«دوزيم» (2m).. القناة المفلسة

22 يوليو 2015 23:10
«دوزيم» (2m).. القناة المفلسة

«دوزيم» (2m).. القناة المفلسة

د. رشيد نافع

هوية بريس – الأربعاء 22 يوليوز 2015

ليس صدفة ولا عن حسن نيةٍ أن توجَّه طاقات شبابنا وبناتنا إلى الرسم والرقص والغناء، ويكون ذلك محور التوجيه في الصحافة والإذاعة والتلفزيون من حيث لا توجَّه طاقاتهم ولا عبقرياتهم إلى العلم والصناعة والاختراع، إنها خطة مكرية تنفَّذ من أموال الشعب عبر القناة الثانية “2m ليغرروا بالمراهقين والمراهقات بل وممن تحسبهم من الأسوياء.

ويشتد تيار أهل الشهوات في هذاالزمان أكثر من غيره وصدق ربنا إذ يقول: {وَيُرِيدُ الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الشَّهَوَاتِ أَنْ تَمِيلُوا مَيْلًا عَظِيمًا} [النساء:27]، نعم زمان فشت فيه الشرور وعظمت فيه الفتن، وصارت بسبب كثرتها يرقق بعضها بعضا.

وهذا مصداق قول نبينا صلى الله عليه وسلم: {وَإِنَّ أُمَّتَكُمْ هَذِهِ جُعِلَ عَافِيَتُهَا فِي أَوَّلِهَا، وَسَيُصِيبُ آخِرَهَا بَلَاءٌ وَأُمُورٌ تُنْكِرُونَهَا، وَتَجِيءُ فِتْنَةٌ فَيُرَقِّقُ بَعْضُهَا بَعْضًا، وَتَجِيءُ الْفِتْنَةُ فَيَقُولُ الْمُؤْمِنُ هَذِهِ مُهْلِكَتِي ثُمَّ تَنْكَشِفُ، وَتَجِيءُ الْفِتْنَةُ فَيَقُولُ الْمُؤْمِنُ هَذِهِ هَذِهِ، فَمَنْ أَحَبَّ أَنْ يُزَحْزَحَ عَنْ النَّارِ وَيُدْخَلَ الْجَنَّةَ فَلْتَأْتِهِ مَنِيَّتُهُ وَهُوَ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ…} رواه مسلم من حديث عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما.

ولقد تزايد في هذا الزمان كيد الفجار من أرباب الصحافة وأجهزة الإعلام بأنواعها، مستهدفين مبادئ المسلمين، يبتغون خلخلة دينهم وزعزعة إيمانهم وتدمير أخلاقهم وإفساد سلوكهم ونشر الفاحشة والرذيلة بينهم وسلخهم من فطرهم من خلال برامجهم، لا بلَّغهم الله ما يرجون.

ولقد كانوا سابقا يعجَزون عن الوصول إلى أفكار الشباب وعقول الناشئة لِبَثِّ ما لديهم من سموم، وعرض ما عندهم من شذوذ ومجون، أما الآن فقد أصبحت تحمل أفكارهم الرياح، إنها رياح مهلكة، بل أعاصير مدمرة تقصف بالمبادئ والقيم، وتدمر الأديان والأخلاق، وتقتلع جذور الفضيلة والصلاح، وتجتث أصول الحق واليقين.

وعلى سبيل المثال لا الحصر فقد تمكنت القناة الثانية “2m” وأخواتها من خلال قناتها الأرضية والفضائية والبث المباشر من الوصول إلى العقول والأفكار، ومن الدخول إلى المساكن والبيوت يحملون نتنهم وسمومهم، ويبثون عفنهم ومجونهم، وينشرون رذائلهم وحقاراتهم وفجورهم في مشاهد زور و خنى وفجور، تطبع في نفوس النساء والشباب محبة العشق والفساد والخمور، بل إنها بمثابة شَرَك الكيد وحبائل الصيد تقتنص القلوب الضعيفة وتصطاد النفوس الغافلة، فتفسد عقائدها، وتحرِّف أخلاقها وتوقعها في الافتتان، ولا أشد من الفتنة التي تغزو الناس في عقر دورهم ووسط بيوتهم محمومة مسمومة محملة بالشر والفساد.

بل “2m” أمطرتنا في رمضان الأخير بدعايات لمسلسلات رمضانية ماجنة، نساء فاتنات وتبرج وحب وهيام وموسيقى وأنغام في شهر رمضان، لهو وضحك وسخرية في شهر الغفران، وبعد العيد مباشرة لقطات حميمية وقبل حارة على المباشر من غير حياء ولا خجل ولا حسيب ولا رقيب، هذا الوضع تجاوز فعل الذنب إلا ما هو أشد ألا وهو المجاهرة بالمعاصي، وإن حَذَّرتَ وأنذرتَ، قالوا لك أنت متخلف متحجر جامد، إنما هي وسائل للإصلاح الاجتماعي، وصدق الله إذ يقول: {وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ لَا تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ قَالُوا إِنَّمَا نَحْنُ مُصْلِحُونَ،أَلَا إِنَّهُمْ هُمُ الْمُفْسِدُونَ وَلَكِنْ لَا يَشْعُرُونَ} [البقرة:11-12]، كم من الأعوام وهذا الغثاء يتكرر فهل صَلُحَ المجتمع أم أنه في انحدار وترد!!

خير الورى محمد صلى الله عليه وسلم أصلح أمةً بدويةً، أميةً همجيةً كانوا يعبدون الأصنام ويشربون الخمور ويقتلون بناتهم خشية العار إلى آخر ما كان في أرض الجزيرة والعالم أجمع، أصلحهم بفضل الله بالدين، بالقرآن وليس بالغناء والخنى والمسلسلات والاستهزاء بالدين وأهله قصد الترويح زعموا، فالذي لا يَصْلُحُ بالدين لا يَصْلُحُ بغيره، قال إمامنا مالك رحمه الله: (لن يصلح آخر هذه الأمة إلا بما صلح به أولها)، وأوائلنا وسلفنا الصالح هم الصحابة ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين، وأئمة الدين العدول كالأئمة الأربعة وأهل السُّنَّة والجماعة.

بل وصبت علينا “2m” من خلال شهيوات وفن الطبخ، شهوات البطون أغرقتنا بأكلات ومشروبات رمضانية؛ يملأ العبد منها بطنه ساعة الإفطار حتى تثقل أعضاؤه عن العبادة، فإذا قام يصلي لا يتلذذ بقرآن ولا بصلاة.

وللأسف! بل ومما يملأ القلب حزناً وكمداً أن أصبح في أبناء المسلمين وبناتهم من يجلس أمام هذه القناة المدمرة ساعات طوال وأوقات كثار يصغِي بسمعه إلى هؤلاء، وينظر بعينه إلى ما يعرضون ويُقبل بقلبه وقالبه على ما يقدِّمون. ومع مر الأيام تتسلل الأفكار الخبيثة وتتعمق المبادئ الهدامة وتُغري العقول والأفكار، ويتحقق لهم ما يودُّون. قال الله عز وجل: {فَلاَ تُطِعِ الْمُكَذِّبِينَ، وَدُّوا لَوْ تُدْهِنُ فَيُدْهِنُونَ} [القلم:8-9].

إن من يتأمل الأضرار والأخطار التي يجنيها من يشاهد ما يَبُثه هؤلاء يجدها كثيرة لا تحصى وعديدة لا تستقصى، أضرار عقائدية، وأضرار اجتماعية، وأضرار أخلاقية وأضرار فكرية ونفسية.

فمن الأضرار العقائدية خلخلة عقائد المسلمين والتشكيك فيها ليعيش المسلم في حيرة واضطراب وشك وارتياب، وإضعاف عقيدة الولاء والبراء والحب والبغض ليعيش المسلم منصرفاً عن حب الله وحب دينه وحب المسلمين إلى حب رموز الفساد ودعاة المجون، إضافة إلى ما فيها من دعواتٍ صريحة إلى تقليد النصارى وغيرهم في عقائدهم وعاداتهم وتقاليدهم وأعيادهم وغير ذلك.

ومن الأضرار الاجتماعية والأخلاقية، ما تبثه “2m” من دعوات إلى الاختلاط والسفور والتعري وتشبه الرجال بالنساء والنساء بالرجال، والدعوة إلى إقامة العلاقات الجنسية الفاسدة لتشيع الفاحشة وتنشر الرذيلة، إضافة إلى ما فيها من إكساب النفوس طابع الخمول والكسل، ناهيك عما تسببه تلك المشاهدات من إضاعة للفرائض والواجبات وإهمال للطاعات والعبادات، ولاسيما الصلوات الخمس التي هي ركن من أركان الإسلام. إلى غير ذلك من الأضرار والأخطار التي يصعب حصرها ويطول عدُّها: {إِنَّهُمْ يَكِيدُونَ كَيْداً وَأَكِيدُ كَيْداً} [الطارق:15].

هذا بعض ما يقوم به هؤلاء ويسعون إلى الوصول إليه، فما الواجب علينا تجاه ذلك كله؟

أيليق بالمسلم العاقل السوي أن يصغي لكيدهم ويركن لشرهم ويستمع لباطلهم؟

أيليق بالمسلم أن يرضى لنفسه وأبنائه الجلوس لمشاهدة ما ينشره هؤلاء والاستماع إلى ما يبثونه؟ أيليق بالمسلم أن يرضى لنفسه بالدنية ولأهل بيته بالخزي والعار والرزية؟

لقد حذر الله عباده من الميل إلى أهل الشهوات، {وَاللَّهُ يُرِيدُ أَنْ يَتُوبَ عَلَيْكُمْ وَيُرِيدُ الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الشَّهَوَاتِ أَنْ تَمِيلُوا مَيْلًا عَظِيمًا} [النساء:27].

وبيَّن عظم شرهم وكبرَ خطرهم وفداحة كيدهم ومكرهم، وبين سبحانه لعباده السُّبل السوية التي من سلكها نجا ومن سار عليها هُدي إلى صراط مستقيم، إنها العودة الصادقة إلى دين الله والاعتصام الكامل بحبله والسير الحثيث على نهج رسول الله صلى الله عليه وسلم، والصبر على ذلك كله إلى حين لقاء الله {وَإِن تَصْبِرُواْ وَتَتَّقُواْ لاَ يَضُرُّكُمْ كَيْدُهُمْ شَيْئاً إِنَّ اللّهَ بِمَا يَعْمَلُونَ مُحِيطٌ} [آل عمران:120].

ولا يماري أحدٌ من أن البونَ شاسِعٌ بين دين الله وأوامره، وبين ما نحن فيه اليوم من مظاهر الفساد والإفساد، ولا يماري أحدٌ من أن الفرق شاسع بين العزِّ والتمكين الذى كان يتمتع به الأوائل، وبين الذُّلِّ والمهانة التي نحن فيها اليوم: {وَمَا رَبُّكَ بِظَلامٍ لِّلْعَبِيدِ} [فصلت:46].

آخر اﻷخبار

التعليق

اﻷكثر مشاهدة

حالة الطقس
18°

كاريكاتير

حديث الصورة

128M512M