الكاتبة الأردنية احسان الفقيه تكتب: «وكل لبيب بالإشارة يفهم» لشحذ الهمم
هوية بريس – احسان الفقيه
السبت 25 يوليوز 2015
أحلم بإسلام يمشي على الأرض لا في صفحات الفيسبوك..
ويُغرّد في سماء بلادي لا فوق شجر تويتر..
أحلم بك تُقدّم النصح بذوق..
تسعى للعدل.. تنتمي للحق أينما كان..
* ما كنت يوما لأشير بأصبعي إلى عورة في أمتي إلا من أجل سترها..
ولا أتصيّد خطأ لشخص ما.. أو كيان ما.. أو دولة ما، فالشأن لدي أعظم، والعزم قد انصرف للإصلاح، وليس في القاموس مفردات لصناعة المجد الشخصي بلباس شهرة، أو تغريد خارج السرب كراهية في السرب، فلستُ شوكة على غصن ورد، فضلا على أني لن أكون وردة تختال على غصن.
* وإني لأعلم أن الكتابة لا تستطيع وحدها أن تصنع ثورة، أو أن تُغيّر مُجتمعا.. فلن أقوى على ذلك حتى لو أردتّ وأرادت.. لكن الكتابة أداة لدخول عوالم الذين لا يعرفون كيف تطبخ الأخبار، وكيف تُغتال الحقائق، وكيف يضحك عليهم طغاة الأرض وهم يبتسمون ببالغ الرضا والتقبّل..
* الصياد يصطنعُ الصفير ليوقع طائرا يظُنّه من نوعه فيجيء للمصيدة والسكين..
اللئيم يسرق لغة الدراويش.. يتلو على البسطاء أسطورة عنهم.. ولستُ أُجيد الاثنتين..
* عنترة العبسي كان يُقاتل مُنفردا ويعود مُنتصرا، ويقول لعبلة:
اسألي الخيل يا ابنة مالك.. وستعلمون يوما (أن هذه التي تكتب ما خدعتكم بقوم هتفت لهم أو ناصرتهم أو استبشرت بهم خيرا.. أبدا.. ولم تكذب)..
* تلك السطور نصيحة مُحبّ ينتمي لكم ويعنيه أمركم، آثر التلميح لا التصريح، فالغاية هي التجميع لا التفريق، إلا أن كل لبيب حتما بالإشارة سوف يفهم.
* أحلم بألا نُحبّ جملة واحدة، وألا نكره دفعة واحدة، فكلٌ يصيب ويخطئ، والدولة يتعاقب عليها البر والفاجر والمصلح والمفسد، فمن الظلم أن نُحَمِّل أحدَهما ميراث الآخر، ونُصلِي من يقوم بتعديل المسار من حِمم النقد غير المبرر.
ومن الظلم أن نفترض في حركاته وسكناته سوء النية.
من الظلم أن نجعل منهاجنا مخاصمة الحُكّام فقط لأنهم حُكام.
إن دستور العدل يفرض علينا أن نتعامل مع كل منهم على حدة، وألا نضعهم في سلة واحدة، وإنما يرفع الحاكم أو يهبط به.. عملُه ونهجه..
وكل لبيب بالإشارة يفهمُ…
* أحلم بأن أرى المليارات التي يُغدق بها البعض على الطغاة وأصحاب العروش، التي بُنيت من عظام ضحايا الظلم والاستبداد، تتّجه إلى حيث مصالح الشعوب المنكوبة الباحثة عن مقوّمات الحياة.
سلُوا أنفسكم يا قوم، ماذا جنيتم من دعم الجبابرة الذين استخدموا أموالكم في سحق عظام شعوبهم، وقتلوا بها أحلامهم، وَوَأدُوا بها حريّاتهم، وذبحوا بها آمالهم؟
لئن طال بكم الأمد لتحاسبنكم الشعوب، فصحّحوا المسار، وضعوا الأمور في نصابها، وزِنوا بالقسطاس المستقيم، وانصروا المظلوم، ولو دام المُلك لسواكم لما وصل إليكم.. فلن تستقرّ عروشكم إلا على قوائم العدل، فأدركوا أنفسكم، فالزمن لن يمهلكم، فإن الأرضة لن تكون أكثر توقيرا لكم من سليمان إذ أكلت منسأته.
وكل لبيب بالإشارة يفهمُ…
* أحلم بأن يفقه بنو قومي معنى الأولويات وواجب الوقت، وفلسفة الالتقاء في منتصف الطريق، والاجتماع على الأرضية المشتركة، ونبذ الخلافات والفرعيات لمواجهة التحديات والأخطار الكبرى التي تزلزل أبواقها جدران بيوتنا المتهالكة.
وكل لبيب بالإشارة يفهمُ….
* أحلم بوعي حكومي وشعبي في كل قُطر من أمتي، يحمله على مواجهة الخطر الفارسي كما الصهيونيّ خارج حدوده، فلا ينتظر حتى تشبّ النار في داره كصاحبنا جحا، ولا أن يجلس في يوم يتباكى على من باعهم لغيره دون ثمن، ويقول كما أطلقها الثور الأخير: أُكلتُ يوم أُكل الثور الأبيض.
وكل لبيب من الإشارة يفهم…
* أحلم بعاصفة عاصفة، لا تُبْقي من روث الأرض ولا تذر، رحَّالة جوّالة، كلما انطلقت في المشارق أو المغارب صرخت “وامعتصماه”، لامست نخوتها، تتجاوز حدود المصالح الخاصة، وتكون عند ظن من أحسن بها الظن، وأطلق لدى رؤيتها دعاء (اللهم إني أسألك خيرها وخير ما أُرسلت به)، أملا في أن يتبعها غيث كيوم بدر، يُطهّر من الدرن، ويُثبّت الأقدام، ويُذهب وساوس الشيطان، لا كريح عاد العقيم.
وكل لبيب من الإشارة يفهم…
* أحلم بمُتديّن لا يُضاهي العلمانيين في علمانيتهم، فيقبع في المساجد والزوايا ليُرضي ربه ويتّقي الفتنة، تاركا أهل الفساد يرتعون في الحِمى، ألا في الفتنة سقطوا.
أربأ بمن يحب الله ورسوله عن التقوقع وترك التفاعل مع قضايا أمته، وألا يكون كمن قيل في شأنه:
حسبوا بأن الدين عزلة راهب***واستمرؤوا الأوراد والأذكارا
عجـبا أراهم يؤمـنون ببعـضه***وأرى القـلـوب ببعـضه كفارا
لكنني أشهد بأن:
الـديـن كـان ولا يـزال فـرائـضا*** ونوافلا لله واستغفارا
والدين ميدان وصمصام وفرسان*** تبيد الشر والأشرارا
والدين حكم باسم ربك قائم***بالعدل لا جورا ولا استهتارا
* وأحلم بمتدين لا يتماهى مع كلّ فكرة، ولا يذوب في كل منطق، ولا يضع الاستعلاء بالإيمان وراءه ظهريا، ولا يرضى الدنية في دينه تحت وهم التقارب مع الآخر، يتلو بالمقال والمقام والحال {إنك أنت الأعلى}.
وكل لبيب من الإشارة يفهم…
* وأحلم بأن نتعامل برؤية الأمة الواحدة، وتحت أنوار الولاء والبراء وأخوّة الإيمان، أن نرصّ الصفوف، فلا ندع للشيطان فرجة فيها، والمخطئ فينا هو ابن ديننا وأرضنا وسمائنا ودمنا، نحتويه، نستوعبه، نفسح له الطريق لتعديل المسار.
نحاوره، نراجعه، ونزيل عقبات التقارب معه، فإن احتاج إلى تقويم ففي بيتنا، لا نعين عليه الشيطان وأولياء الشيطان، ولا نستعين بعدونا على من أخطأ من أبنائنا، ولا نُجيب مطامع الشانئ والشامت.
تذكرت وأنا أكتب موقف كعب بن مالك، أحد الثلاثة الذين خلِّفوا عن غزوة تبوك، فأمر الرسول صلى الله عليه وسلم باعتزاله تهذيبا وتأديبا حتى يأذن الله له، ولك أن تتخيل أن الصحابي الجليل هجره القريب والبعيد، هجره الأخ والصديق، وصار وحيدا في داره وقومه، حتى جاء الفرج بعد خمسين ليلة، ونزل في توبته من عند الله قرآن.
في تلك المحنة التي ذاق مرارها، وصبر عليها احتسابا، جاءه وفد من قبل ملك غسان بكتاب قال فيها: “بلغنا أن صاحبك قد جفاك، ولم يجعلك الله بدار هون، فائتنا نواسِك”.
فما كان من كعب إلا أن ألقى الرسالة في التنور قائلًا: وهذا أيضا من البلاء.
تذكرت هذه الروح المسلمة التي لا تريد للشيطان مكانا في الديار، تلك الروح التي أريدها لي ولكم ولـ…
وكل لبيب من الإشارة يفهم…
* أحلم بفرسان أمتي المرابطين على الثغور، أصحاب الصولات والجولات في ميادين النضال، أن يلتفّوا حول الراية الصافية، وألا يتنازعوا فيفشلوا وتذهب ريحهم.
أيها الفرسان، لبُّوا نداء {واعتصموا}.
أيا رجالي، احذروا تقريع {قل هو من عند أنفسكم}.
أيا أجمل القوم، إياكم ومضاهاة من قيل فيهم {بأسهم بينهم شديد}.
على كلمة التوحيد وحِّدوا كلمتكم، وعلى راية الحق والعدل احشدوا جندكم.
وكل لبيب من الإشارة يفهم.
* الإشارات كثيرة بحجم الآلام وعدد الزفرات وجراح الأُمّة، والآمال كبيرة أنشد لها كل لبيب تُغنيه الإشارة عن العبارة.
ولو أعياك منطقي، أو سئمت مقالي، فانشُد غايتك في واحة أخرى، ولكن لا تنس في كل حال أن تكون لبيبا، ولتعلم بأني لستُ أنا العدوّ، ولن أكون..
وكل لبيب بالإشارة يفهم..