منذ فجر الاستقلال عرفت المنظومة التربوية المغربية مسلسلاًطويلا من الإصلاحات التي همت قطاع التربية والتعليم، وكانت الغاية المعلنة من كل محطة إصلاحية النهوض بقطاع التربية والتعليم ببلادنا، والاستجابة للحاجيات الوطنية من الأطر وبناء المجتمع وتحقيق التنمية المجتمعية والاقتصادية.
ومع توالي المشاريع الإصلاحية تم ربطها بتحقيق الجودة في التربية والتعليم، مع توالي تداخل المفاهيم الاقتصادية مع الحقل التربوي؛ وبدأ الحديث عن الجودة في التعليم؛ وتحسين المخرجات التعليمية.
فما هي أهم المشاريع الإصلاحية التي عرفتها المنظومة التربوية المغربية؟
وهل حققت أهدافها المعلنة وتمكنت من تجويد مخرجات قطاع التربية والتعليم؟
ولماذا تعدد المشاريع الإصلاحية لم تستطع النهوض بالمدرسة الوطنية العمومية؟
هذه الأسئلة وغيرها حملناها وطرحناها على الأستاذ خالد البورقادي؛ الباحث في قضايا التربية والتكوين؛ وهو مفتش تربوي للتعليم الثانوي التأهيلي؛ خريج المركز الوطني لمفتشي التعليم، له العديد من الأبحاث والدراسات التربوية، مشارك في عدة مؤتمرات وندوات دولية ووطنية حول قضايا التربية والتعليم.
1- المنظومة التربوية المغربية عرفت منذ فجر الاستقلال مجموعة من المحطات الإصلاحية؛ هَلاَّ حدثتمونا عن أهمها وباختصار لو سمحتم؟
أولا نتقدم إليكم ولجريدة السبيل بجزيل الشكر على هذه الاستضافة الكريمة والتي من خلالها نتواصل مع القراء حول الشأن التربوي والتعليمي ببلادنا،
وجواباً على سؤالكم نقول: إن المنظومة التربوية المغربية عرفت مسلسلا ما يزال مستمرا من الإصلاحات فقد تميزت السياسة التعليمية خلال السنوات الأولى للاستقلال بالتردد والحيرة والإجراءات المتناقضة، وذلك غالبا بسبب عدم استقرار العلاقة بين القوى السياسية. وفيما يلي أهم المحطات الإصلاحية:
1- إصلاح 1957: تكونت أول لجنة رسمية لإصلاح التعليم سنة 1957 سُميت: الحركة التعليمية 1957- 1958، وكانت تضم ممثلين عن جميع أنواع التعليم الموجودة بالساحة: التعليم الفرنسي الإسلامي؛ والتعليم اليهودي؛ والتعليم الفرنسي؛ والتعليم الأصيل؛ والتعليم الحر. وقد حددت “اللجنة العليا للتعليم” توجهات للإصلاح؛ وأصدرت:”حركة التعليم 1957- 1958″.
2- إصلاح 1958: لقد أصدرت “اللجنة الملكية لإصلاح التعليم” لسنة 1958 توصيات أقل ما يقال عنها أنها تعارض في مجملها توصيات اللجنة السابقة، فهذه التوصيات تقول:
بالرجوع إلى نظام الست سنوات بالابتدائي؛
بالرجوع إلى تعليم الحساب والعلوم باللغة الفرنسية في التحضيري؛
بإعطاء الأولوية لتكوين أطر التعليم وليس لتعميم التمدرس؛
بوضع خطة للتعليم.
3- خطة الإصلاح للجنة التربية والثقافة المنبثقة عن لجنة المخطط الخماسي 1960- 1964: مع وصول حكومة عبد الله إبراهيم في دجنبر 1958 سيحدث تغيير آخر في السياسة التعليمية، حيث عرفت وزارة التربية الوطنية أول إعادة تنظيم حقيقية لهيكلها. تأسست لجنة المخطط فقد تأسست بمرسوم صدر في فاتح أبريل 1959، وأنهت أعمالها في شهر غشت من نفس السنة. وأكد الوزير في خطابه الافتتاحي للَّجنة على: مسألة التمدرس؛ مسألة السياسة التعليمية.
وقد أسفرت أعمال اللجنة عن تقرير يحمل عنوان: “المذهب التعليمي” ويحتوي على جملة من المبادئ والأهداف معززة بتحديد كمي لإمكانيات تحقيقها. ومن أهم ما جاءت به: المبادئ الأربعة: التوحيد- التعميم – التعريب – المغربة.
4- مناظرة المعمورة أبريل 1964؛ كانت هناك عدة مؤشرات تدل على أن تحولا ما يجري في السياسة التعليمية قبل 1964. منها: توقف عملية التعريب في الابتدائي سنة 1962، انخفاض أعداد المسجلين الجدد بالتحضيري؛ تقلص نسبة القبول في الثانوي..، لكن مسألة السياسة التعليمية ستطرح بوضوح في مناظرة أقيمت بغابة المعمورة بضاحية الرباط في أبريل 1964.
5- المخطط الثلاثي 1965- 1967: في إطار السياسة التقشفية الجديدة قرر المخطط الثلاثي 1965-1967 تقليص ميزانية التعليم، وبالتالي تقييد نمو التمدرس والاهتمام أساسا بالتحسينات النوعية للنظام. فالضغوط المالية والتقنية، حسب المخطط تحتم النظر إلى مسألة التعميم بعين الواقعية والموضوعية الاقتصادية، وتدعو إلى العمل بنظام نخبوي في المستوى الثانوي لأنه من الصعب جدا استيعاب طوابير التلاميذ القادمة من التعليم الابتدائي.
2- عفوا، قبل الاستطراد في كرونولوجيا المشاريع الإصلاحية، لماذا نلاحظ هذه السرعة في الانتقال من إصلاح إلى إصلاح وفي مدد زمنية وجيزة؟
بالفعل نلاحظ تسارع المشاريع الإصلاحية في قطاع التربية والتعليم عقب الاستقلال؛ وبالتأمل في تفاصيلها نلحظ قدرا كبيرا من الحيرة والاضطراب؛ وذلك بسبب عدم استقرار العلاقة بين القُوى السياسية وبين السلطة في تلك الفترة؛ فكما تعلمون أن الحركة الوطنية حينها كانت تحمل رؤى ومشاريع تراها امتدادا لنضالها المستميت من أجل الاستقلال، والمدخل الكبير لذلك الاستقلال هو الاستقلال في القرار التربوي ببناء مدرسة وطنية عمومية منطلقة من المبادئ الأربعة: التعريب – المغربة – التوحيد – التعميم.
لكن الأجرأة العملية لهذه المبادئ ستصطدم بغياب الإرادة الحقيقية لدى صانعي القرار، ثم أضف إلى ذلك الهاجس المالي المبكر تجاه تمويل التعليم. فالمخطط الثلاثي 1965- 1967 كما نرى قد تخلى عمليا عن مبادئ التعميم والتوحيد والمغربة؛ وذلك لأسباب مالية.
إن اختيارات المخطط الثلاثي هاته لم تلق الترحيب من طرف الرأي العام، بل على العكس من ذلك لقيت معارضة المنظمات السياسية والنقابية الوطنية وأثارت من جديد الجدل مع الوزارة الوصية على التعليم (الجامعة الوطنية للتعليم 1964، حزب الاستقلال 1965). لكن هذه الأخيرة لم تُعر اهتماما لموقف المعارضة وأخذت تطبق على الفور الإجراءات المقررة في المخطط.
3- وماذا عن المشاريع الموالية؟
نعم توالت المشاريع الإصلاحية بعد ذلك فدخلت المنظومة فيما يمكن تسميته إصلاح الإصلاح، ومن ذلك:
6- المذهب الجديد للتعليم (مذهب بنهيمة): أمام تكاثر المشاكل وتضخمها سيتم تقسيم وزارة التعليم إلى أربع وزارات في يوليوز 1968 ثم إلى ثلاث وزارات في غشت 1969 ودائما دون نتيجة.
إن وثيقة المذهب الجديد للتعليم قد تم إعدادها تحت إشراف الوزير بنهيمة وهي تتطرق إلى مسألة التعليم بصفة شمولية واضعة إياها في إطار السياسة الاقتصادية الجديدة للدولة. وهي تقوم بإدانة صريحة للسياسة التعليمية المتبعة منذ الاستقلال. وللدفاع عن مذهبه قام الوزير بتقديمه في ندوة صحفية في شهر أبريل 1966 وسلَّم نسخا من تقريره للأحزاب السياسية والمنظمات النقابية والمهنية كما قام بحملة تفسيرية (نفس المنهجية ستعتمد مع الميثاق، خاصة بعد صدور تقرير المجلس الأعلى للتعليم 2008 فعمت حملة وطنية على صعيد النيابات والمؤسسات لتفسير التقرير !!!) عبر أنحاء البلاد.
لكن طروحاته أثارت في كل مرة ردود فعل عنيفة تم التعبير عنها بواسطة تصريحات ومذكرات تنديدية وبافتتاحيات عنيفة وإضرابات ومظاهرات في أوساط التلاميذ والطلبة وباقتراحات إصلاحية مضادة. (حزب الاستقلال، حزب الاتحاد الوطني للقوات الشعبية، الاتحاد المغربي للشغل).
7- المخطط الخماسي 1968- 1972: اعتمد ما جاء في “المذهب الجديد للتعليم”، فهو على مستوى الأولويات يؤكد على ضرورة ملاءمة نظام التعليم لحاجيات الاقتصاد من يد عاملة مؤهلة وأطر وعلى استرجاع نوعية التعليم.. لكن الملاحظ هو ميزانية الوزارة التي عرفت تزايدا بطيئا مقارنة بالسنوات السابقة.
8- المخطط الخماسي 1973- 1977: لقد أخفقت السياسة المتبعة خلال المرحلة السابقة في تحسين سير النظام التعليمي وأصبح المسؤولون يقرون بضرورة إصلاح جذري لهذا النظام، حيث تبين أن الأجهزة المسؤولة عن التعليم لم تستطع العمل، وأكثر المشاريع جِدة تم التخلي عنها جزئيا أو كليا لانعدام إطار إداري مناسب وبرنامج عمل يتضمن جدولة زمنية ومادية دقيقة لمختلف العمليات، لهذا فإن برنامج العمل في المخطط 73- 77 يركز على إرساء وسائل الإصلاح، فهو يقر نوعين من الإجراءات: إجراءات استعجالية وإجراءات على المدى الطويل.
برنامج عمل استعجالي: (كما الشأن مع تجربة الميثاق لاحقا التي عرفت ما سمي بالبرنامج الاستعجالي 2009- 2012) يتكون من عنصرين: تنمية التمدرس وتعزيز مسلسل مغربة الأطر التعليمية من جهة أخرى.
برنامج الإصلاح المتوسط المدى: قرر المخطط برنامج دراسات وأبحاث تغطي مختلف عناصر نظام التعليم والتكوين وعهد بإنجازه إلى مديرية التخطيط بمساعدة المعهد التربوي الوطني والمجلس الأعلى للتعليم.
9- المخطط الثلاثي 1978- 1980: فيما يتعلق بالتعليم العام يقر المخطط الثلاثي سياسة أكثر تريثا بالنسبة للتمدرس ومتابعة برنامج المغربة في السلك الثاني الثانوي وتعزيز التعريب والأصالة والتغيير “اللين” للنظام التعليمي.. وهذا المخطط أقر سياسة تقشف تجاه القطاع حيث أكد فقط على تنمية التمدرس بالوسط القروي. ولتحسين مردودية التعليم الابتدائي يقر من جهة تعزيز المواد ذات الطابع التطبيقي ومن جهة أخرى رفع مستوى التكوين لدى هيأة التدريس والتفتيش وأخيرا إشراك الجماعات المحلية في بناء المدارس وصيانتها وكذا في تسيير المطاعم المدرسية.
10- مشروع إصلاح التعليم لسنة 1980: في إطار سياسة الحد من ولوج التعليم العالي المقررة في المخطط الثلاثي 1978- 1980؛ أعدت وزارة التعليم مشروعا لتوجيه حاملي الباكالوريا إلى المؤسسات الجامعية يهدف إلى التوفيق بين طلب التعليم العالي من جهة وإمكانيات الاستقبال بالمؤسسات وحاجيات البلاد ذات الأولوية من الأطر من جهة أخرى.
وقد أصدرت الوزارة بلاغا بتاريخ 28 يوليوز 1980 يشرح إجراءات التطبيق لسياسة القبول الجديدة. لكن ما لبث أن أثار هذا البلاغ ردود فعل سلبية (في شكل مواقف رفض وتشكيك) في الصحافة وكثيرا من الاضطراب في الأوساط الطلابية. على إثر ذلك دعا الملك إلى تنظيم “أيام التربية الوطنية” التي تمت بإفران في نهاية شهر غشت وتقرر في هذه الأيام تكوين لجنة وطنية لدراسة مشكل إصلاح التعليم وطلب منها أن تقدم مشروعا شاملا لإعادة هيكلة النظام التعليمي للبرلمان في دورة أبريل 1981.
11 – المخطط الخماسي 1981-1985: يتبنى المخطط الخماسي توجهات المخطط السابق في ميدان التعليم: توسيع التعليم الابتدائي خصوصا في الوسط القروي، ومغربة الأطر التعليمية؛ والتعريب والأصالة، ويضيف إليها نقطة إصلاح النظام التعليمي.
12- الإصلاح المرغم 1983- 1994: تقرر في سنة 1983 مراجعة السياسة الاقتصادية المسطرة في المخطط الخماسي 81-85. وتبلورت المراجعة في عدد من الإجراءات تهدف إلى تقليص حجم النفقات العمومية.