واقع ومأساة قطاع واسع من أساتذة التعليم الخصوصي في المغرب
هوية بريس – سناء أزنود
الإثنين 12 غشت 2013م
أصبح التعليم الخصوصي في المغرب أساسيا داخل المنظومة التعليمية الوطنية، إذ صار يسهم بشكل كبير في حلّ العديد من المشاكل التي يعاني منها التعليم بصفة عامة، إلا أنهذا القطاع يقوم على أكتاف أساتذة يعانون بكل المقاييس، مع التلاميذ من جهة، ومع أرباب المؤسسات الخصوصية من جهة أخرى، فأغلب أساتذة هذا القطاع يشتغلون بمبالغ زهيدة بالمقارنة مع مستواهم التعليمي؛ لأن أغلبهم من خريجي الجامعات المغربية؛ وكفاءتهم مشهود بها في هذا المجال..
فمنهم كم خضع قبل أن يلتحق بميدان التعليم للتكوين أو لفترة تدريبية ليكون بذلك مؤهلا بكل المقاييس، لكن للأسف الشديد هذه الشريحة مهضومة حقوقها.
سنحاول من خلال هذه الورقة الوقوف على الوضع العام الذي يعيشه أساتذة التعليم الخصوصي الابتدائي والإعدادي الثانوي من خلال شهادات بعض الأساتذة المنتمين لهذا القطاع:
تقول الأستاذة (خديجة-ب)؛ وهي أستاذة اللغة العربية للمستوى الابتدائي بالقطاع الخصوصي، خريجة كلية الآداب والعلوم الإنسانية شعبة الأدب العربي :“إن التعليم الخصوصي كارثة بكل ما في الكلمة من معنى، لقد اشتغلت في هذا القطاع لأجل لقمة العيش، لكن للأسف ما كانوا يعطونني كراتب شهري لا يساوي شيئا، فقد كنت أدرس ثلاث مستويات مختلفة بمؤسسة خصوصية بمدينة سلا، بمبلغ زهيد جدا يساوي 1000 درهم شهريا، إضافة إلى أني كنت مطالبة باتباع أوامر المدير من حيث اللباس ومن حيث الألوان أيضا فهو لا يقبل بالألوان الغامقة، ولا يقبل بالجلابة، وكنت ألبس حسب متطلباتهم، وكنت مطالبة أيضا بعدم الجلوس داخل القسم وإن كان التلاميذ يكتبون، وكنت مجبرة أن أتحمل تصرفات التلاميذ كيفما كانت، لأني إن لم أفعل ذلك سيكون مصيري الطرد”.
وأما الأستاذ (محمد-إ)؛ وهو أستاذ مادة الرياضيات للمستوى الابتدائي بالقطاع الخصوصي، خريج كلية العلوم شعبة الفيزياء، فيقول: “إن التعليم الخصوصي إرهاق وتعب وهضم للحقوق، نعاني فيه هزالة الأجور، ولا نستفيد لا من الضمان الاجتماعي ولا من التغطية الصحية، ولا من الراحة البدنية ولا النفسية، ولا نشتغل فيه فقط كأساتذة بل أيضا كحراس.
لقد اشتغلت لسنة كاملة بمؤسسة بمدينة سلا بدوام كامل مقابل مبلغ زهيد 2500 درهم للشهر، لم يكن يكفيني ذاك المبلغ، فأنا متزوج وأب لطفلين؛ وكيف يعقل أن يشتغل أستاذ بمؤهل عال وخريج مركز التكوين للأساتذة بهذا المبلغ؟
ورغم ذلك صبرت لأتفاجأ في آخر السنة أن المدير يطلب مني المغادرة لا لشيء سوى لأن أحد التلاميذ اشتكى مني؛ هذا حقا مضحك!!
فانتقلت بعدها إلى مؤسسة أخرى بمدينة الرباط حيت اشتغلت بها بمبلغ أقل من الأول؛ لا يتعدى 2300 درهم، مع وعود برفع المبلغ وبالضمان الاجتماعي الذي لم نستفد منهما إلى حد الآن، في الأخير تبقى كلها وعود زائفة؛ وكنت أدرس في هذه الأخيرة مادتين الرياضيات والعلوم الطبيعية”.
وتقول الأستاذة (السعدية-ط)؛ وهي أستاذة لمادة الرياضيات وسابقا لمادة اللغة الفرنسية بالقطاع الخصوصي: “إن هذا القطاع يسوده الكثير من الغموض على كل المستويات، لقد عانيت فيه الإرهاق البدني والذهني والنفسي، كنت أدرس بدوام كامل أربع مستويات مختلفة بمبلغ 2500 درهم للشهر، وهذا بعدما وعدتني صاحبة المؤسسة أنها ستنقص لي من عدد المستويات وسترفع لي الراتب في السنة المقبلة، لكن في آخر السنة تبين أن وعدها كان زائفا، وقالت لي بكل برودة نحن نعاني من أزمة ولا يمكنني أن أوفي بوعدي، فجمعت أشيائي وغادرت المؤسسة.
لقد كنت أعيش جحيما مع التلاميذ الذين يعتبرون “اولاد الفشوش”، وأغلبهم في قمة الشقاوة، ليس لك الحق أن تكلم أحدهم، لأنك إن فعلت ذلك سيشتكي لوالديه وفي الصباح تجدهما في الإدارة يشتكيان منك، وتجد المديرة بعدها تستدعيك لمناقشتك في الأمر.
لم أكن أجد الوقت لفعل شيء في البيت، فالنهار أقضيه كاملا في المؤسسة، والليل أقضيه في تصحيح الدفاتر لأربع مستويات، وإعداد الدروس ليوم غد؛ وهكذا مرت السنة كأنها جحيم.
لقد كنت سأجن؛ ولا أحد يحس بحجم هذه المعاناة إلا من مر بنفس الظروف، ولو لم أكن قد وقعت معها عقد لمدة سنة لكنت غادرت في بدايتها، كما أن نقط المؤسسات الخصوصية تعرف نفخا مبالغا فيه، وهذا ليس عن طريق الأستاذ بل عن طريق الإدارة التي تفعل ما تشاء في النقط، إرضاء لأولياء الأمور الذين يعتقدون أن أبنائهم حقا حصلوا على تلك النقط.
ويقول الأستاذ (محمد-أ)؛ وهو أستاذ مادة الفيزياء للمستوى الإعدادي الثانوي بالقطاع الخصوصي، خريج كلية العلوم شعبة الفيزياء: “نحن الشريحة المهضومة حقوقها، مهددون بالطرد في كل مرة، لا ننعم بأي استقرار، لقد اشتغلت لسنوات في هذا القطاع، كنت أتقاضى دائما مبلغ زهيدا لا يساوي أقل مجهود أقوم به داخل القسم، رغم أن المؤسسات تجني أموالا طائلة ومعفية أيضا من الضرائب، ومع ذلك تبخل على الأساتذة بأقل حقوقها، فكنت ألجأ لتعويض ذلك عن طريق المراجعات الليلية..”.
ومن هذه الشهادات التي ذكرت ومن شهادات أخرى لم أنقلها لكم، يمكن تلخيص معاناة أساتذة التعليم الخصوصي فيما يلي:
– أنالأستاذ يحصل فقط على الفتات، في حين أن المؤسسة تجني أموالا طائلة..
فمنهم من يشتغل فقط بمبلغ 1000 درهم للشهر، أو 2000 درهم أو أقل؛ حيث أن البعض اشتغل بمدينة سلا فقط بملغ 500 أو 700 درهم، وهذا المبلغ لا يساوي حتى الثمن الذي يدفعه تلميذ واحد داخل كل فصل.
– أن الأستاذ لا يجوز له أن يغضب أحدا؛ لا التلاميذ، ولا الإدارة، ولا أولياء الأمور!!
– لا يستفيد من الضمان الاجتماعي، ولا من التغطية الصحية، ولا من الراحة لا النفسية ولا البدنية، إلا في بعض المؤسسات التي تعد على رؤوس الأصابع.
– لا ينعم بالاستقرار فهو مهدد بالطرد من المؤسسة في أي لحظة وتحت أي ظرف.
– غير مسموح له بأن يمرض، وإن قدر الله ومرض لا يحصل على راتبه كاملا.
– مجبر أن يتحمل تصرفات التلاميذ غير اللائقة اتجاهه، وأن يجعل من التلميذ الكسول تلميذا مجتهدا، مهما يبلغه ذلك من مجهود.
– لا يحصل على راتبه إذا حلت العطلة الصيفية.
– أنه مجبر على أن يلتزم الصمت أمام ظاهرة نفخ النقط للتلاميذ.
إن هذا الوضع الذي آل إليه واقع أساتذة التعليم الخصوصي بالمغرب يستدعي إعادة النظر في القوانين المنظمة لهذا المجال، ووضع الشروط التي تضمن للأجراء حقوقهم، والعمل على إخراجهم من الوضعية المزرية التي يعيشونها؛ وتضغط على أرباب المؤسسات الخصوصية. و يجب عليها أيضا مراقبة أهلية مدراء المؤسسات الخصوصية والإدارة التربوية.