د. الودغيري يكتب: بين أكدز المغربية وأكدز النيجرية
هوية بريس – د. عبد العلي الودغيري
في الطرف الأول من الصورة تبدو لك مدينةُ (أګدَز) المغربية التي أسّسها أجدادُنا من الأمازيغ الملثَّمين، وهي رابضةٌ في سَفح جبل كِيسان، يَحميها من ورائها الأطلسُ الأَشمُّ من البَرد القارِس والرياح العاتِية، وتلفُّها من كلِّ جوانبها بَساتينُ النخيل بخُضرتها الدائمة الممتدة على طول ضِفافِ وادي دَرْعَة الخَصيب. وهي بين هذا وذاك، تعيشُ حياتَها الهادئة الناعِمة، وتَحكي قصَّتَها المجيدة لأبنائها وأحفادها وكل القادمين إليها عُّشاقاً وزائرين من كل الآفاق.
تقع هذه المدينة الصغيرة الساحِرة على بعد 65 كلم من مدينة ورزازات في طريق القوافل التي كانت تقطعها نحو زاكورة ومنها إلى عُمق الصحراء الممتدة إلى مالي وتشاد والنيجر ومراكزها الحضارية القديمة.
في الطرف الآخر من الصورة، يُرَى مسجدُ مدينةِ (أغاديس) بمَنارته التي ترتفع بأكثر من سبعة وعشرين متراً عن سطح الصحراء، في منطقة شاسعة جداً واقعةٍ شمال جمهورية النيجر حالياً ( يحدها كلٌّ من الجزائر وليبيا ومالي وتشاد). أما المسجد فقد بُني ـ كما قيل ـ سنة 1515م. وأما المدينة فقد بناها الطوارقُ الصنهاجيون الملثَّمون من سلالة المرابطين في القرن السادس الهجري(12م).
كان المؤرخون المسلمون يكتبون اسم هذه المنطقة والمدينة من بلاد النيجر بصيغة (أكدز)، وأحياناً بصيغةٍ قريبة منها مثل (أقادز) أو (أقادس) أو (أقدس). أما حكامُها وسلاطينُها المحلّيون فظلوا طيلة قرون ينحدرون من سلالة الطوارق المُمتَزِجين بالعرب والأفارقة من السكان الأصليّين. ومنهم السلطان محمد الباقري الذي كانت له مراسلاتٌ مع سلطان العلويّين بالمغرب الأقصى المولى سليمان (ت 1238هـ). وقد احتفظَ محمد بَلُّو في كتابه النفيس (إنفاق الميسور في تاريخ بلاد التكرور) بواحدةً من هذه الرسائل موجَّهةً من السلطان المغربي إلى سلطان أكادز النيجرية سنة 1225هـ . كما احتفظ برسالة ثانية موجَّهة من المولى سليمان إلى قائد الحركة الإصلاحية في نيجيريا الشيخ العالِم المُجدِّد عثمان بن فوديو وهي مؤرخة أيضاً بسنة 1225هـ.
ومن الجدير بالذكر أن نشير هنا إلى أن طوارق (أكدز) وسلاطينهم بالنيجر، قاوموا الاحتلال الفرنسي منذ 1881م إلى 1923م، وكان من أشهر زعماء حركة جهادهم ومقاومتهم للاحتلال في النيجر القائد الشهير محمد أج كاوصن الذي اغتاله أحدُ الخوَنة سنة 1919م. أما مقاومة بقية الطوارق للاحتلال الفرنسي في مناطق أخرى من مالي وغيرها، فلها أيضاً قصصٌ تُروى.
هناك، إذن، أكثر من رابطٍ، وأكثر من تاريخ، يجمع أبناء المغرب وحواضره ، بأبناء منطقة الساحل وجنوب الصحراء.
(أكدز)، هذه الكلمة تُنطَق في المغرب بصيغة : Agdez، ويقولون إن معناها في اللهجة الأمازيغية المحلّية: (مكان الراحة). وأما في النيجر فتُنطَق اليوم بصيغة : Agadez، ويقولون إن معناها في لغة الطوارق َ(تَماشيقت) فعلُ: زارَ. فهل الأصل الإيتيمولوجي للكلمة واحد مع اختلافٍ بسيط طَرَأ على نُطق الكلمة ومعناها عبر العصور وانقطاع الصِّلة بين القدامى من أمازيغ الجنوب المغربي وأمازيغ الشمال النيجري (الطوارق)، أم الأصلُ مختلف؟ ذلك ما يحتاج إلى بحث لغوي تأثيلي والرجوع إلى المختصّين في تاريخ اللهجات الأمازيغية قديمِها وحديثها. ويمكن للعارفين بالموضوع أن يَنفعونا بما لديهم من علم ومعرفة.
و ماذا عن أكادير و دادس