دُررٌ من البيان في (مفردات ألفاظ القرآن)
هوية بريس – ربيع السملالي
عكفتُ منذ شَهر ونيِّفٍ على قراءة كتاب (مفردات ألفاظ القُرآن) للإمام الحسين بن محمد بن المفضّل الرّاغب الأصفهاني المتوفى في حدود سنة 425هـ، فوجدت فيه الفائدة المرجوة، والمتعة التي تهفو إليها نفوس طلاّب علم اللغة والأدب، فكنتُ لا أمرّ على صفحة من صفحاته المثقلة بالدّرر إلاّ إذا استوفيت حظّي من قراءتها والاستمتاع بما فيها، وقد تجمّع في مذكّرتي شيء كثير من المعلومات والفوائد والدّرر اللغوية والقرآنية والبلاغية التي جاد بها قلم هذا العلاّمة المُبهر، فرأيتُ أنّ من المفيد أن أجمعها وأنشرها في هذه الجريدة المُوفّقة لتعمّ الفائدة وتنتشر المتعة بين متتبعيها.
وقد اعتمدت في قراءته على أجود طبعة له، لدار القلم بتحقيق صفوان عدنان داوودي، وإن كنتُ أعتب عليه عدم تعليقه على أشعرية المؤلف، وتأويله لجميع صفات الله تعالى.
ألفاظ القرآن
فألفاظ القرآن هي لبُّ كلام العرب وزُبدته، وواسطتُه وكرائمُه، وعليها اعتماد الفقهاء والحكماء في أحكامهم وحكمهم، وإليها مفزع حُذَّاق الشعراء والبلغاء في نظمهم ونثرهم، وما عداها وعدا الألفاظ المتفرّعات عنها والمشتقات منها هو بالإضافة إليها كالقشور والنّوى بالإضافة إلى أطايب الثمرة، وكالحثالة والتبن بالإضافة إلى لُبوب الحنطة.
(مفردات ألفاظ القرآن للراغب الأصفهاني؛ ص:55).
أخ
أخ: الأصل أخَوٌ، وهو: المشارُ لآخرَ في الولادة من الطّرفين، أو من أحدهما أو من الرّضاع.
وَيُستعارُ في كلّ مُشارك لغيره في القَبيلة، أو في الدِّين، أو في صنعة، أو في معاملة، أو في مَودَّة، وفي غير ذلك من المناسبات.
(مُفرداتُ ألفاظ القرآن؛ ص68).
الأمّ
الأم بإزاء الأب، وهي الوالدة القريبة التي ولدته، والبعيدة التي ولدت مَنْ ولدته.
ولهذا قيل لحوّاء: هي أمّنا، وإن كان بيننا وبينها وسائط. ويقال لكل ما كان أصلاً لوجود شيءٍ أو تربيته أو إصلاحه أو مبدئه أمٌّ، قال الخليل: كلّ شيءٍ ضُمّ إليه سائر ما يليه يُسمّى أُمًّا، قال الله تعالى: ﴿وإنّه في أمّ الكتاب﴾ (لزخرف4)، أي: اللّوح المحفوظ وذلك لكون العلوم كلّها منسوبة إليه ومتولّدة منه. وقيل لمكّة أمّ القرى، وذلك لما رُوي: (أنّ الدنيا دُحيت من تحتها)، وقال تعالى: ﴿لتُنْذرَ أمّ القُرى ومن حولها﴾ (الأنعام92)، وأمُّ النجوم: المجرَّة.
(مفردات ألفاظ القرآن؛ ص:85).
الإنسان
والإنسان قيل: سُمّي بذلك لأنّه خُلق خلقة لا قوام له إلا بإنس بعضهم ببعض، ولهذا قيل: الإنسان مدنيٌّ بالطبع، من حيث لا قوام لبعضهم إلا ببعض، ولا يمكنه أن يقوم بجميع أسبابه، وقيل: سُمّي بذلك لأنّه يأنسُ بكلِّ ما يألفه، وقيل: هو إِفْعِلان، وأصله: إِنْسيان، سُمّي بذلك لأنّه عَهِد اللهُ إليه فنسي.
(مفردات ألفاظ القرآن؛ ص.94).
أنفٌ
أصلُ الأنف: الجارحة، ثمّ يسمّى به طرف الشيء وأشرفه، فيُقال: أنفُ الجبل وأنفُ اللّحية، ونُسِبَ الحمية والغضب والعزّة والذّلة إلى الأنف حتى قال الشاعر:
إذا غضبتْ تلك الأنوف لم أرضها***ولمْ أطلب العتبى ولكنْ أزيدها
وقيل: شمخ فلانٌ بأنفه: للمتكبّر، وترِب أنفُه للذليل، وأنِف فلانٌ من كذا بمعنى استنكف، وأنَفْتُه: أصبتُ أنفه. وحتّى قيل للحميَّة:، الأَنَفَة، واستأنفتُ الشيء: أخذتُ أنفَهُ، أي: مبدأه، ومنه قوله عزّ وجل: ﴿ماذا قال آنفا﴾ (محمد16)، أي مبتدأ.
(مفردات ألفاظ القرآن؛ ص:95).
تأهّل
وتأهّل: إذا تزوّج، ومنه قيل: أهّلك الله في الجنة، أي: زوّجك فيها وجعل لك فيها أهلاً يجمعك وإياهم، ويقال: فلان أهل لكذا، أي: خليق به، ومرحبًا وأهلاً في التحية للنّازل بالإنسان، أي وجدت سَعَةَ مكانٍ عندنا، ومن هو أهل بيت لك في الشفقة.
(مفردات ألفاظ القرآن؛ ص:97).
تبرّج
وتوبٌ مبرّج: صُوِّرت عليه بروج، واعتُبر حسنه، فقيل: تبرَّجت المرأة أي: تشبَّهت به في إظهار المحاسن، وقيل: ظهرت من برجها، أي: قصرها، ويدلّ على ذلك قوله تعالى: ﴿وقرْنَ في بيوتكنّ ولا تبرّجن تبرّج الجاهلية الأولى﴾ (الأحزاب33)، وقوله: ﴿غير متبرّجاتٍ بزينة﴾ (النور60)، والبَرَجُ: سِعةُ العين وحسنها تشبيهًا بالبرج في الأمرين.
(مفردات ألفاظ القرآن؛ ص115).
بناتي
قوله تعالى: ﴿هؤلاء بناتي هُنَّ أطهر لكم﴾ (هود78).
فقد قيل: خاطبَ بذلك أكابرَ القوم، وعرض عليهم بناتِه لا أهل قريته كلّهم، فإنّه محال أن يعرض بناتٍ له قليلة على الجَمّ الغفير، وقيل: بل أشار بالبنات إلى نساء أمته، وسمّاهن بناتٍ له لكون كلّ نبيٍّ بمنزلة الأب لأمّته، بل لكونه أكبرَ وأجلَّ الأبوين لهم !
(مفردات ألفاظ القرآن؛ ص148).
ثَمد
ثمود قيل: هو أعجمي، وقيل: هو عربيّ، وترك صرفُه لكونه اسم قبيلةٍ، أو أرض، ومَنْ صرفه جعله اسم حيٍّ أو أبٍ، لأنّه يُذكر فَعُول من الثَّمَد، وهو الماء القليل الذي لا مادّة له، ومنه قيل: فلانٌ مَثْمُود، ثَمدَتْهُ النّساء أي: قطعْنَ مادّة مائِه لكثرة غشيانِه لهنّ، ومَثمود: إذا كثر عليه السُّؤال حتى فقد مادة ماله.
(مفردات ألفاظ القرآن ؛ص:176).
لا تحزن
﴿لا تحزن﴾ (الحِجر88).
فليسَ ذلكَ بنَهيٍ عن تحصيل الحُزن، فالحُزن ليسَ يحصل بالاختيار، ولكنَّ النّهيَ في الحقيقة إنّما هو عن تعاطي ما يُورِثُ الحُزن واكتسابَه، وإلى ذلك أشارَ الشّاعرُ بقوله:
من سرَّه أن لا يرى ما يسوءُه***فلا يتّخِذ شيئًا يُبالي له فقدا
وأيضا فحَثّ للإنسان أن يتصوّرَ ما عليه جُبِلَت الدّنيا، حتّى إذا ما بغتته نائبة لم يكتَرِث بها لمعرفته إياها، ويجبُ عليه أن يُروّضَ نفسَه على تحمّل صِغار النُّوَبِ حتّى يتوصّلَ بها إلى تحمُّل كبارها.
(مفرداتُ ألفاظ القرآن ص231)
والبيت لابن الرّومي في ديوانه ج2 ص806 كما أشار إلى ذلك مُحقّق الكتاب.
فابعثوا حكما
قال عزّ وجلّ: ﴿فابعَثُوا حَكَمًا من أهله وحكَمًا من أهلها﴾ (النساء35).
قيلَ وإنّما قال: (حكَمًا) ولم يقل: حاكِمًا، تنبيهًا أنّ من شرط الحَكَمَيْنِ أن يتولّيا الحُكمَ عليهم ولهُم حسبَ ما يستصوبانه من غير مراجعة إليهم في تفصيل ذلك، ويُقال: الحَكَمُ للواحد والجمع، وتحاكمنا إلى الحاكم.
(مفرداتُ ألفاظ القرآن؛ ص249).
حصان
وفَرَس حِصان: لكونه حِصْنًا لراكبه…وامرأة حَصان وحاصِن. وجمع الحِصان: حُصُن. وجمع الحاصن حواصن. ويقال حَصان للعفيفة، ولذات حُرمة. قال تعالى ﴿ومريم ابنة عمران التي أحصنت فرجَها﴾ (التحريم112)، وأحصَنَت وحصنت.
والحَصَان في الجُملة: المُحصنة، إمّا بعفّتها، أو تزوّجها، أو بمانع من شرفها وحرّيتها.
(مفردات ألفاظ القرآن ص239 ، بتصرف).
حمد
الحمد لله تعالى: الثناء عليه بالفضيلة، وهو أخصُّ من المدح وأعمُّ من الشّكر، فإنّ المدح يقال فيما يكون من الإنسان باختياره، ومما يكون منه وفيه بالتسخير، فقد يُمدَح الإنسان بطول قامته وصَباحة وجهه، كما يمدح ببذل ماله وسخائه وعلمه، والحمدُ يكون في الثاني دون الأول، والشُّكر لا يُقال إلا في مقابلة نعمة، فكلّ شكرٍ حمدٌ، وليس كلّ حمدٍ شكرًا، وكلّ حمْدٍ مدحٌ، وليس كلّ مدحٍ حمدًا، ويقال: فلانٌ محمود: إذا حُمِد، ومُحمّد: إذا كثُرت خصاله المحمودة، ومُحْمَدٌ: إذا وجد محمودًا.
(مفردات ألفاظ القرآن؛ ص256).
حنف
الحنفُ: هو ميلٌ عنِ الضّلالِ إلى الاستقامة، والجنفُ: ميْلٌ عن الاستقامة إلى الضّلالِ، والحنيفُ هو المائلُ إلى ذلك، قال عزّ وجل: ﴿قانتًا للّه حنيفًا﴾ (النحل120)، وقال: ﴿حنيفًا مُسْلمًا﴾ (آل عمران67)، وجمعُه حُنفَاءٌ، قال عزّ وجلّ: ﴿واجتنبوا قولَ الزّور. حُنفاءَ لله﴾ (الحج 30-31)، وتحنّف فلانٌ، أي تحرّى طريق الاستقامة، وسمَّتِ العربُ كلّ من حجّ أو اخْتَتَنَ حنيفًا، تنبيهًا أنّه على دين إبراهيم عليه السلام، والأحْنَفُ: منْ في رجله ميْلٌ، قِيل: سُمّيَ بذلك على التّفاؤُلِ، وقيل: بلِ اسْتُعِيرَ للْمَيْلِ المُجَرّد.
(مفردات ألفاظ القرآن؛ ص260).
الخُيَلاء
الخُيلاءُ: التّكبّر عن تَخيّل فضيلةٍ تراءتْ للإنسان من نفسه، ومنها يُتأوّلُ لفظ الخيل لما قيل: إنّه لا يركبُ أحدٌ فرسًا إلا وجد في نفسه نخوةً، والخيل في الأصل اسمٌ للأفراس والفرسان جميعًا.
(مفردات ألفاظ القرآن؛ ص304).
عكفتُ منذ شَهر ونيِّفٍ على قراءة كتاب (مفردات ألفاظ القُرآن) للإمام الحسين بن محمد بن المفضّل الرّاغب الأصفهاني المتوفى في حدود سنة 425هـ، فوجدت فيه الفائدة المرجوة، والمتعة التي تهفو إليها نفوس طلاّب علم اللغة والأدب، فكنتُ لا أمرّ على صفحة من صفحاته المثقلة بالدّرر إلاّ إذا استوفيت حظّي من قراءتها والاستمتاع بما فيها، وقد تجمّع في مذكّرتي شيء كثير من المعلومات والفوائد والدّرر اللغوية والقرآنية والبلاغية التي جاد بها قلم هذا العلاّمة المُبهر، فرأيتُ أنّ من المفيد أن أجمعها وأنشرها في هذه الجريدة المُوفّقة لتعمّ الفائدة وتنتشر المتعة بين متتبعيها.
وقد اعتمدت في قراءته على أجود طبعة له، لدار القلم بتحقيق صفوان عدنان داوودي، وإن كنتُ أعتب عليه عدم تعليقه على أشعرية المؤلف، وتأويله لجميع صفات الله تعالى.
دهــر
الدَّهْرُ في الأصل: اسمٌ لمدّةِ العالَمِ من مبْدَأِ وُجُودِهِ إلى انْقِضائِهِ، وعلى ذلك قوله تعالى: ﴿هَلْ أَتَى علَى الإِنْسانِ حينٌ من الدّهْرِ﴾ (الدهر1)، ثُمَّ يُعَبَّرُ به عن كلِّ مُدّةٍ كثيرةٍ، وهو خلافُ الزمانِ، فإنَّ الزّمانَ يقعُ على المُدَّةِ القليلةِ والكثيرةِ، ودَهْرُ فلانٍ: مدّةُ حياتِهِ، واستُعيرَ للعادةِ الباقيةِ مُدَّة الحياةِ، فقيل: مَا دَهْرِي بكذا، ويُقال: دَهَرَ فُلانًا نائبةٌ دهْرًا، أي: نزلتْ به، حكاه (الخليلُ)، فالدّهْر ها هنا مصدرٌ، وقيل: دَهْدَرَهُ دَهْدَرةً، و دَهْرٌ دَاهِرٌ ودَهِيرٌ. وقولُه عليه الصلاة والسلام: “لا تَسُبُّوا الدَّهْرَ فإنَّ الله هو الدَّهْرُ ” قد قيلَ معناهُ: إنّ اللهَ فاعلُ ما يُضافُ إلى الدّهْرِ من الخيْرِ والشّرِّ والمسرَّةِ والمَسَاءَةِ، فإذا سَبَبْتُم الذي تَعْتَقدونَ أنّهُ فاعلُ ذلك فقد سبَبْتُمُوهُ تعالى عنْ ذلك. وقال بعضهم: الدّهْرُ الثاني في الخبَر غيرُ الدّهرِ الأوّل، وإنّما هو مصدرٌ بمعنى الفاعل، ومعناهُ: أنّ اللهَ هو الدّاهِرُ، أي: المُصرِّفُ المُدبِّرُ المُقيَّضُ لِما يحْدُثُ، والأولُ أظهرُ. وقوله تعالى: ﴿ما هي إلاّ حيَاتُنَا الدُّنْيا نمُوتُ ونحْيا ومَا يُهْلِكُنَا إلا الدّهْرُ ﴾ (الجاثية24)، قيل: عُنِيَ به الزّمانُ.
(مفردات ألفاظ القرآن ص: 319 – 320).
الـــدّارُ
الدّارُ: المنزلُ اعتبارًا بدَوَرانها الذي لها بالحائط، وقيلَ دارةٌ، وجمعها دِيار، ثُمّ تُسمّى البلدة دَارًا، والصُّقْعُ دارًا، والدّنيا كما هي دارًا، والدّار الدّنيا، والدّار الآخرة، إشارةٌ إلى المَقَرَّيْن في النّشأة الأولى والنّشأة الأخرى. وقيل: دارُ الدّنيا ودار الآخرة.
(مفرداتُ ألفاظ القرآن ص:321).
ذَكَــر
الذِّكْرُ: تارةً يُقالُ ويُرادُ به هيئةٌ للنّفْس بها يُمكنُ للإنسانِ أنْ يَحْفَظَ ما يَقْتنِيه من المعرفةِ، وهو كالحِفْظِ إلاّ أنّ الحِفظ يُقالُ اعتبارًا باسْتِحْضارهِ، وتارةً يُقالُ لحضورِ الشيءِ، القلب أو القول، ولذلك قيلَ: الذِّكْرُ ذِكْرانِ:
ذِكْرٌ بالقلبِ.
و ذِكْرٌ باللّسانِ.
وكلُّ واحدٍ منهمَا ضَرْبانِ:
ذِكْرٌ عنْ نِسْيَانٍ.
و ذِكْرٌ لاَ عنْ نِسْيانٍ بلْ عن إِدَامَة الحِفْظِ.
(مفردات ألفاظ القرآن ص. 328)
قال بعض العلماء في الفرق بين قوله تعالى: ﴿فاذْكُرُونِي أَذْكُرْكُم﴾ (البقرة152)، وبيْن قوله: ﴿اذْكُرُوا نِعْمَتيَ﴾ (البقرة40): إنَّ قوْلَهُ اذْكُرُوني مُخَاطَبَةٌ لأصحاب النّبي صلى الله عليه وسلم الذين حَصَل لهمْ فَضْلُ قُوّةٍ بِمَعرِفتِه تعالى، فأَمَرَهُمْ بِأنْ يَذْكُرُوهُ بغيْرِ واسطةٍ، وقوله تعالى: ﴿اذْكُرُوا نِعْمَتيَ﴾ مُخَاطَبَةٌ لِبنِي إسرائيلَ الذين لم يَعْرفُوا اللهَ إلاّ بِآلاَئِهِ، فأمَرَهُمْ أنْ يتصوَّروا نِعْمَتَهُ، فَيَتَوصَّلُوا بها إلى مَعْرِفتِهِ.
(مفردات ألفاظ القرآن ص329).
الرُّحْــبُ
الرُّحْبُ: سِعةُ المكانِ، ومنه رَحَبَةُ المسجدِ، ورَحُبَتِ الدّارُ: اتَّسَعَتْ، واسْتُعِيرَ للواسعِ الجَوْفِ، فقيلَ: رَحْبُ البطنِ، ولوَاسع الصدر، كما استُعيرَ الضيِّقُ لِضِدِّهِ، قال تعالى: ﴿ضاقَتْ عليهمُ الأرضُ بِمَا رحُبتْ﴾ (التوبة118)، وفلانٌ رحِيبُ الفناءِ: لِمَنْ كَثُرَتْ غَاشِيَتُهُ. وقولُهُم: مرْحبًا وأهْلاً، أي: وجدْتَ مكانًا رحْبًا.
قال الله تعالى: ﴿لا مَرْحَبًا بِهِمْ إنّهم صَالُوا النّارِ. قالُوا بلْ أَنْتُمْ لاَ مَرْحَبًا بِكُمْ﴾ (ص:59/60).
(مفردات ألفاظ القرآن ص:346).
لئيمٌ راضِعٌ
لئيمٌ راضِعٌ: استُعير لمن تناهى لُؤمه، وإن كان في الأصلِ لمن يرضَعُ غَنَمَه ليلا، لئلا يُسمعَ صوتُ شَخْبه، فلمّا تعُورفَ في ذلك قيل: رضُعَ فلانٌ، نحو: لؤُم.
(مفردات ألفاظ القرآن ص:355).
والشّخْبُ صوت اللّبن عند الحلب.
قال ربيع: وهنا تحضرني قصة لجرير بن عطية الشاعر الأموي المشهور، فقذ ذكر الأصبهاني في الأغاني (ج8؛ ص:36 دار صادر) قصّة لطيفة لعلّ من الخير ذِكُرها في هذا الموضِع:
قال الأصمعيُّ حدّثني بلال بن جرير، أو حُدّثت عنه: أنّ رجلا قال لجرير: من أشعرُ النّاس؟ فقال جريرٌ: قم حتّى أعرّفك الجواب، فاخذَ بيده وجاء به إلى أبيه عطيّةَ وقد أخذ عَنْزاً له فاعتقلها وجعل يمصّ ضَرْعها، فصاح به: اخرُجْ يا أبتِ، فخرجَ شيخٌ دميم رثّ الهيئة وقد سالَ لبنُ العنز على لحيته، فقال: أترى هذا؟ قال: نعم. قال: أوَ تعْرِفُه؟ قال: لا، قال: هذا أبي، أفتدري لِمَ كانَ يَشْرَبُ من ضَرْع العنز؟ قلتُ: لا، قال: مخافَةَ أن يُسمع صوتُ الحلب فيُطلَبُ منه لبنٌ، ثمّ قال: أشعر النّاس من فاخرَ بمثلِ هذا الأب ثمانين شاعِرًا وقارعهم به فغلبهم جميعاً.
رُعبُوبة
وجاريةٌ رُعبُوبةٌ: شابّة شَطْبَة تَارَّة.
قال المُحقّق في الهامش: الشّطبة: الحَسَنة، والتّارّة: ممتلئة الجسم.
(مفردات ألفاظ القرآن ص:357 مع الهامش).
قال ربيع: عندنا في المغرب طعام يكثر في البوادي اسمه (فُتات الشَّطْبَة). ولعلّ ذلك راجع إلى حِذق الجواري في صنع هذا الطّعام فنُسب إلى حُسنهن. والله أعلم.
ريب المنون
وقوله: ﴿ريبَ المنون﴾ (الطور30).
سمّاه ريبًا لا أنّه مُشكِّكٌ في كونه، بل من حيثُ تُشُكِّكَ في وقت حُصوله، فالإنسانُ أبدًا في ريبِ المنون من جهة وقته، لا من جهة كونه، وعلى هذا قال الشّاعرُ:
النّاسُ قد علِمُوا أن لا بقاء لهم…ولو أنّهم عمِلوا مِقدارَ ما علِموا
(مفردات ألفاظ القرآن ص:368).
زَعَــمَ
الزَّعْمُ: حكايةُ قولٍ يكونُ مَظِنَّةً للكذِب، ولهذا جاء في القرآنِ في كلِّ موْضِعٍ ذُمَّ القائلُونَ به، نحو: ﴿زعَمَ الذّينَ كَفَرُوا﴾ (التغابن7)، ﴿بَلْ زَعَمْتُمْ﴾ (الكهف48)، ﴿كُنْتُمْ تَزْعُمُون﴾ (الأنعام22)، ﴿زَعَمْتُمْ مِنْ دُونِه﴾ (الإسراء56)، وقِيل للضّمانِ بالقوْلِ والرِّئاسةِ: زَعَامَةٌ، فقِيلَ للْمُتَكَفِّلِ والرّئيس: زعيمٌ، للاعتقاد في قولَيْهِمَا أنّهُمَا مَظِنّةٌ لِلْكذِب. قال: ﴿وأَنَا بِهِ زَعِيمٌ﴾ (يوسف72)، ﴿أَيُّهُم بِذلك زعيمٌ﴾ (القلم40) إمَّا مِن الزّعَامةِ أي: الكَفَالة، أو من الزَّعْمِ بالقوْلِ.
(مفردات ألفاظ القرآن ص:380).
زَكَــا
وبزكاء النّفسِ وطهارتها يصيرُ الإنسانُ بحيثُ يستحقّ في الدّنيا الأوصاف المحمودة، وفي الآخرة الأجر والمثوبة. وهو أن يتحرّى الإنسانُ ما فيه تطهيرُه، وذلك يُنسبُ تارةً إلى العبد لكونه مكتسِبًا لذلك، نحو: ﴿قد أفلح من زكّاها﴾ (الشمس9)، وتارةً يُنسبُ إلى الله تعالى، لكونه فاعلاً لذلك في الحقيقة نحو: ﴿بل الله يُزكّي من يشاء﴾ (النساء49)، وتارة إلى النّبيّ لكونه واسطةً في وصول ذلك إليهم، نحو: ﴿تطهرهم وتزكّيهم بها﴾ (التوبة103)..
(مُفرداتُ ألفاظ القرآن ص381).
زيـــن
الزِّينَةُ الحقيقيّةُ: ما لا يَشينُ الإنسانَ في شيْءٍ من أحواله لا في الدنيا، ولاَ في الآخرةِ، فأمّا ما يَزِينُه في حالةٍ دون حالةٍ فهو منْ وجْهٍ شيْنٌ، و الزّينَةُ بالقوْل المُجْمَل ثلاثٌ: زِينَةٌ نَفْسِيَّةٌ كالعِلْم، والاعتقاداتِ الحَسَنةِ، وزِينَةٌ بَدَنِيَّةٌ، كالقُوَّةِ وطولِ القَامةِ، وزِينَةٌ خارِجيَّةٌ كالمالِ والجاهِ.
(مُفرداتُ ألفاظ القرآن ص:388).
سعد
السّعْدُ والسّعَادةُ: مُعاوَنَةُ الأُمور الإلهيةِ للإنسَانِ على نيْلِ الخَيْرِ، وَ يُضَادُّهُ الشَّقَاوَةُ، يُقَالُ: سَعِدَ وأَسْعَدَهُ اللهُ، ورَجُلٌ سَعيدٌ، وقوْمٌ سُعَدَاءُ، وأعْظَمُ السَّعاداتِ الجنَّةُ، فلذلك قال تعالى: ﴿وأمَّا الذينَ سُعِدُوا فَفِي الجنّةِ﴾ (هود108)، وقال: ﴿فَمِنْهُمْ شَقِيٌّ وَ سَعيدٌ﴾ (هود105)، والمُسَاعَدَةُ: المُعَاوَنَةُ فيما يُظَنُّ به سعادةٌ. وقوله صلى الله عليه وسلم: “لبّيْكَ وسَعْدَيْكَ” مَعْنَاهُ: أَسْعَدَكَ اللهُ إسْعَادًا بعدَ إِسْعَادٍ، أو ساعَدَكُمْ مُساعَدةً بعدَ مُساعدةٍ، والأوّلُ أوْلَى. و الإسْعَادُ في البُكَاءِ خاصّةً، وقد اسْتَسْعَدْتُهُ فَأَسْعَدَنِي.
(مُفرداتُ ألفاظ القرآن ص:410).
السَّعْدانُ
والسَّعْدانُ: نَبْتٌ يُغزِرُ اللّبن، ولذلك قيلَ: مَرعًى ولا كالسَّعْدان.
قال المُحقّق في الهامش: السّعدانُ: شوك النّخل، والعربُ تقول: أطيبُ الإبل لبنًا ما أكلَ السّعدان.
وقولهم مرعى ولا كالسّعدان، مثَلٌ، وسُئلت امرأةٌ تزوجت عن زوجها الثاني، أين هو من الأول؟ فقالت: مرعًى ولا كالسّعدان، فذهبت مثلاً.
(مفردات ألفاظ القرآن ص:411 / مع هامش (1)).
السِّفرُ
والسِّفرُ: الكتابُ الذي يُسفِرُ عن الحقائق، وجمعه أسفار.
قال تعالى: ﴿كمثَل الحمار يحملُ أسفارًا﴾ (الجمعة5).
وخُصَّ لفظُ الأسفار في هذا المكان تنبيهًا أنّ التّوراة -وإن كانت تُحقّق ما فيها- فالجاهلُ لا يكاد يستبينُها كالحِمار الحامل لها.
(مفردات ألفاظ القرآن ص:412).