التحدي بين الحقيقة والوهم
ذ. أحمد اللويزة
هوية بريس – السبت 28 شتنبر 2013م
حب التحدي من أجل تحقيق شهرة عالمية أو محلية صار الشغل الشاغل لكثير من الناس ولاسيما فئة الشباب المستهدفة بعملية الفساد والإفساد. نسمع عن مسابقات وإقصائيات وبرامج ورياضات عن التحدي ورهاناته, وهذا النوع لا يعد تحديا بقدر ما يكون رغبة جامحة توافق هوى في النفس، تفجرت في لحظة من اللحظات لتحقيق مكسب مادي أو معنوي يزول أثره مع مرور الوقت ويصبح جزءا من الماضي بدون فائدة ولا قيمة.
التحدي الحقيقي اليوم هو الذي يثبت به المرء ذاته عقلا وشرعا، وليس استسلاما للهوى وركوبا لصهوة الشهوات، وبلوغا لمراتب الشهرة والنجومية المزيفة ذات الأحلام الوردية التي تستحيل كوابيس تجعل الإنسان بدون شخصية ولا ذات معنوية كاملة، باعتبار أن الإنسان حقيقة هو الذي استطاع بناء الروح وليس على حساب الجسد، لا الذي استأثر اهتمامه بالمادة على حساب الروح، فيصير هؤلاء كالدمى يتحركون بدافع يخرج عن سيطرة الذات ومقوماتها ورغباتها التي لا تتنافى مع داعي الفطرة السليمة، فيصبح الشخص سجين اضطرابات نفسية وآلام معنوية تتحول مع مرور الوقت لأعطاب عضوية لا مخرج ولا منجى منها إلا بالعودة إلا طريق الله المستقيم الذي يحتاج بالفعل إلى تحد حقيقي ومواجهة شرسة مع صوارف الخير ودواعي الشر، حيث هناك يظهر المعدن الحقيقي للإنسان، وقدرته على مواجهة التحديات الحقيقية التي تحول بين المخلوق وبين مطالبه الحقة المستقرة في دواخل كل إنسان متمثلة في إدراك سعادة الدنيا، و بلوغ الفردوس الأعلى.
فما التحدي المطلوب اليوم، واليوم بالذات على كثرة الصوارف والمغريات والشهوات؛ كما وكيفا ووسيلة؟
التحدي اليوم هو حين تجد الشاب قد تسامى بنفسه عن التصابي، ولم يستسلم لشهوات الزمان كغيره من كثير الشباب، فتحدى دوافع العلاقات الغرامية وأحلامها ومنكراتها، وعف نفسه وفرجه عن الفاحشة في وقت صارت العفة شذوذا عند الغالب، وارتكاب الزنا سهل المنال، ولم يخض مغامرات المخدرات وأنواعها، ووهم الرجولة الذي ألصقوه بها ظلما وزورا، ولم يأسره بريق الموضة واجتذابها, فكان شامة بين الأصدقاء والأقرباء والجيران بتعقله وثباته وتصبره وتقواه.
التحدي اليوم حين تجد المرأة قد ترفعت عن سفاسف الأمور التي تعلقت بها قلوب كثير من بنات جنسها؛ من زينة وتبرج وعري وتجمل… ولم يسحرها سراب الموضة وعروض الأزياء، ومظاهر الخنا والتغنج، فسلمت من أن تكون دمية أو سلعة رخيصة على قارعة الطارق، وبقيت متألقة شامخة بحجابها ونقابها وعفتها ووقارها فربحت الرهان وبلغت درجة التحدي ولنعم التحدي.
التحدي اليوم حين ينجح الأب في تربية أبنائه تربية صالحة، ولم يرفع الراية البيضاء، ولم يعلن الاستسلام أمام شركاء التربية المفسدين من إعلام وتلفزة وشارع ورفقاء سوء وهلم جرا، وكان أبا ناجحا استطاع أن يخلص أبناءه من براثين الفتن والفساد، إنه التحدي الكبير الذي فشل فيه أكثر الآباء.
التحدي اليوم حين يصبر رب الأسرة على شظف العيش وضيق المسكن ولا يستسلم لمغريات إشهار الربا، ولم ينخدع بعبارات ” الكرا بثمن الشرا”، ولم يخضع لضغوط الأسرة وإغراء الأصدقاء الذين يؤزونه أزا، وهو يراهم يتطاولون في البنيان من حواليه، وقال بأعلى صوته لا للربا، لا لمحاربة الله ورسوله.
التحدي اليوم حين يبحث الإنسان المسلم عن عمل فلا يجد أمامه إلا أبواب الحرام مترعة فيتجاوزها، ولا يلتفت إلى هذيان من حوله، ويواصل رحلة التحدي بحثا عن الرزق الحلال وإن قل، لأنه يعلم أنه لا خير في حرام وإن كثر، وأن كل لحم نبث من حرام فالنار أولى به.
التحدي اليوم حين يقبض المسلم على جمر التقوى ويصبر على حر الطاعة ويمضي في طريق الله المستقيم، دون أن يعبأ بكثرة الملذات وتنوع الشهوات، أو يسمع لدعاة الهوى وشياطين الإنس الذين يترصدون السالكين على درب الهدى، فلم يخدعه بريق الدعوات الهدامة، ولا عذوبة الأصوات الخادعة، ولا بلاغة الكلمات الساحرة، وهو يعلم أن تحت سربال البشر ذئاب غادرة تخنق ولا تأكل، تغوي ولا تهدي، تفرح بهلاك البشر وتحزن بنجاتهم.
فالتحدي الأكبر اليوم هو أن تدرك حقائق الأشياء من حولك، فتميز بين غثها وسمينها، وتفرق بين الحق والباطل فيها، وتعرف الخير من الشر، فتسلك الطريق الصحيح ضمن كثرة الطرق، وتختار الاختيار المناسب وسط ركام المواقف والآراء، وتمضي في طريقك دون أن تكترث بقلة السالكين معك. تتحمل كامل مسؤوليتك ولا يثنيك كثرة الهالكين من حولك.
التحدي اليوم حين تشعر بمنتهى الغربة مع ذاتك وأهلك ومحيطك ومجتمعك، فتحول تلك الغربة إلى سعادة، في حين يجدها الآخرون شقاء وتعاسة، وتتلذذ بها في زمن الوحشة فلا تهتم بأقاويل الناس ولا تهكماتهم، ولا تهمك تعليقاتهم ولا انتقاداتهم، لأنك في عالمك الخاص، لو علموا بحقيقته ما تركوك وحدك ولزاحموك بالأكتاف.
قمة التحدي في هذا الزمان أن تثبت على الحق ولا تتلون فيه، وتستقر على الهدى ولا تنقلب على عقبيك، وأن تعبد ربك حتى يأتيك اليقين. هذا هو التحدي الحقيقي الذي يرفع درجة المرء في الصالحين، ويرفع الله قدره في الدارين، فيكون بذلك صاحب المعدن النفيس والأصل الأنفس، توكل على الله فأعانه، واستنصر به فنصره، واستعان به على طريق الهدى فأعانه، ولم تستطع فتن الزمان وشهواته أن تنال منه كما نالت من كثير من الناس، فهم صرعى في بيداء الضلالة كأنهم أعجاز نخل خاوية، ساقهم إبليس وأعوانه من الإنس إلى قعر الهلاك وهم لا يشعرون. فاللهم هدايتك وتثبيتك يا رب العالمين.