محور السياستين أو حياة القائد عبد الله
هوية بريس – ذ. إدريس كرم
تقديم:
“محور السياستين أو حياة القائد عبد الله”، كتاب طبع بالفرنسية سنة 1928، وصودرت ترجمته للعربية بعدما طبعت سنة 1929.
يقول عنه الحاج أحمد مكوار في مقاله المعنون بـ(“علال الفاسي: من نشأة الوطنية إلى المنفى”؛ العلم، 17 ماي 1974): “دشنت المقاومة عملها بفتح المدارس الحرة، حيث تأسست مدرسة سيدي بناني، تلتها المدرسة الناصرية سنة 1921، ثم مدرسة القلقليين.
ولما تعددت المدارس، تكونت لجنة للإشراف على الامتحانات، ولما لاحظنا ضعف الإقبال على التعليم، قررنا تأسيس جمعية للدعاية للتعليم وحمل الآباء على إرسال أبنائهم للمدارس.
اجتمعنا بالمجلس البلدي وأسسنا جمعية كان الزعيم علال كاتبها، وكنت أمين صندوقها، ومنحنا رئاسة الجمعية لشخصية تطمئن لها الإدارة.
وفي 15 غشت 1929، قدمنا طلب الإذن، وبعد شهرين ونصف، جاءت للرئيس رسالة من الجنرال “بيتان” الذي كان حاكم الناحية، مؤرخة في 31 أكتوبر 1929 برفض التأسيس، مبرهنة بذلك على صحة ما جاء في كتاب ضابط الاستعلامات الكومندار “أدينو” المعنون: (القايد عبد الله) الذي ترجمناه وطبعناه، غير أن الإدارة حجزته”.
ونقد فيما يلي، الفصل 44 من كتاب “محور السياستين أو القايد عبد الله”:
(..ما نريده هو أمر عظيم يصعب الحصول عليه، وكم وددت بيان المنهج الذي يجدر بفرنسا أن تسلكه مع هؤلاء المسلمين، فأقول اليوم:
أصحيح أننا نود إبقاء المسلمين على ما هم عليه من حالتهم؟
أفي قصدنا أن نرد للإسلام زهرة علومه ومعارفه، فنكون متكلفين بنشر القران والحديث والسنة فيما بين المسلمين، أو إنما دعوتنا هي مجرد كذب وافتراء وزندقة لنتوصل لجلب قلوب المسلمين ونفسهم لجانبنا؟
أمن الفائدة الصالحة لنا أن نرقي درجة تلقين العلوم بهذا القطر أم نتركها على ما هي عليه؟
الجواب هو: أن الخطر لاحق بنا سواء في حالة ترقية علومنا أو علومهم، لأنهم إذا ما تعلموا وتنورت أفكارهم تيقنوا بأنهم غير متوقفين على وجودنا ببلادهم.
ومجرد ثلاثين سنة كافية لنهضة هذا القطر الفائق أهله حدقا ونشاطا، حتى يصير كاليابان فيقع لفرنسا بأرض المغرب مثلما وقع لإنجلترا وأمريكا “بطوكيو”، إذ يتخذ هؤلاء المسلمون مرشدهم عدوا لهم.
أنترك المغرب على ما هو عليه من طول سباته المتواردة عليه جميع الحوادث السياسية أم لا؟
بل، ولكن لا نعطيهم من العلم والمعارف، إلا ما يكون لهم كافيا ليرضوا بمقامنا جانبهم أبدا.
هذا والأجدر بفرنسا أن تحترم مبادئ قوانينها بالمغرب، ذلك أننا كثيرا ما نقول بأننا ما جئنا للمغرب إلا لنمدن أهله، ونسعى في ترقيته بدون فتور ولا انقطاع، حسب الدرجة التي يكون قابلا لها وتوافق فكرة المسلمين.
وما نسعى فيه من تكثير عدد المسلمين بمعالجة أمراضهم أمر يقتضيه لنا الرحب المعد هنا لفرنسا.
لا، لا نسعى في هذا الأمر أبدا، وإذا ما فعلنا وبالغنا في تعليمهم فإنما نحن جالبون على أنفسنا خطرا عظيما يقف بوجه مهمتنا هنا، وهو صادر من الذين يوقنون بحقيقة أنفسهم وواجباتهم.
الإسلام تهديد لفرنسا وخطر عظيم على نفسها لأنه لو انحاز المسلمون عن جانب فرنسا لكان في ذلك الضرر الكبير على قوتنا.
أليس من الواجب علينا إذا، أن نقلل من درجة قوتهم وديانتهم الزاهرة التي تود صعودا وانتشارا، وإنا ليشتد خوفنا من اجتماع اختلاف طوائفهم يوما ما على كلمة واحدة واتفاقهم عليها.
إلى الغافلين الذين لا يحتاطون لهذه الحالة أقدم كلمتي وهي أهم، لا يسعوا في تخضيض حد شوكة يصابون بها ليوم ما، ولا خشية لنا في ذلك، لأني ما عثرت قط بالتواريخ على أن فرنسا حاربت إنجلترا لتمنعها من مستعمراتها، وإلا فإني أرغب من أولئك العادلين المقسطين الذين يودون تقديس عوائد الأمة وحياتها أن يقوموا بمحاربة من لم يرض بسلطتنا عليه، لأن وجودنا بأرض المغرب هو معلوم لقصد فائدتنا الشخصية من أرضه.
وإذا كانت الفائدة هي التي تقود زمام أية أمة، فكل شيء لديها مباح، والحرب أكبر دليل على ذلك.
وما هي أيضا حاجتنا بأرض المغرب إذا كنا نسعى بأمر ليس هو بالهين في جلب عاقبة ليست بمحمودة النتيجة، أو عملنا لمنافع أمة لا تكون لنا مخلصة الود أو لمجرد غيرنا من الأمم.
وبعبارة أقول: بأنه لا فائدة لنا فيما نتحمله من هذا القطر بإضاعة أموالنا وصرفها.
قال لي أحد الضباط بيوم من الأيام: “أنت تعجب من بقاء بلاد الجزائر تحت سلطتنا فذلك لسبب انقراض جيل من أجيالها”، وصدقا قال، وإني لآتي هنا بمقال الأب “فوكول”، تأييدا للفكرة، قال:
“لا يكون لكم المغرب ملكا أبدا ما دام به المسلمون”..).