د. صفية الودغيري تكتب عن: التمادح والتزكية
هوية بريس – د. صفية الودغيري
إنَّ الكلمة أمانةٌ، والحرف أمانةٌ، وضمُّها في عقد الشَّهادة البرَّاق صيانة، وإلزامٌ بحقوق إقامتها على وجه الحقِّ والتَّكليف، وإنصافٌ للقريب والبعيد في الأخذ بالمنطوق من القول والحُكم، وإقرارٌ بحفْظ أمانتها من التَّدليس والإدراج، ووفاءٌ لميثاق عهدها في كلِّ وقت وحال.
واللَّه تعالى قد أمر عبادَه بالعدل والإنصاف في الفِعال والمقال، ونهاهُمْ عن كِتْمان الشَّهادة وإخفائها بغير وجه حقٍّ، فقال سبحانه وتعالى: ﴿ وَلَا نَكْتُمُ شَهَادَةَ اللَّهِ إِنَّا إِذًا لَمِنَ الْآثِمِينَ ﴾ [المائدة: 106]، وقال تعالى: ﴿ وَلَا تَكْتُمُوا الشَّهَادَةَ وَمَنْ يَكْتُمْهَا فَإِنَّهُ آثِمٌ قَلْبُهُ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ عَلِيمٌ ﴾ [البقرة: 283].
وهذه الشَّهادة أمانةٌ تُلْزِم حاملَها أداءها بحقٍّ، وتُلْزِم المادِحَ بشهادة العدل المرضيِّ الحُكْم على غيره، المنصِف في تزكيته، الصَّادق الأمين في شهادته، فلا يُحابي أحدًا، ولا يُجانِب الصَّواب، ولا يغيِّر الحقيقة بحالٍ من الأحوال، أو يُغَرِّر بالممدوح ببلاغته وفصاحته، أو يستميل قلبَه بِحُسْن مقالته، فيُفرط في مغالاته وزياداته، ومبالغته في مدْحه وثنائه، ومخالفة العُرْف في منطوق حُكمه، وخيانة العَهْد ونكثه، وتضييع الأمانة التي استخلفه اللهُ على حفظها، والاحتيال على الممدوح بتَقْعير كلامه وتصنُّعه وتجمُّله، وملأ وِعائه وجِرابه بكذبه وافترائه، وتَسفيه أحلامه بتعظيم مكانته فوق قَدْره وشأنه.
وقد أمر الله تعالى عبادَه بالقِسْط والعَدْل في القول والشَّهادة بالحقِّ في آياتٍ كثيرةٍ، فقال تعالى: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُونُوا قَوَّامِينَ لِلَّهِ شُهَدَاءَ بِالْقِسْطِ وَلَا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ عَلَى أَلَّا تَعْدِلُوا اعْدِلُوا هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ ﴾ [المائدة: 8]، وقال تعالى: ﴿ وَإِذَا قُلْتُمْ فَاعْدِلُوا وَلَوْ كَانَ ذَا قُرْبَى وَبِعَهْدِ اللَّهِ أَوْفُوا ذَلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ ﴾ [الأنعام: 152].
كما نبَّه الحقُّ سبحانه على أولئك الذين يُزكُّون أنفسهم وغيرَهم بالباطل؛ فقال تعالى: ﴿ أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ يُزَكُّونَ أَنْفُسَهُمْ بَلِ اللَّهُ يُزَكِّي مَنْ يَشَاءُ وَلَا يُظْلَمُونَ فَتِيلًا ﴾ [النساء: 49]، وقال تعالى: ﴿ الَّذِينَ يَجْتَنِبُونَ كَبَائِرَ الْإِثْمِ وَالْفَوَاحِشَ إِلَّا اللَّمَمَ إِنَّ رَبَّكَ وَاسِعُ الْمَغْفِرَةِ هُوَ أَعْلَمُ بِكُمْ إِذْ أَنْشَأَكُمْ مِنَ الْأَرْضِ وَإِذْ أَنْتُمْ أَجِنَّةٌ فِي بُطُونِ أُمَّهَاتِكُمْ فَلَا تُزَكُّوا أَنْفُسَكُمْ هُوَ أَعْلَمُ بِمَنِ اتَّقَى ﴾ [النجم: 32].
فلا تَكُنْ ممَّن يهزُّه الثناءُ، ويغرُّه المدَّاح بمغالاته في المدح، وتفنُّنه في القريض، وتظنُّ أنَّك بذاك السُّموق بلغتَ الثُّريَّا، ودانَت لك الكواكبُ ومصابيحُ النُّجوم، فتَطرَبَ لدَغْدغَة الكلمات، وتُسَرَّ لإثارة عواطفك ونشاط حواسِّك، وتتوهَّم أنَّك بذاك الشُّعور الفريد قد بلغتَ الغاية والمنى، وأدركتَ قمَّة المجد سؤددًا، وصِرتَ من أهل الفضل والنُّهى، أو يَغمُركَ ذاك الشُّعور الفريد بأريحِيَّة وابتهاج المنْتَشي المتَلذِّذ بتجويد الكلام وتَحْبيره، فيُصيبك الغُرور والخُيَلاء بسهامه، ويَسوسكَ الفتورُ والتَّكاسلَ، ويصُدك الرُّكون إلى الكلام المنمَّق والمزَخرف عن تبليغ رسالتك، والتَّقصير في أداء مهامِّكَ وواجباتكَ.
فيكفيكَ ما وعيتَ وأحْرزتَ من صِدْق الثَّناء، وما ملكتَه من طيبِ معناه وفحواه، وضمَّه صدْرُكَ الكسيرُ من تغريده الصدَّاح، وما رَوى ظمأ روحِكَ العَطْشى للسِّقاء، وغذَّاك بلذَّات الأمان وقُطوف السَّلام، وما بلغَ أنفاسكَ من أريجه الفوَّاح، فأراحكَ من ضيق همومِكَ والأحزان، وبعثَ في أوصالك دَبيبَ الهِمَّة والنَّشاط، وأيقظَ في شِريانكَ شُعلةَ الطُّموح الوقَّاد، وقوَّى ساعِدَ جِدِّك للعمل بالليل والنهار، وحَثَّ خُطاك على المسير والمضي في طريقكَ إلى مُنتهاه.
فأنت أعْلمُ من غيركَ بحقيقة نفسِكَ في مَظْهركَ والمخْبر، وأنت أَفْقَهُ من غيركَ بأحوالكَ في سِرِّك والعَلَن، وما هو مخفيٌّ عنهم ومُبَطَّنٌ، وكلُّ ثناءٍ في حقِّك وإن تعاظَمَ في أعْيُن غيركَ، لابدَّ أن يصغُر في عينكَ، ويقِلَّ حجمُه ومقدارُه، فتزهَد فيه ولا يصيبُكَ من شَراره، ما يَقْدَحُ في صدْقِكَ وإخلاصِكَ.
فعن ابن عبَّاس عن عمرَ رضي اللَّه عنه قال: قال رسولُ اللَّه صلَّى الله عليه وسلَّم: ((لا تُطْرُوني كما أَطْرَتِ النَّصارى ابنَ مريمَ، فإِنَّما أنا عَبْدٌ، فَقُولُوا: عَبْدُ اللَّهِ وَرَسُولُهُ))[1].
وقال ابن بطال في تفسير لهذا الحديث: “أي: لا تصِفوني بما ليس لي من الصِّفات تلتمسون بذلك مدْحي، كما وصفت النَّصارى عيسى لما لم يَكُنْ فيه، فنسَبوه إلى أنَّه ابْنُ الله، فكفَروا بذلك وضَلُّوا، فأمَّا وصفه بما فضَّلَه الله به وشَرَّفَه، فحَقٌّ واجِبٌ على كلِّ من بعثَه الله إليه من خلْقِه، وذلك كوصفِه عليه السَّلام بما وصفه به، فقال: ((أنا سَيِّدُ وَلَدِ آدَمَ ولا فخر، وأنا أوَّلُ من تَنْشقُّ الأرضُ عنه))، وفي هذا من الفقه أنَّ من رفعَ امْرأً فوق حَدِّه، وتجاوزَ به مِقْدارَه بما ليس فيه، فمُعْتدٍ آثِمٌ؛ لأنَّ ذلك لو جاز في أحدٍ لكان أَوْلى الخَلْق بذلك رسول الله، ولكنَّ الواجِب أن يقصر كل أحدٍ على ما أعطاه الله من منزلتِه، ولا يتعدَّى به إلى غيرها من غير قَطْعٍ عليها”[2].
وعن أبي موسى رضي الله عنه قال: سَمِعَ النَّبيُّ صلى الله عليه وسلم رَجُلًا يُثْني على رَجُلٍ ويُطْرِيهِ في الْمِدْحَةِ، فقال: ((لقد أهلَكتُم أو قطَعتُم ظَهْرَ الرجلِ))[3].
ومدَح رجُلٌ رجلًا عند النبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، فقال: ((وَيْحكَ!قطعتَعُنُقَصاحبِكَ، قطعْتَعُنُقَصاحبِك))مرارًا، إذا كانأحدُكممادِحًا صاحبَه لامحالةَ، فلْيقُلْ:”أَحسَبُ فلانًا، واللهُ حَسيبُه، ولا أُزكِّي على اللهِ أحدًا، أَحسبُه إنكان يعلمُ ذاك، كذاوكذا”[4].
وعن هَمَّامِ بن الحارث أنَّ رَجُلًا جعَل يَمْدحُ عثمانَ، فعمَد المِقداد فجَثا على رُكْبتَيه – وكان رجلًا ضَخْمًا – فجعل يَحْثُو في وجْهِه الْحَصْباءَ، فقال له عثمانُ ما شأْنُكَ، فقال: إنَّ رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم قال: ((إذا رأيْتُم المَدَّاحين فاحْثُوا في وُجوهِهم الترابَ)) [5].
وقد ذهب ابن بطال في شرح وتأويل هذا الحديث والذي قبله، فقال: “يعنى هذا الحديث[6] – والله أعلم – النَّهي عن أن يُفرِطَ في مدْح الرَّجُل بما ليس فيه؛ فيَدخُلُه من ذلك الإعجابُ، ويظُنُّ أنَّه في الحقيقة بتلك المنزلة؛ ولذلك قال: ((قطعتم ظَهْرَ الرجل)) حين وصفتموه بما ليس فيه، فربَّما حَمَلَه ذلك على العُجْب والكِبْر، وعلى تضييع العمل، وترك الازدياد من الفضْل، واقتصر على حاله من حصل موصوفًا بما وصف به، وكذلك تأوَّل العلماء في قوله عليه السَّلام: ((احثوا التُّراب في وجه المدَّاحين)) المراد به: المدَّاحون النَّاسَ في وجوههم بالباطل وبما ليس فيهم؛ ولذلك قال عمر بن الخطاب: “المدحُ هو الذَّبح”، ولم يُرِدْ به مَنْ مدَحَ رجلًا بما فيه”[7].
وعن أيوب، أن رجلًا قال لابن عمر: يا خيرَ الناس، وابنَ خير الناس، فقال ابن عمر: “ما أنا بخير الناس، ولا أبي خيرُ الناس، ولكني عبدٌ من عباد الله، أرجو الله وأخافُه، واللهِ لن تزالوا بالرجل حتى تُهْلِكوه”[8].
وما أعمق ما قاله العلامة أبو فهر محمود محمد شاكر وهو يتحدَّث عن ثناء المثْني عليه “الدكتور عبدالعزيز الدسوقي”، فقال: “أخي الدكتور عبدالعزيز الدسوقي… وبعدُ، فكاذِبٌ أنا إنْ قلتُ لكَ أنَّ ثناءَكَ عليَّ لم يهُزَّني، فأنا كأنتَ وكهو وكهي، كلُّنا ممَّا يَغُرُّه الثَّناءُ، أو تأخُذُه عنده أريحِيَّة وابتهاج، أو تغمُرُه فيه نشوة ولذَّة، ولكنَّ غروري وأريحِيَّتي وابتهاجي ونشوتي ولذَّتي، سَرعان ما تنقلِبُ عليَّ غمًّا لا أجِدُ متنفَّسًا يُفرِّج عنِّي؛ لأنِّي أعلمُ من حقيقة نفسي ما يجعلني دون كلِّ ثناء وإن قلَّ، أعلمه عيانًا حيث لا يَملِك المثْني عليَّ أن يراه عيانًا كما أراه، وليت شعري! أكان شيخ المعرَّة صادقًا حيث يقول عن نفسه.
إذا أَثْنَى عليَّ المرءُ يومًا
بخيْرٍ ليْسَ فيَّ فَذَاكَ هَاجِ
وحقِّيَ أنْ أُساءَ بما افْتَراهُ
فَلُؤمٌ في غَريزَتيَ ابْتِهاجِي
وعسى أن يكون الشيخُ قد صَدق عن نفسه بعض الصِّدق، لقد عَدَّ ثناء المثْني عليه بما ليس فيه افتراءً، ثم أقَرَّ مع ذلك أنَّه يبتهج لما افتراه، وكان حَقُّه أن يَسْتاء، لولا لؤم الغريزة؛ فمعنى هذا إذًا: أنَّ الشيخ كان إذا جاءه ثناءٌ عليه بما هو فيه، فإنَّه يبتهج له، ولا يعُدُّ ابتهاجَه هذا لُؤمًا في غريزته، أمَّا أنا فأعُدُّ ابتهاجي بالثَّناء عليَّ بما هو فيَّ وبما ليس فيَّ لؤمًا في الغريزة؛ لأنِّي أعلمُ أنَّ الذي فيَّ من الخير مغمورٌ في بحر طام من النَّقيصة والعيب، ومع ذلك فأنا أشكر لك ثناءَك؛ لأنَّ الشُّكر واجِبٌ لا مَصْرف عنه، وتركُ الشُّكر لؤمٌ آخَرُ في الغريزة، أشكره لك لأنَّك بثنائك عليَّ، ذَكَّرتني عيبي وتقصيري ونقيصتي لأستغفر الله وأتوب إليه”[9].
أما من عرف نفسَه وخبرَ سِرَّها، وسَلِم من خوارم المروءة وسوء الأخلاق، ورغِبَ عن طلب السُّمْعة والشُّهْرة، وسَما في الزُّهد والحبِّ والقُرْب من الله، وأَدْبَر عن الشَّهوات والمحرَّمات، وتحَلَّى بحُلَل الفضائل وحُسْن الخِلال، وكان أشدَّ حِرصًا على لزوم التَّقوى والعفاف، والإقبال على الطَّاعات، وأكثرَ احْتِرازًا من آفة الكِبر والعُجْب، والفتور والتَّكاسُل، ولا يغترُّ بما يُطْرِب سمْعَه، ولا يُفْتَن بما يُقال في حقِّه؛ فذاك في مأمنٍ وحِماية، لا يضرُّه رَنينُ المدْح وهُتافه، كما يضرُّ غيرَه معسولُ الكلام، فيميل إليه ميلةً واحدةً، ويَتيه بمنطوقه ويأسِرُه معناه، ويأخُذ بمجامِع قلبِه ولُبِّه المديحُ والثَّناء، وليس حالُه كحال غيره ممَّن يرفع قدرَه الخُيَلاءُ، ويضع نفسَه فوقَ قدْرِها، ويُنزِل نفسَه منزلةً ومكانةً أعظمَ مما يستحقُّه من التَّقريظ والتَّقدير.
فقد مُدِحَ رسولُ الله عليه السلام في الشِّعر والخُطَب والمخاطبة، ولم يَحثَّ في وجه المدَّاحين، ولا أمرَ بذلك، كمدْح العباس وحسان له في كثيرٍ من شعره، وكعب بن زهير، وقد مدَحَ رسول الله عليه السلام الأنصارَ، فقال: ((إنَّكم لتقلُّون عند الطَّمَعِ وتكثُرون عند الفَزَع))[10].
وذكر ابن بطال في باب: من أثنى على أخيه بما يعلم: أنَّه يجوز الثَّناء على النَّاس بما فيهم على وجه الإعلام بصفاتهم، لتُعْرَف لهم سابِقَتُهم وتقدُّمُهم في الفَضْل، فينزلوا منازلهم، ويقدموا على من لا يساويهم، ويُقْتدى بهم في الخير، ولو لم يَجُز وصفُهم بالخير والثَّناء عليهم بأحوالهم، لم يُعْلَم أهلُ الفضْل مِنْ غيرهم، ألا ترى أنَّ النَّبي عليه السَّلام خصَّ أصحابه بخَواصَّ من الفضائل بأنواعها عن سائر النَّاس، وعُرِفوا بها إلى يوم القيامة، فشَهِد للعشرة رضي الله عنهم بالجَنَّة، كما شَهِد لعبدالله بن سلام، وليس قول سعد: “ما سمِعْتُ النَّبيَّ عليه السَّلام يقول لأحد أنَّه من أهل الجَنَّة إلا لعبدالله بن سلام” [11] – بمُعارِض لمن سمِعَه عليه السَّلام يشهد بذلك لغيره، بل يأخذ كلُّ واحدٍ بما سمع، وكذلك قال في أبي بكر الصديق: ((كلُّ النَّاس قال لي: كذبت وقال لي أبو بكر: صدقت))، وروى معمر عن قتادة عن أبي قلابة قال النبي صلَّى الله عليه وسلم: ((أرحَمُ أمَّتي بأمَّتي أبو بكر، وأَقْواهُم في الله عمرُ، وأَصْدقهُم حياءً عثمانُ، وأَقْضاهُم عليٌّ، وأمينُ أمَّتي أبو عبيدة بن الجَرَّاح، وأَعْلَمُ أمَّتي بالحَلال معاذُ بن جبل، وأَقْرؤهُم أُبَيُّ، وأَفْرضهُم زيدٌ))، وقال عليه السَّلام في حديث آخر: ((ما أظَلَّتِ الخَضْراءُ ولا أَقَلَّتِ الغَبْراءُ أَصْدَق لهجةً من أبي ذر)) [12]، فأثنى عليهم بالحَقِّ وعَرَّف أمَّتَه بفضائلهم، وقال لأبي بكر الصِّديق حين قال له: إزاري سَقَط من أحد شِقَّية: ((لستَ منهم))[13]، فدَلَّ هذا كلُّه أنَّ المدح بالحَقِّ جائزٌ، وأنَّ الذي لا يجوز من ذلك إنما هو المدح بالكذب، أو القصد بالمدح إلى جهة الإعجاب والفخر، وإن كان حقًّا، والله الموفِّق”[14].
وقال الشيخ أبو نصر الفارابي وهو الملقب المعلم الثاني: “من رفع نفسه فوق قدرِها، صارتْ نفسُه محجوبةً عن نيل كمالها”[15].
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
[1] رواه البخاري في صحيحه عن طريق عمر بن الخطاب رضي الله عنه، رقم الحديث(3445).
[2] شرح صحيح البخاري لابن بطال: ابن بطال أبو الحسن علي بن خلف بن عبد الملك (ت 449هـ)، تحقيق: أبي تميم ياسر بن إبراهيم، مكتبة الرشد، السعودية / الرياض، الطبعة: الثانية 1423هـ – 2003م: 9 / 254 ـ 255.
[3] رواه البخاري في صحيحه، رقم الحديث: (6060، و2663)، ومسلم في صحيحه، رقم الحديث: (3001).
[4] رواه البخاري في صحيحه عن طريق نفيع بن الحارث الثقفي، رقم الحديث: (2662)، وعن طريق أبي موسى الأشعري، رقم الحديث: (6061، و6162)، ومسلم في صحيحه عن طريق نفيع بن الحارث الثقفي أبي بكرة، رقم الحديث: (3000).
[5] رواه مسلم في صحيحه، رقم الحديث: (3002).
[6] يقصد حديث أبي موسى الأشعري رضي الله عنه.
[7] شرح صحيح البخاري لابن بطال: ابن بطال أبو الحسن علي بن خلف بن عبدالملك (ت 449هـ)، تحقيق: أبي تميم ياسر بن إبراهيم، مكتبة الرشد، السعودية / الرياض، الطبعة: الثانية 1423هـ – 2003م: 9 / 253 ـ 254.
[8] المدخل إلى السنن الكبرى؛ أحمد بن الحسين بن علي بن موسى الخُسروجردي الخراساني، أبو بكر البيهقي (ت 458هـ)، تحقيق: د. محمد ضياء الرحمن الأعظمي، دار الخلفاء للكتاب الإسلامي، الكويت: 1 / 334، باب: ما يكره لأهل العلم وغيرهم من التكبر والتجبر وإلزام الناس، رقم الحديث (541).
[9] جمهرة مقالات الأستاذ محمود محمد شاكر: محمود محمد شاكر، جمعها وقرأها، وقدم لها: الدكتور عادل سليمان جمال، مكتبة الخانجي، القاهرة، الطبعة الأولى 2003 م: 1/ 101.
[10] شرح صحيح البخاري لابن بطال: ابن بطال أبو الحسن علي بن خلف بن عبدالملك (ت 449هـ)، تحقيق: أبي تميم ياسر بن إبراهيم، مكتبة الرشد، السعودية / الرياض، الطبعة الثانية 1423هـ – 2003م: 9 / 255.
[11] رواه البخاري في صحيحه من طريق سعد بن أبي وقاص، ورقم الحديث (3812)، ولفظ الحديث: ((ما سَمِعتُ النبيَّ صلى اللهُ عليه وسلم يقولُ لأحدٍ يمشي على الأرضِ:إنَّهمنأهلِالجنَّةِ،إلالعبدِاللهِبنسلامٍ،قال: وفيه نزَلت هذه الآيةُ: ﴿ وَشَهِدَ شَاهِدٌ مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ عَلَى مِثْلِهِ ﴾ [الأحقاف: 10] الآية، قال: لا أدري، قال مالكٌ: الآية، أو في الحديثِ.
[12] رواه الترمذي في سننه، وحسَّنه عن طريق عبدالله بن عمرو، رقم الحديث (3801)، والحاكم في مستدركه عن طريق أبي ذر الغفاري، رقم الحديث (677/5)، وابن حبان في صحيحه، رقم الحديث (7132)، والألباني في السلسلة الصحيحة (453 /5)، وقال في خلاصة حُكْمه: صحيح على شرط مسلم.
[13] رواه البخاري في صحيحه من طريق عبدالله بن عمر، ورقم الحديث (6062)، ولفظ الحديث: “أن رسولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم حينَ ذَكَرَ في الإزارِ ما ذُكِرَ، قال أبو بكر: يا رسولَ اللهِ، إن إزاري يَسْقُطُ مِن أحدِ شِقَّيْه؟ قال: ((إنك لست منهم))”.
[14] شرح صحيح البخاري لابن بطال: ابن بطال أبو الحسن علي بن خلف بن عبدالملك (ت 449هـ)، تحقيق: أبي تميم ياسر بن إبراهيم، مكتبة الرشد، السعودية / الرياض، الطبعة الثانية 1423هـ – 2003م: 9 / 255 ـ 256.
[15] تتمة صوان الحكمة؛ أبو الحسن ظهير الدين علي بن زيد بن محمد بن الحسين البيهقي، الشهير بابن فندمه (المتوفى: 565هـ)، لاهور 1351ه، ص 20.