ذهب النطق فلم يبق إلا الحيوان!!
سفانة إراوي
هوية بريس – الإثنين 03 غشت 2015
كل ما في الأمر أن العالم مذ أحس بدفء التجرد من حوله، بدأ في سبر أغواره لاستخلاص المكنون وراء ذاته وحياته ومآله بما يوصله إلى التخلص من “أسطورة الإله” كما وصفها كاي دوموباسون -أحد دعاة هذا النوع من التجرد أيضا- ليبعث كل متجرد في أناه كبرياء يبيح قتل روح إنسانيته وفطرته التي جبل عليها.
وبهذا السبيل الأهوج الذي ينهج لإفراغ الذات من جوهرها، مسخت الإنسانية -التي جبلت على الفضيلة- برفعها لواء الحرية المطلقة متوهمة بأن خوضها هذا المسلك يمكن أن يؤهلها إلى الحضارة التي تصبو إليها، فسقطت بذلك في الوحشية التي لا يدرك معها الإنسان واجباته تجاه نفسه وفطرته، ابتداء بالتعري، مرورا بالمثلية، وانتهاء بويلات لم نسمع عنها بعد لن تكون إلا أشد وطأة إن هي لم توقف عند هذا الحد الذي بلغته.. فأين الحضارة في هذا الذي يقطر حيوانية وبهائمية؟!!
لسنا هنا نناضل من أجل رفع الحصار، ولا للضرار، بل للحوار.. لنخلص إلى إجابة شافية عن السؤال الجوهري في موضوعنا: أين العسل الذي تكالب على جمع الرحيق لاستخلاصه دعاة الحرية المطلقة هناك حيث أسقطوها؟ أليست حقولهم مترعة وأزهارهم مفتحة ونحلهم متلهفا نشيطا؟
فأين تلك الحياة الجميلة الدافئة التي سهروا على رسم لوحات أبعادها والتفنن فيها طويلا، والأعداد تشير إلى ارتفاع حالات الانتحار والاكتئاب فضلا عن أعداد الانعزاليين والانهزاميين والمرضى النفسانيين؟؟!!
لقد تناسى العالم الرأسمالي بأن الحب ليس مظهرا بل جوهرا، وبأن المصلحة المادية لن تسمو بالنفس إلى حياة كريمة قائمة على التوازن الروحي والجسدي بل ستربي فيها أنفة الأنانية والكبرياء والسيطرة والتمرد، ونسي أيضا بأن لا دستور سيستطيع أن يحكم به بعد ذلك، لأن الحرية المطلقة مطلقة في عرفه، فكيف يقننها بنظام يرضى عنه البعض دون البعض الآخر؟!
ونسي قبل كل ذلك بأن هذه الحرية التي تقوم على وثنية اليونان المقدسة للأجساد وتفاصيلها والتي أسقطت العالم في هوة الشهوة الملتهبة لا يمكن أن تحفظ للإنسان كرامته التي يتنزه بها عن كل ما يرديه إلى مقام الحيوانية، أي لا يمكن أن تحفظ له عقله وحكمته.. فما للإنسان إذن إن ضيع الجوهر في سبيل حيوانيته؟!
لا غرو فالإنسان هنا حيوان ناطق..
بل هو كما وصفه الأستاذ فريد الأنصاري: ذهب النطق فلم يبق إلا الحيوان!!