تعديل النظام الأساسي بين مبدأ الاختصاص وقواعد المسطرة
هوية بريس – امحمد الهلالي
مازالت تداعيات قضية تمديد الولايات تثير المزيد من النقاشات خاصة على المستويين القانوني والمسطري رغم بت المجلس الوطني في الاقتراح المحال عليه من قبل مكتب المجلس المتوصل بها من مبادرة تقدم بها عشرة اعضاء من المجلس نفسه.
النقاش الذي تلا بت المجلس الوطني المنعقد يومي 25 و26 نونبر 2017 بسلا يتمحور حول وجهتي نظر: تنتصر الاولى الى المادة 23 التي تنص على ان المصادقة على القانون الاساسي او تعديله عند الاقتضاء يعد اختصاصا حصريا للمؤتمر كما ترتكز ايضا على مقولة ان المؤتمر سيد نفسه باعتباره اعلى هيئة تقريرية.
بينما تعتبر وجة النظر الاخرى ان الموضوع يهم بالاساس الجهة المختصة بسلطة اعتماد المشروع واعداده ليكون جاهزا وقابلا لعرضه على سلطة المصادقة التي لا يجادل احد في كون المؤتمر هو المختص بذلك، كما ان المجلس الوطني قد حسم وبصفة نهائية في ايقاف مسلسل اعداد مشروع هذا القرار بوصفه الجهة المخولة وحدها بسلطة اعتماد مشروع قرار التعديل والذي يعود له وحده سلطة اعداد جدول اعمال المؤتمر.
الدفع الذي يتعلل به الراي الاول هو مبدأ الاختصاص التقرير الذي تكون فيه الكلمة الاخيرة للهيئة التقريرية الاعلى ممثلة في المؤتمر الوطني، بينما تنحاز وجهة النظر الثانية لاعتبار يتعلق بكون مبدأ الاختصاص وحده من غير المسطرة التي تبين ميفيات واجراءات تكبيقه وطرق مزاولته يبقى مسألة مجردة وغير قابلة للتنزيل.
من جهة اخرى فان المقابلة في هذا النقاش بين المؤتمر الوطني والمجلس الوطني في مسألة الصلاحيات والصفة التقريرية يعتبر مجانبا للصواب لسبب بسيط هو ان النظام الاساسي هو المرجع الذي وزع الصلاحيات عليهما معا واعطى للمجلس الوطني ما لم يعطيه للمؤتمر والعكس بالعكس مع ابقاء الكلمة الاخيرة في المسلسل التقريري للهيئة العليا لكن بعد ان تقول الهيئة الادنى كلمتها الفصل في الموضوع المعني وتعد في شأنه قرارا وتصادق على اظراجه في جدول الاعمال وان المؤتمر يفعل هذا الاختصاص بناء هلى مبادرة هيئة من خارجه وليس من تلقاء نفس الهيئة العليا وبارادتها الانفرادية.
من هنا فعوض التقابل بين هيئتين تداوليتين واثارة تراتبيتهما وسؤال جهة الاختصاص التقريري بينهما ينبغي الرجوع بالنقاش الى اصله والمتمثل في التمييز بين الاختصاص والمسطرة وهو ما ستتطرق له هاته المقالة في فقرة مستقلة لكل منهما:
1- الاختصاص التقريري بين الانفرادية والتشاركية
في البداية لا بد من التأكيد على ان الصلاحية التقريرية النهائية في المصادقة على مشروع تعديل النظام الاساسي والتي لا تحتاج الى تعقيب هيئة اعلى هي بدون منازع من اختصاص المؤتمر؛ غير ان مسطرة ممارسة هاته الصلاحية هي اختصاص المؤتمر بصفته المؤسساتية وليس اختصاصا للمؤتمرين في احادهم او مجموعاتهم ؛ كما ان السلطة التقريرية ليست سلطة انفرادية محضة تعود للمؤتمر وحده ولكنها بالاساس سلطة تشاركية ومتقاسمة بين عدة جهات وموزعة على مجموعة من المراحل.
ان اهم ما يؤاخذ على وجهة النظر التي تثير الصفة التقريرية العليا للمؤتمر عديدة ويمكن اجمالها على النحو التالي:
– كون الاختصاص التقريري للمؤتمر هو اختصاص تشاركي وليس انفرادي وحصري اي انه متقاسم مع الجهات المخولة لها بموجب نفس النظام الداخلي صلاحيات المبادرة والدراسة والتصويت والاعتماد وهي صلاحيات تشكل في مجموعها المسلسل التقريري في تعديل النظام الاساسي؛
– كون مقولة المؤتمر سيد نفسه لا تكون صحيحة الا في اطار النظام الاساسي نفسه وضمن نطاق القواعد التي يقررها لمؤسساته ومنها المؤتمر. كما ان هذا النظام الذي يخول المؤتمر هذه الصفة؛ هو نفسه الذي احاط ممارسة ذلك بمجموعة من الضمانات من بينها تخويل اجهزة حزبية اخرى مجموعة من الاختصاصات في اطار توزيع السلط وتعاونها وتكاملها وتضادها احيانا؛ ومن بين هاته الضمانات كذلك هو ممارسة المؤتمر لصلاحياته في نطاق جدول الاعمال الذي يحدد سلفا من قبل سلطة الاعداد لهذا المؤتمر والتي تكون الكلمة الاخيرة فيها للمجلس الوطني، حيث له وحده ترجع صلاحية “المصادقة على جدول اعمال الدورات العادية للمؤتمر الوطني ودوراته الاستثنائية اذا كان قرار عقدها صادرا عن المجلس الوطني( المادة 27 بند 6). كما ان المؤتمر لا يتوفر على اي اختصاص يتعلق بجدول اعماله بما في ذلك المصادق عليه.
2- مسطرة التتقنين (المسطرة التشريعية)
تميز مسطرة التقنين الحزبية بين ثلاث مراحل اساسية وهي مرحلة المبادرة ومرخلة الاعتماد ومرحلة المصادقة:
أ- المبادرة: خول النظام الاساسي الجاري به العمل حق المبادرة الى ثلاث جهات حزبية حددتها المادة 100 من النظام الداخلي في كل من الأمانة العامة بناء على اقتراح من الإدارة العامة التي تمثل السلطة التنفيذية ثم مكتب المجلس الوطني الذي يمثل الجهات التنفيذي لبرلمان الحزب واخيرا عضو المجلس الوطني الذي يمثل برلماني الحزب؛ واذا كان كل من الامانة العامة ومكتب المجلس لهما صلاحية الاحالة على لجنة الدائمة المختصة (لجنة المساطر) فان عضو المجلس الوطني ليس له هذه الصلاحية ويلزمه لاجل قبول مبادرته ان يحيلها على مكتب المجلس الذي يتولى احالتها على اللجنة المذكورة.
وهنا يكون النظام الداخلي للحزب قد اعتمد نفس المسطرة التي ينهجها البرلمان المغربي بخصوص المبادرة التشريعية التي يخولها الى الحكومة في صيغة مشروع القانون وللبرلماني الذي يتقدم بمقترح قانون الى جانب الملتمس التشريعي الذي يعتبر مستجدا منذ دستور 2011 ويحق للمواطن القيام به وفق الشروط والكيفيات التي نص عليها القانون التنظيمي المتعلق بذلك.
غير ان المبادرة في التقنين لا تعتبر سوى اداة للشروع في مسلسل التقنين وتحريك مسطرته في انتظار المرحلة الثانية وهي مرحلة الاعتماد.
ب- مرحلة الدراسة والمناقشة:
هذه المرحلة تتم في اطار لجنة داىدئمة مختصة هي لجنة المساطر اذ بعد احالة المبادرة عليها من قبل الجهات المخول لها هذا الحق؛ تتم دعوة اللجنة المذكورة للانعقاد من اجل دراسة مضمون هذه المبادرة وذلك وفق شكليات تبين بدقة كيفية سير اشغالها وتقديم المبادرة من قبل من تقدم بها وكيفية ادارة النقاش فيها مع اعطاء الاسبقية في التدخل لعضو اللجنة على غيرهم من اعضاء المجلس الذين لهم حق الحضور والنقاش دون حق التصويت كما تعطى الاسبقية لعضو الامانة العامة اذا طلب المناقشة.
ثم التصويت على المبادرة بشكل علني ما عدا اذا طلب عضو واحد اللجوء الى التصويت السري. وفي حالة التصويت بالايجاب تقدم اللجنة بشان المبادرة التي صوت عليها بالاغلبية مقترحا توصية ترفعها الى المجلس في دورته القادمة.
ج- مرحلة الاعتماد:
بعد احالة المقترح/التوصية من قبل اللجنة يتولى المجلس الوطني استكمال المسطرة وذلك بتقديم المقترح كما صوتت عليه اللجنة ويتداول فيه باعطاء الكلمة لعضو موافق وعضو معارض ثم يتم المرور الى التصويت العلني او السري اذا طالب به عضو واحد من المجلس.
و اذا حصل المقترح على الاغلبية المطلقة لاعضاء المجلس يصبح المقترح معتمدا ويقدم المجلس بشانه مشروع قرار وذلك حسب ما جاء في المادة 100 من النظام الداخلي والمادة 90 من اللائحة الداخلية للمجلس الوطني التي تنص على ما يلي “يعتمد المجلس الوطني مقترح تعديل النظام الأساسي، ويقدم بشأنه مشروعا إلى المؤتمر الوطني المنعقد في دورة عادية أو استثنائية. وبعد ذلك تتم احالة المشروع المعتمد على المؤتمر الوطني في اطار النشاريع المرجة في جدول الاعمال من اجل المصادقة عليه.
د- مرحلة المصادقة:
المصادقة على مشروع القرار المعتمد والقاضي بسن مقتضى جديد او تعديل مقتضى قائم من مقتضيات النظام الاساسي هو اختصاص حصري للمؤتمر الوطني.
غير ان هذه المصادقة لا تكون الا على مشروع سبق ان ان مر بنجاح بمسلسل لاعداده؛ يتكون هذا المسلسل الاعدادي من تقديم مبادرة بشانه وهذه المبادرة تحظى بنقاش وتصويت من قبل اللجنة الدائمة المختصة وهي لجنة المساطر واعتمد من قبل المجلس الوطني باغلبية مطلقة لاعضائه ثم الادراج في جدول الاعمال.
لذلك فان من يثير مسألة ان المؤتمر هو الذي له صلاحية المصادقة على تعديل النظام الاساسي هو محق ومخطئ في الان ذاته؛ فهو محق في ان الكلمة الفصل في الاجراء الاخير في التعديل هي بالفعل من صلاحية المؤتمر الوطني لكن هذه المصادقة لا تتم الا على مشروع قرار معتمد حصريا من المجلس الوطني الذي تحال عليه المبادرة من قبل ثلاث جهات كما اسلفنا وهي الامانة العامة التي تمثل السلطة التنفيذية الحزبية؛ ثم عضو المجلس الوطني او مكتب المجلس (المادة 100 من النظام الاساسي) وهما جهتين تنتميان معا الى برلمان الحزب الذي يمثل السلطة التشريعية في الحزب الذي تكون له الكلمة الاخيرة في سن القوانين (من خلال المصادقة)، ومراقبة السلطة التنفيذية الحزبية اي الامانة العامة.
وفي هذا الصدد فان ما يغفل عنه اصحاب حجة “السلطة التقريرية العليا للمؤتمر” هي ان عضو المؤتمر سواء قبل انعقاد المؤتمر او في الجموع الجهوية للمنتدبين او حتى اثناء حضوره في المؤتمر لا يتمتع بحق المبادرة التشريعية كما هي مخول لعضو المجلس الوطني حسب المادة 23 من النظام الاساسي مع العلم ان عضو المجلس الوطني الذي يكتسب عضوية المؤتمر بهذه الصفة يملك حق المبادرة في تحريك مسطرة تعديل النظام الاساسي ازاء المجلس الوطني بصفته تلك؛ لكنه لا يملك هذا الحق بصفته عضوا في المؤتمر ازاء المؤتمر الوطني.
وهذا المعطى وحده هو الذي يجعل صلاحية المؤتمر في قول كلمته الاخيرة في شان مشاريع القرارات ذات الصبغة التشريعية المعروضة على انظاره مغلولة ومشروطة بتوفر هذه المشاريع اولا والتي يجب ان تجتاز كل هذه المسطرة بمراحلها الثلاث وان تحوز على الانصبة المنصوص عليها بموجب اجراءات هذه المسطرة التشريعية وان تدرج في جدول اعمال المؤتمر.
ومن هنا يكون المؤتمر مختصا بالمصادقة على المشاريع المحال عليه والمدرجة في جدول الاعمال الذي يعتبر المجلس الوطني هو صاحب الكلمة الفصل في اعداده والمصادقة عليه بناء على اقتراح تتقدم به الامامة العامة للحزب . بينما لا يملك المؤتمر صلاحية اضافة اي نقطة الى جدول الاعمال المحدد من قبل المجلس للوطني ولا يحق لاعضاء المؤتمر ان يتقدموا بمبادرة يمكن ان تكون ذات طبيعة تشريعية من قبيل تعديل النظام الاساسي للحزب.
يبقى ايضا ان المشاريع ذات الصبغة التشريعية التي تمر بجميع المراحل وتدرج في جدول اعمال المؤتمر وتحظى بمصادقة المؤتمر فان هناك مقتضى اخر تنص عليه المادة الاخيرة منه وتؤكد على عدم تطبيق هذا المقتضيات بعد المصادقة عليها باثر رجعي بما يفيد ان المؤتمر العادي عندما يصادق على مقتضى من هذا القبيل فهو يطبق على الوقائع التي تتلو المؤتمر وايس على الوقاىع السابقة عليه.
كلمة اخيرة
عندما اثرنا عن حق وقبل انعقاد المجلس الوطني قضية اختصاص المؤتمر في قول كلمته الفصل في التعديلات التي كان من الممكن ان يعتمدها المجلس الوطني لم نكن غافلين عن اجراء المصادقة الذي يتمتع بها كشرط لاكتمال المسلسل التقريري الذي يخص تعديل النظام الاساسي؛ ولكن اشارتنا هاته كانت بهدف التاكيد على انه حتى مع مرور مبادرة تعديل المادة 16 بجميع اجراءات المسطرة “التشريعية” الحزبية بما فيها المؤتمر العادي المقبل فإن ذلك لا يكفي لاعتماد التمديد وتطبيقه، وذلك لوجود اكراه قانوني تنص عليه المادة 105 من النظام الاساسي والتي تنص على انه “يدخل هذا النظام الاساسي الجديد حيز التنفيذ بعد مصادقة المؤتمر الوطني عليه ولا يعمل به بأثر رجعي…”.
وهذا يدل على ان القرارات التي يتخذها المؤتمر الوطني لا يمكن ان تطبق باثر رجعي على الوضعيات السابقة على سنها ومنها وضعية الولايتين المنتهيتين ليس فقط منذ المؤتمر ولكن قبل سنة من انعقاده. وهو ما كان يستوجب عقد مؤتمر استثنائي قبل انقضاء الولايتين لتعديل هذه المادة 16 واقرار التمديد حتى يمكن سن مقتضى تشريعي بالتمديد وهو ما لم يتم.
يذكر هنا ان حركة التوحيد ولاصلاح وعلى سبيل المقارنة فقط سبق لها اللجوء الى عقد مؤتمر استثنائي لتعديل قانونها الداخلي عندما ارادت ان تطبق المقتضيات الجديدة على المؤتمر العادي.