الشيخ عمر القزابري يكتب: مَرَاجِلُ الحَنِينْ…!
هوية بريس – الشيخ عمر القزابري
بسم الله الرحمان الرحيم.. والصلاة والسلام على رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه أجمعين.. أحبابي الكرام:
بعدَ احْتضارِ النهار.. في سِياقِ المَغيب.. غاب الضوء.. وخَفَتَ النور.. وجاء الليل بسرِّه الغريب.. فداخلني خيالٌ علويُّ النسمات.. شاحبُ القسَماتْ.. يأخذني إلى ماضٍ بعيد.. يعيدني إلى ذكرياتي التي حجبتها أستار الزمن.. إلا عن وجداني وكياني وخيالي.. فسَامرتُ هذا الخاطرَ الغامض.. الغارق في الشجن.. الواقف على طَلَلِ الألم.. ولعل سِرَّ هذا الخاطر المُداهِم دون استئذان.. وُقوفِي على القُبورِ الثلاثة.. قبور أحبِّ الناس إلى قلبي..
أبي.. مهجة الروح..
أمِّي.. بلْسَم الجُروح..
عمِّي.. نديمُ السِّر الذي لا يبوح..
وقفت.. والذّكرى مَعي.. تُؤرقني.. تُغرقني.. تُقلقني.. فاستيقظتِ الأشجان.. وهاجتِ الأحزان.. وهتف منادي الحب.. واااشوقاه… وقفتُ كأنِّي أسمعُهم.. ورغم ضراوة الغيب الكثيف.. أكاد أُبصِرُهم.. وأرى حفيف خُطاهم.. أكاد من خَلَدِي أكلمهم.. أكاد من شوقي أُسْمِعُهُمْ لحنًا من ضراعةٍ يُسامرُهم.. وأكاد أبسط راحتي ويدي تصافحهم.. أكاد من وَجْدي أناديهم.. وأنتشِل الصَّدى المخْطوفَ من يَدِهم…
ياقلبُ مَهْلَكْ… أَحَاجِزٌ يُخفِيني أمْ يُخْفِي مَلَامِحَهُم؟ سَكَتَ الصَّمتُ حتى شاب.. مِنْ وطأةِ الحِجَاب.. وقفتُ وفي فمي جرْسٌ يخاطبهم. .. وفي دمي همْسٌ يواكبهم.. صَمتٌ ولكِنْ له صَوت.. طاف قلبي بقدح فارغٍ يحتاج سُقياهم.. فقد جفَّت المشاعِر بعدَهم… وتبدلت لغةُ لُطفِهم.. بِقسوَةِ بُعدِهم.. وما كان الخَلَفُ أبدا ليواكِب ويواصل نَداوتَهم.. وذوْقهُم .. ورِقَّتهُم.. فَتهتُ في حيرتي.. وهاجت لوعتي. وكدتُ أنادي.. اسْقوني فقد جفَّ الكأس بَعدَكُم.. وأقسى القلوبَ بُعدُكُم.. وشَطرتُ ذاتي: واحدا معهم. والثاني يُراقبهم.. تركتهم.. وخرجت بنصف مغترب.. خرجت أتجرع مرارة البُهتانِ بعد فُقدانِهم.. نامُوا هُم.. واسْتيقظَتْ ذئابُ الزور.. بأنياب الشَّره.. كنتُ مُخَبَّل القَسمَات.. ورِجلايَ تتناقلان الحَبو في شَرَكٍ مِن حُب لا شك يَصلُهم. .خرجتُ إلى زيف الواقع العاتي.. والقلب يرثيهم.. خرجتُ والغيب غيب الله يحجبهم.. والعقل مَدَّ الروح يَحمِلهم.. والروح قبل العقل تعانقهم.. خرجتُ بجفنينِ يَسترجِعان من الأمس أشلاء ماض بعييييد.. وفي سكون الليل صعقتني يقظاتُ النجوم. .فأصبَحتُ طيْرًا يَمُوءُ بأنغامه في الفراغ.. وَيَجترُّها في الدُّجى المُعتَكِر… شدْوي بُعدُ الحبيب.. ونار شوقٍ يغرِّدُ فيها اللهيب.. ورضى يغمُر القلبَ بِقَدَرِ الربِّ الحبيب.. هل يشيبُ الشباب؟ نعم يشيب لفقد الحبيب.. وعدم وجود العِوض اللبيب… كم حلمتُ بفردوس حُب… وأنهارِ سحر.. وحور ترفرف مثل الطيور.. فَتُسْكِرُ أسرابها الناظرين.. كم وكم وكم.. ولكن يا ضيعة العُمرِ للحالمين.. يا نفس أفيقي من الوهم.. لن تعرفي من السر إلا الذي تبصرين.. ويانفس اغرسي وابذري ولا تسألي عن حظوظ الزمان.. ولماذا كان وكان. .. فقلت لنفسي: أخاف احتدام الغروب.. إذا ذاب في الكأس كُلُّ الشروق.. ثم قلت بقلب لا يثق إلا في علام الغيوب:
مُدبِّرَ الكونِ أنت القصدُ والغَرضُ: وأنت عن كل ما فاتنا عِوض…
وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.. محبكم وحافظ عهدكم وودكم عمر بن أحمد القزابري.