في ذكرى وفاته (10 فبراير).. السلطان عبد الحميد الثاني “رجل تشتاق له الأمة”
هوية بريس – وكالات
تذكر الوثائق التاريخية أن السلطان العثماني عبد الحميد الثاني هو الرجل الأول الذي حارب القومية المُفتتة لأواصر الأمة ودعا لتأسيس الوحدة الإسلامية المتينة من جديد.
ميلاد وحياة عبد الحميد:
ولد السلطان عبد الحميد الثاني بتاريخ 22 سبتمبر 1842 في إسطنبول ويُعدالابن الثاني للسلطان عبد المجيد الأول “1823 ـ 1861” وأمه هي السلطانة تير موجغان توفيت وتركت السلطان عبد الحميد ابن عشرة أعوام، وبأمر من والده وُكلت زوجة والده الروسية باراستو بتربيته ورعايته وتم تعيين مُعلمين ومربيين محترفين لتعليمه وتنشئته نشأة حسنة، أتقن العربية والفارسية والفرنسية وعلوم الفقه والتفسير والحديث والفلسفة والعلوم العامة وكما كان يعشق ركوب الخيل واستخدام السلاح.
تولي عبد الحميد مقاليد الحكم:
بعد بلوغ عبد الحميد أُعجب به عمه السلطان الحاكم عبدالعزيز خان “1830 ـ 1876” لنباغته وبراعته السياسية المُوفقة وكان عمه يصطحبه في جميع رحلاته وجولاته الدبلوماسية ولكن لم تستمر هذه الرحلات طويلًا لأن وزراء عمه “حسين عوني باشا ومدحت باشا والمترجم رشدي ومحمود جلال الدين باشا ونوري باشا” قبلوا رشاوى الإمبراطورية الإنجليزية وأصبحوا رهن سيطرتها، وفي عام 1876 أمرتهم الإمبراطورية الإنجليزية بإسقاط السلطان عبد العزيز وبالفعل بتاريخ 31 مارس 1876 اتفقوا مع شيخ الإسلام حسن خير الله على ذلك وأفتى لهم بضرورة اسقاطه وأعدموه بعدما عزلوه عن العرش بعدة أيام.
بعد قتل عبد العزيز حاول المنقلبون تسليم مقاليد الحكم لمراد الخامس ولكن لأن الأخير كان يعاني من أمراض جسدية وعقلية لم يبق على العرش سوى 3 شهور، وبتاريخ 31 غشت 1876 الموافق ليوم الخميس تولى عبد الحميد مقاليد الحكم بمراسم رسمية ليصبح السلطان العثماني الرابع والثلاثين والخليفة المسلم الحادي والثلاثين بعد المئة.
فترة حكم السلطان عبد الحميد:
عندما تولى السلطان عبد الحميد مقاليد الحكم كانت الدولة تعيش أكثر فتراتها صعوبة وأزمات؛ إذ كان هناك عصيان خطير في البوسنة والهرسك ومن ثم بلغاريا وكانت هناك حروب مدمرة مع صربيا والجبل الأسود، وكما كان هناك خطر جسيم يُحيط بالمناطق الشرقية إذ تكالبت عليها الأمم وبدأ الاحتلال البريطاني لمصر عام 1882، تلاه احتلال إسباني للمغرب وفرنسي لتونس والجزائر ومن ثم احتلال إيطالي لليبيا، وبهذا الشكل أصبحت الدول الإسلامية مُفتتة وضائعة وكان عبد الحميد في حالة لا يُحسد عليها، إذ كانت هناك الكثير من الأزمات الداخلية والخارجية تحيط به وكان يرى بأنه لا يمكن تخطي هذه الأزمات إلا من خلال إعادة روح الوحدة الإسلامية والعمل على تأسيسها من جديد لتجنب الفتن الداخلية والأطماع الغربية.
كان عبد الحميد دومًا يجتمع مع جنوده ويحثهم على الجهاد والدفاع عن الديار الإسلامية التي هي أمانة في أعناق الدولة العثمانية وفي كثير من الأحيان كان يذهب إلى بعض المساجد في مناطق مختلفة من الديار الإسلامية ويحث المواطنين على الوحدة الإسلامية واستذكار روحها والتصدي لفكر القومية المُبددة والمُشتتة لأواصر الدولة ورحها.
ولحل الأزمات الداخلية وتجنب تطورها وإخمادها قبل تطورها عمل عبد الحميد الثاني بتاريخ 23 ديسمبر 1876 على إقرار دستور عثماني “قانون أساسي”، والذي على أثره تأسس مجلس المبعوثان “النواب” ومجلس الأعيان “الشيوخ”، ولكن بعد تمادي الصدر الأعظم مدحت باشا في القوانين والإجراءات الإدارية المُخالفة للروح العثمانية، وخاصة إجراءاته الإدارية الخاصة بتعين ولاة من الأقليات غير المسلمة على الولايات الإسلامية وتأثيره على مجلس المبعوثان لرفض حرب الترسانة ضد روسيا، أحس عبد الحميد بخطر شديد على الدولة الإسلامية في ذلك، وعمل على إغلاق المجلسين وتعطيل الدستور بتاريخ 13 فبراير 1878.
المؤامرات الدولية ضد عبد الحميد الثاني:
بعد الصرامة التي تمتع بها السلطان عبد الحميد ضد الدول الإمبريالية الطامعة في الديار الإسلامية وبعد رفضه الشديد لعمليات الهجرة اليهودية المدعومة من جميع الدول الإمبريالية، عملت هذه الدول على دعم تأسيس جمعية الاتحاد والترقي عام 1889 في مدينة سالونيك اليونانية وعملت هذه الجمعية على جذب العديد من الضباط والمسؤولين ذوي الرتب العليا إلى جانبها وبتاريخ 24 يوليوز 1908 بعد عصيان ناعم من قبل الجيش اضطر عبد الحميد إلى إعلانه القبول بالدستور مرة أخرى.
بعد خروج ثورة إسلامية مضادة للدستور بتاريخ 13 أبريل 1909 في إسطنبول عملت جمعية الاتحاد والترقي على تحريك “جيش الحركة الثالث” المؤسس بشكل خاص لمثل هذه الثورات من سالونيك إلى إسطنبول، وبتاريخ 24 أبريل قضى هذا الجيش على هذه الثورة المضادة، وبعد دعوة قادة هذا الجيش “أنور باشا، طلعت باشا، جمال باشا” المجلس للاجتماع من جديد قرر المجلس بتاريخ 27 أبريل 1909 عزل عبد الحميد الثاني عن العرش وتسليم مقاليد الحكم للسطان محمد راشد.
بعد عزل السلطان عبد الحميد الثاني تم وضعه تحت الإقامة الجبرية في سالونيك لمدة 3 أعوام وتم إحضاره إلى قصر “بيلار بي” عام 1912، وفي 10 فبراير 1918 توفي في إسطنبول، وتم دفنه بجانب جده الأكبر محمود الثاني، ليوارى الثرى رجل عُرف بعدائه للقومية وحاز الرأي والقرار في الدفاع عن الديار الإسلامية إلى آخر نفس من حياته.
(المصدر: ترك برس).