نعوذ بالله من فتنة المال
ذ. أحمد اللويزة
هوية بريس – السبت 13 شتنبر 2014
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إن لكل أمة فتنة وفتنة أمتي المال» (الصحيحة)، هذا المال الذي سيطر على العقول تخطيطا وتفكيرا، وعلى القلوب حبا وتفضيلا، كيف لا وقد جبل الإنسان على حبه حبا شديدا؟ {وإنه لحب الخير لشديد}، {وتحبون المال حبا جما}، وهو زينة الحياة الدنيا ومتاعها الزائل {المال والبنون زينة الحياة الدنيا}، وصار جمع المال هو الشغل الشاغل لعموم الناس، عليه يصبحون وعليه يمسون، عليه يحيون وعليه يموتون..
ثقافة سرى سمها في الصغار والكبار، الكل يتحدث عن المال بمنطق التقديس ورغبة التكديس، يرون في المال أنه السحر الذي يفك جميع العقد ويجلب كل الحظوظ، وأنه سر الحياة الباذخة لاسيما في زمن الرياء الاجتماعي والتباهي على العباد وكثرة المغريات وتعدد المطالب والحاجيات، مع انعدام بوصلة ضابطة لشهوات النفس التي زين لها حب المال وجمعه.
ومع طغيان هذا الفكر المادي استحل الناس لجمع المال كل السبل والطرق مشروعة ومحرمة؛ نصبا واحتيالا ورشوة وربا، وبيعا للمحرمات، وغشا في المعاملات، وانتهاكا لكل الحدود إلى درجة بيع الأعراض المفروض فيها الصون تضحية بالمال، على قول القائل:
أصون عرضي بمالي لا أدنسه***لا بارك الله بعد العرض في المال
غير أنه وإن جبلنا على حبّ المال إلى هذه الدرجة فإن ربنا عز وجل نبهنا إلى خطورته، وسن من تشريعاته ما يقي العبد من الوقوع في شر فتنته، وشدد الإسلام على ضرورة التعامل مع المال بمنطق السؤال والحساب أمام رب العالمين عن كسبه وإنفاقه «وعن ماله من أين اكتسبه وفيما أنفقه»، وذلك قصد تهذيب غريزة التملك وشهوة الجمع والتكاثر «لو كان لابن آدم واديان من ذهب لابتغى ثالثا».
تلك هي طبيعة الإنسان التي تحتاج إلى فقه وإيمان وتقوى حتى لا تصل به إلى الطغيان و{إن الإنسان ليطغى أن رآه استغنى}، لذلك لا ينجو من فتنة المال إلا عبد صالح تشبع قلبه بالصلاح واستعان بالله دون غفلة، قال عليه الصلاة والسلام: «نعم المال الصالح للرجل الصالح»، لأن العلم بالله وبأحكامه المنظمة للتعامل مع المال هي صمام أمان وسبيل نجاة، وممكنة من استغلال المال استغلالا شرعيا يكون مغنما لصاحبه في الدنيا والآخرة، لا وبالا عليه في الدارين.
الناس لا يخافون إلا الفقر، ومن منا لا يخافه؟ وتراهم متمسكين بما ينسب للإمام علي، قوله: «كاد الفقر أن يكون كفرا»، ونسوا أن أكفر الكفر يأتي مع الغنى {قال ما أظن أن تبيد هذه أبدا وما أظن الساعة قائمة}، ولقد حذر رسول الله صلى الله عليه وسلم من المنافسة في الدنيا، وأن خطرها أشد من خطر الفقر، في قوله عليه السلام: «فوالله ما الفقر أخشى عليكم، ولكن أخشى عليكم أن تبسط عليكم الدنيا كما بسطت على من كان قبلكم، فتنافسوها كما تنافسوها، فتهلككم كما أهلكتهم».
خطورة المال ظاهرة لكل ملاحظ، وكيف أنه سبب في الانحراف والطغيان والظلم والفجور بكل أنواعه، وما سمي المال مالا إلا لأنه يُميل القلوب عن الحق، وما جمع أحد المال إلا وحصل له من الانتكاس ما لا يخفى على كل منتبه متتبع، فمن قارون إلى صاحب الجنتين إلى الذين قال الله فيهم: {ومنهم من عاهد الله لئن آتانا من فضله لنصدقن ولنكونن من الصالحين، فلما آتاهم من فضله بخلوا به وتولوا وهم معرضون} وهذا مشهد يتكرر على مدار الزمن وإلى يومنا هذا؛ فكم رأينا من أناس منهم من كان مغبوطا على تدينه وتعبده وتزهده، وحرصه على العلم والدعوة، فما أن بسط الله له في الرزق ووسع عليه في المال حتى خر منتكسا، وانقلب على عقبيه تاركا خلفه دهشة وأفواها فاغرة لشدة الصدمة مما يرون؛ إنها فتنة المال وسحره، والمعصوم من عصمه الله.
نعم إن المال هو قوام الحياة، ومن فتح الله عليه منه فليجتهد في سؤال الله العافية، وأن يسلطه على هلكته في الخير، ومن وكل إلى نفسه أهلكه لا محالة. وإلى الله المنقلب حيث الحساب العسير، ومن نوقش الحساب عذب، فليكن كسبك حلالا، وإنفاقك حلالا، وسعيك في وجوه البر والإحسان أكثر من سعيك في الجمع والادخار، ولأن تعيش فقيرا في عافية ودين خير من دنيا تذهب عنك سعادة العاجلة والآجلة، فإن الله لم يجعل في المال سعادة إلا إذا كان موضعه في الوجه المشروع فيسعد به الإنسان لأنه كان سببا في تحصيل الحسنات التي تسر المؤمن، ويطيع فيه العبد ربه فتكون طاعته لربه مجلبة للسعادة، فيظفر بخير الدارين ويفوز بالحسنيين.
مال يقضي به حاجته ويحقق به مطالب دنياه، وآخرة قد أنفق من أجلها ما يجده دخرا وأجرا مضاعفا، كمثل حبة أنبتت سبع سنابل، في كل سنبلة مئة حبة، والله يضاعف لمن يشاء.