شهوات العلم الرمضانية.. القراءة في الكتب معقل العالمين وميزان العقلاء
عبد الرحمان بنويس
هوية بريس – الجمعة 17 يوليوز 2015
بالرغم من القول إن الشهوة الذي يستدام بها الطلب، وأقصد طلب العلم لمن المحررات التي ينبغي توفرها في طالب العلم في العصر الحديث، ذلك أن الطلاب اليوم أصبحوا يسأمون من الطلب، وكل منهم يحبذ الغش على ما سواه رضى لنفسه، وافتخارا لها بالتفوق العلمي، وهو في الحقيقة نفوق أتى من ريح السماء مفعوم بغبار منقول دون أن يبلغ عليه صاحبه أدنى جهد ممكن، وهو افتراء على نفسه وغشا لها، وخديعة لأصحابه المساكين، الذي يرون فيه براءة العلم والتطلع له، والبحث فيه والغوص فيه، ولو أنه أركس نفسه بذلك، لحقق علما وافرا وزادا ممكنا وجهدا مباركا، وخصوصا مع نفحات هذا الشهر الكريم الذي تطيب القراءة به وينعم الفكر بتغذيته، والوجود بذكره والعقل بحفظه.
فإذن العلم واسع وطالب العلم متى يتوسع في البحث إذا اطلع على الكتب، لهذا لا يتصور أن تكون باحثا بدون إطلاع على الكتب ولن تكون مطلعا على الكتب إذا اقتصرت على ما يباع أو ما عندك؛ لأن الكتب بحر لا ساحل له، لما تحمله هذه الكلمة من معنى (بحر لا ساحل له)..
ويا ريث على شباب فضل العيش بدون جهد والربح بدون خسارة، ومحبة العمل بدون أدنى جهد ممكن ولا حول ولا قوة إلا بالله.
زرت بعض المكتبات ودور النشر بمدينة الدار البيضاء المغربية فإذا عيني تبصر رجالا شيوخا ينقبون ويبحثون عن كنوز العلم بين ضفاف المكتبة ويختارون الكتب الذهبية لكبار العلماء القدامى منهم والمحدثين، ويطمعون في الكتب ذات التحقيق العلمي الرصين، ولو بالثمن الذي يبتغيه صاحب المتجر، والغرابة أني أحببت أن أسمع بعض كلامهم لعل الله يبتليني به، لأنه كلام علم وفصاحة ولا يكاد كلامهم يخلو عن كتاب كذا أو كتاب كذا والتحقيق الفلاني ودار النشر الفلانية… فأدركت أنها الشهوة التي يستدام بها الطلب ويستمر بها العلم، وقد تحدث عنها الإمام الماوردي في كتابه القيم “أدب الدنيا والدين” وبعد سماع نفحات ذلك الكلام، تفاجأت أنهم أناس ليسوا من أهل البلد، وإنما هم من أدغال إفريقيا وقد أتوا من مكان بعيد مقبلين على مكاتب المغرب يسعون فيهم الثقة والتحقيق العلمي الذي لا تطفوه زلات الزائغين أو هفوات المحققين أو تدليس المبطلين…، فقلت لنفسي لماذا لا أمتع نفسي بهذا الكلام الحلو الطيب العذب، فإذا أنني اكتشفت أنهم من بلدان مختلفة، وقد جمعت بينهم مجالسات سالفة في أماكن مختلفة لا أدري أين، لكن كلامهم يوحي أن لهم خطة جميعا، وهي أنهم قد عودوا أنفسهم على زيارة المكتبات والسباق إلى اقتناء وقراءة الكتب والأخذ منها.. وفي ذلك يصدق قوله تعالى: “وفي ذلك فليتنافس المتنافسون” (المطففين:26).
وبعد الخروج من هذه المكتبات ولا يزهوا مكان أحلى لي منها إذا بي أرى شبابا في حالات تبكي ولا تشفي..، في لهو وسهو ولعب أمام دكاكين الأحياء والحوانيت فحمدت الله على حالي أن الله عز وجل لم يبتليني مما ابتلى به غيري، وأنا في حال أحسن من أحوال كثير من شباب هذه الأمة ولا حول ولا قوة إلا بالله. بل لعل الله جعل هذا المشهد موعظة، والموعظة تنفع الذاكرين، ولا يخلو هذا الحدث ذاكرتي الصغيرة، أتذكره كلما أرى شبابا في لهو مقابل نيل شهوة فانية، دانية لا تحلو لذتها إلا في دقائق معدودة وثوان محصورة وهم في غفلة ساهون، وقد ضاع العلم لما لم يجد من يقبل عليه من الشباب، لأنهم تركوه لأعدائنا فصرنا نقبل منهم بالداني والفاني، معتقدين أنهم يأتون بالجديد، ورحم الله علماءنا العظام لما أقبلوا على العلم ونهلوا منه واحترموا ما كتبه أسلافهم سواء في العلوم الشرعية أو الطبيعية أو الأدبية.
رمضان ككل عام يأتي بنفحات عطرة وموجات إيمانية مباركة مدعمة بتلاوات قرآنية وأحاديث نبوية، وفيه تكثر السكينة وتنزل الرحمة وتتطيب القلوب، وكالعادة فالكثير من طلبة العلم والعلماء يقبلون على القراءة والكتابة، وفي أثنائها تعرف المكتبات إقبالا واسعا، ناهيك على أن بعض الباعة يخصص نفسه في هذا الشهر السعيد بالتجارة في الكتب التي تعرف إقبالا عند العامة فضلا عن أصحاب التخصص من أهله.
وفي الاخير تبقى القراءة عند من لهم بها شأنا وهمة وقمة روحا في أجسادهم ودماء في عروقهم، فهي معقل العالمين وروضة الصالحين وجنة الطالبين، ودهاء العقلاء وشهوة المريدين، وما يزيدها حلة مصادفتها مع الشهر الكريم معقل الصابرين وموثق المحبين وصلة القراء بأربابهم من المكتبات والكتاب، فنسأل الله أن يكرم بالعلم وينفعنا بالحلم ويرزقنا لذته وشهوة طلبه والإقبال عليه من دون تعب ولا ندٍ، والتسليم فيه كما قال الله الرسول صلى الله عليه وسلم. على لسان الله عز وجل في القرآن الكريم: “وقل رب زدني علما” (طه:114).