران، وحق خلافة أهل البيت وفق عقيدة الإمامة.
* والحاصل أن الخميني سار على نهج إسماعيل الصفوي، سواء كان في ذات العقلية الديكتاتورية التي ساقت ولاية الفقيه، أو فيما تبعها من بطش وقمع واضطهاد للمخالفين.
لقد منحت تلك النظرية الخميني باعتباره الولي الفقيه، سلطة دستورية مطلقة في إيران، فهو المصدر الأعلى للسلطات: التشريعية والقضائية والتنفيذية، وهو وحده له حق تعيين وإقالة رئيس الجمهورية، وله حق إعلان قرار الحرب، باختصار: سلطة مطلقة.
لم تجنِ إيران من وراء ولاية الفقيه سوى الخضوع لسلطة ديكتاتورية، فاقت ما كان عليه عهد الشاه، وكم كتب الخميني عن ضرورة قيام الحكومة الإسلامية وفق ولاية الفقيه، ووعد بآثارها المبهرة، وجعل الناس يعيشون في حلم أفلاطوني كبير، إلا أنه بعد الثورة نسف كل ما وعد به، ونكّل بأهل السنة، وبغيرهم من بني جلدته ممن عارضوه.
* لم يجن الشعب الإيراني من ولاية الفقيه سوى البطالة والفقر، حيث أن أموالهم تتبدّد في الصراعات وتمويل الجيوب وسماسرة السلاح والميلشيات التي تخدم أجندات إيران السياسية.