قبل تحديد الوصفات.. عن أعراض الأمراض يبحث الأطباء؟
د. محمد وراضي
هوية بريس – السبت 08 نونبر 2014
إن تعلق الأمر بالأمراض أو الآفات التي تصيب الأفراد والمجتمعات، فإن المرور إلى تحديد الوصفات لا يتم إلا بعد الانتهاء من الوقوف على مسمى الأعراض. هذه التي تشير إلى نوع المرض المطلوب علاجه. وبما أن المرض انحراف في الصحة، فإن أنواعه لا شك عندنا كثيرة.
فإلى جانب الأمراض العضوية والوظيفية، توجد أمراض عصبية وأمراض نفسية وأمراض عقلية. وهذان المرضان الأخيران، تتفرع عنهما أمراض من ضمنها ازدواج الشخصية والإسقاط، والهيستيريا والصرع، وما إليها من أمراض، لدى الأطباء النفسيين معرفة بها وبأعراضها. فيصح أن يصاب قادة الدول بنفس ما يصاب به مثلهم من بقية الناس العاديين في كل أصقاع المعمور.
والانتقال من الأمراض التي تصيب الأفراد، إلى التي تصيب الجماعات البشرية لا يمكن نكرانه. إضافة إلى التي تصيب الدول بكاملها، مع التفاوت الذي نسجله منظورا إلى خطورتها على الصعيد المادي والمعنوي. وكلها بمختلف أنواعها تؤثر مباشرة في الأمن والأمان والاستقرار. وغياب هذا الثالوث يؤدي إلى اضطرابات، علاجها متوقف على مدى تلاحم الشعب وحكامه. إنما بعد معرفة أسبابها أو عواملها الداخلية والخارجية.
ونذكر هنا أن الأمراض التي تصيب المجتمعات، ليست حديثة العهد بالظهور، فلدينا في العالم العربي آفات نقف على بعض منها في الأدب الذي يحيلنا مثلا على الحروب العشائرية التي تستعر نيرانها لأتفه الأسباب، مع ما يرافقها من غدر ومن مفاجئات مثيرة لشدة الهلع. فعندما يقول الشاعر:
نحن اللذون صبحوا الصباحا***يوم النخيل غارة ملحاحا
فلكي يفتخر بفعلة رهطه النكراء، لأنه فاجأ في الصباح الباكر رهطا آخر كان أفراده نائمين آمنين. غير منتظرين لأي خطر يطرق مضاربهم، والشمس لم تبزغ بعد في الأفق. دون الحديث عن ضحايا نظائر هذه الهجمة الغادرة المفاجئة! ودون الحديث عن خسائرها المادية التي طالما كان إحراق الخيام عنوانا من عناوينها السيئة! فيكون على المعتدى عليهم الانطلاق من الصفر، لإعادة إقامة ما تم إحراقه أو تدميره (لنتذكر غزة!). وربما أجبر المتعرضون للغارة على الرحيل إلى حيث يأويهم رهط آخر ولو لبعض الوقت! حيث يشعرون بالأمان ولو إلى حين! وكأنهم على هذا الأساس مجرد لاجئين غير سياسيين! وإنما هم لاجئون يبحثون عن المأوى المؤقت لا غير (المشردون الفلسطينيون والسوريون والعراقيون!). وربما طلبوا الانضمام إلى الرهط الذي وفر لهم الملجأ والأمن! يعني أنهم سوف يحصلون على جنسية جديدة! فيذوبون ذوبانا في مجموعة دفعت بهم الضرورة إلى الاندماج فيها ومعها!
ويطول الحديث عن مواجهات دامية بين مختلف القبائل، خاصة “وأن العرب لم يكن لهم نوع من الحكومات! ولا كان لهم قضاء يحتكمون إليه! ولا كانت لهم شرطة، ولا كان لهم جيش يدرأ عنهم الأخطار الخارجية (الإسلام سوف يوفر لهم كل ذلك!). إنما كانت كل قبيلة وعشيرة تؤلف جماعة منفصلة مستقلة تمام الاستقلال”
يعني أنه لا وجود لدولة عربية متحدة، أو لدول عربية مستقلة بالمفهوم السياسي للدولة قبل الإسلام. فسهل تعرض المجتمع العربي القديم لآفات قاتلة، طالما أتت على الأخضر واليابس، فيما يسمى بـ”أيام العرب”. هذه التي تقدم لنا صورا عن كثرة النزاعات بين القبائل بسبب الاختلاف على السيادة. أو التسابق على موارد الماء ومنابت الكلأ. ومن جملة أيام العرب المشهورة “حرب البسوس” التي وقعت قبل الإسلام بين قبيلتي بكر وتغلب. ومن أيامها حرب “داحس والغبراء” التي جرت بين عبس وذبيان. ثم أيام الفجار التي وقعت في الأشهر الحرم بين قبائل من عرب الحجاز. وهذه كانت قبل مبعث النبي صلى الله عليه وسلم بست وعشرين سنة. وقد شهدها النبي وهو ابن أربعة عشر سنة مع أعمامه، وقال: “كنت أنبل على أعمامي يوم الفجار، وأنا ابن أربع عشرة سنة، يعني أناولهم النبل”. وباسفحال آفة العصبية القبلية، شاع المثل السائر “انصر أخاك ظالما أو مظلوما”! وهو مثل لا بد من التساؤل عما إذا كان حاضرا في العلاقات العربية، ونحن نعيش في القرن الواحد والعشرين، جنبا إلى جنب مع الأعلاج الذين سوف نؤكد صراحة، وبأدلة قاطعة، بأنهم في الجملة يعملون بنفس هذا المثل الذي سوف يرفضه ديننا رفضا قاطعا في سياق بنائه لإنسان، علاقاته تقوم على أساس من المساواة والعدل والأخوة والكرامة!
وبما أن الإسلام كدين يستهدف توحيد البشرية بدون ما استثناء يذكر تحت رايته، فإنه قد تصدى لمختلف البواعث التي تعمق التفرقة والتنافر والتباغض. وبما أن النزعة العصبية من معوقات الوحدة والتواصل، فإن محاربتها قد تمت بصرامة كتابا وسنة. قال الله عز وجل: “يا أيها الناس إنا خلقناكم من ذكر وأنثى وجعلناكم شعوبا وقبائل لتعارفوا إن أكرمكم عند الله أتقاكم“.
ومضى رسول الله بوحي من ربه في محاربة العصبية مهما تكن صورها المختلفة. فعند البخاري في باب الإمارة قوله صلى الله عليه وسلم: “من قتل تحت راية عمية يدعو عصبية أو ينصر عصبية، فقتلة جاهلية“! وعند أبي داود قوله: “ليس منا من دعا إلى عصبية، وليس منا من قاتل على عصبية، وليس منا من مات على عصبية“. وعند ابن ماجة في كتاب الفتن، قيل لرسول الله: “أمن العصبية أن يحب الرجل قومه؟ قال: لا. ولكن من العصبية أن يعين الرجل قومه على الظلم” (الدول الخليجية والسيسي)!!! وكيف من يعين غير قومه عليه كحال العروبيين في علاقاتهم المشبوهة مع الأعلاج المتحدين لممارسة الظلم الذي جعلوا من ضعاف الأمم هدفا قارا له؟
فيكون من العصبية، لا شدة ارتباط المرء بمجموعة بشرية فحسب، والاستعداد لفعل أي شيء من أجلها، وإنما هي كذلك تعصب إلى رأي أو إلى مذهب، أو إلى قناعات سياسية وحزبية وسلطوية! عندها يبرز المثل الذي قدمناه قبل الآن، والذي سوف نعيده لمرات: “انصر أخاك ظالما أو مظلوما“! مما يعني أنه مثل لا يزال يمارس، وإن شجبه ديننا وقبحه، واستنكره، ونقده بشدة ممثلا اليوم حتى في العلاقات الدولية وفي العلاقات البينية العربية على وجه التحديد!!!
فعند البخاري عن أنس بن مالك قوله صلى الله عليه وسلم: “انصر أخاك ظالما أو مظلوما“. فقال رجل: يا رسول الله: أنصره إذا كان مظلوما، أفرأيت إذا كان ظالما كيف أنصره؟ قال: “تحجزه أو تمنعه من الظلم، فإن ذلك نصره“! ونتساءل نحن: هل لا يزال هذا الشرح النبوي لنصرة كل من الظالم والمظلوم جار به العمل؟
وعند مسلم في صحيحه عن سفيان بن عيينة أنه سمع عمرو وجابر بن عبد الله يقولان: “كنا مع النبي صلى الله عليه وسلم في غزاة، فكسع رجل من المهاجرين رجلا من الأنصار. فقال له الأنصاري: يا للأنصار! وقال المهاجري: يا للمهاجرين! فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: “ما بال دعوى الجاهلية“؟ قالوا: يا رسول الله: كسع رجل من المهاجرين رجلا من الأنصار. قال: “دعوها (= العصبية) فإنها منتنة“!
أما الواقع التاريخي فيحدثنا كيف أن قيام الإمبراطورية الإسلامية انطلاقا من شبه الجزيرة العربية التي سادت فيها العصبية بكل ما لها من مساوئ، لم تكن سوى نتيجة لثقافة جديدة، كان بمقدورها، وبمقدور المتشبعين بها من تلامذة الرسول، ومن تلامذة تلامذته، إذابة التعصب الأعمى الذي لولا مبادئ الدين الحنيف لما تمكنت مختلف أصقاع المعمور من تجاوز آفاته. غير أن الحنين إلى الماضي القريب والبعيد، لم يتم القضاء عليه بالكلية. ومع ذلك وجدنا التحولات -والإسلام يجري تفعيله- تقدم لنا الثقافة والحضارة اللتين لا يمكن الجزم بأنهما لم تكونا بمثابة إشعاع، امتد نوره من الشرق إلى الغرب على مدى قرون عدة. والتفاصيل معروفة لمن درسوا عطاءات علماء المسلمين وفقهائهم، ومتكلميهم، ومفكريهم، وفلاسفتهم، ومحدثيهم، وشعرائهم، وأطبائهم، وفلكييهم، وكميائييهم، ومهندسيهم المعماريين، إلى آخر ابتكاراتهم المتجسدة في الواقع المادي، وفي الواقع الأدبي والفني والصناعي. فصح أن وحدة الدين التي رست عليها وحدة المسلمين، هي العمود الفقري لمواصلة التماسك والتعاون، حتى وإن ظهرت الدول المستقلة بعد عصر الولاة في كافة جهات الإمبراطورية الشاسعة الأطراف.
وحتى إذا ما أخذ اتجاه الإبداع الشامل لكل الميادين في التراجع تحت تأثير الاستبداد، والفساد الذي جرى ويجري في جسد العقيدة بعد أن كانت سليمة في بداية الأمر! كما يجري نفس الفساد الذي امتد إلى كيفيات التعبد ذاته، لينخر أطرافه كما تنخر السوس العظام، إضافة إلى اجترار معطيات الماضي المشخصة للفتوحات العلمية والمعرفية في شتى الميادين. والتي هي بمثابة نياشين في صدر عالم غلب عليه التواصل بفضل الدين الحق، مما يعني أن الفساد كمرض خطير، أدى بسرعة مذهلة إلى عودة العصبية والانكماش في أحضان التعصب للقبيلة، التي تقلل من فرص العودة إلى التوحيد والاتحاد.
ولم يكن من الاستعماريين المتربصين بالعالمين العربي والإسلامي، غير إعداد العدة لتوجيه ضربات قاسية وقاضية إلى الشرق الذي تزعم لقرون قيادة العالم المتحضر. فكان أن تحقق لهم ما خططوا له، والشعوب التي سوف تبلى بالاحتلال الغاشم غارقة في التخلف والرجعية المقيتة، فكان أن أدرك المحتلون استنادا إلى دراساتهم الميدانية، حقيقة نفسيات قادة مستعمراتهم! وفي الوقت ذاته نفسيات من وقع عليهم اختيارهم كأعوان مستعدين لزرع قيم الغرب الغازي في نفوس إخوانهم في الدين والعروبة.
حتى إذا ما تم تخليهم عن استعمار هذه الدولة أو تلك، تحت ضغط شعوبها وبفعل كفاحها ونضالها وجهادها، ركبوا متن حيل من شأنها أن تبقيهم آمرين وناهين! وإن تم لهم تسليم زمام الأمور إلى من يدعون أنهم باسم شعوبهم يحكمون! فإذا بالأيام تثبت إبقاءهم في الحكم على الاستبداد الذي مارسه الاستعمار بكافة أشكاله وألوانه! وكأن أمر الاستقلال والحرية، لم يكن سوى تسليم رقاب الشعوب المستعمرة إلى محتلين جدد بوجوه محلية ووطنية! فاستمرأ بعضهم منع تأسيس أي حزب ما عدا الحزب الحاكم! واستمرأ بعضهم السماح بوجود أحزاب ذيلية وأخرى معارضة متحكم فيها! لكن هذه الأخيرة لم تجد طريقها إلى ممارسة العمل السلطوي بالتناوب مع خصومها الأيديولوجيين. فكان أن اكتفت بالكلام والخطب الرنانة التي تدغدغ عواطف الجماهير، جنبا إلى جنب مع الخطب الرسمية التي تعد مرة، وتتوعد أخرى.
وكان أن تـذمرت الشعوب، وكان أن مارست استنكار ما يجري في السر والعلن. وكان أن خرجت في مظاهرات ضخمة. وكان أن تعرض المشاركون فيها إلى قمع وحشي طالما أدى إلى القتل والجرح واعتقال الكثيرين. أما من هم وراء تنظيمها والدعوة إليها من منظري اليسار بالذات، فمصيرهم الاعتقال والتعذيب والمحاكمة في أحسن الأحوال، أو الزج بهم في دهاليز مظلمة بدون ما محاكمة، بل حتى دون أن يعرف ذووهم وأصدقاؤهم في النضال مصيرهم الذي انتهى إليه اعتقالهم أو اختطافهم!
وكان أن تواجهت القناعات السياسية المتباينة أو الأيديولوجيات المختلفة. هذه التي أضحت بمثابة محور العصبيات التي قام ديننا على أنقاضها، وفي الوقت ذاته على أنقاض شعارها المتقاطع مع أية أخلاق إنسانية تحترم نفسها “انصر أخاك ظالما أو مظلوما“؟ فكان لا بد من ظهور خصوم الاستبداد أو الدكتاتورية. إنهم لم يقتصروا في تبني فكرة النضال العلني على العمل داخل أحزاب قانونية معترف بها، وإنما كذلك داخل منظمات سرية تسعى إلى قلب الأنظمة بالقوة. وقد يحدث أن تتآمر هذه المنظمات مع ضباط عسكريين لتزعم الثورة ضد الدكتاتور الحاكم بأمره، بحيث استمر هذا النوع من مواجهة الحكام طيلة قيام مسمى الحرب الباردة. فكان التسابق بين قادة دولنا العربية إلى حيازة رضى إحدى القوتين العظمتين! أما مطالب شعوبهم من حرية وكرامة وديمقراطية وأخوة وعدالة ومساواة (وكلها من صميم الدين)، فإلى حين إشعار آخر! مما جعل من الوحدة العربية ظاهريا كنوع من العصبية المقيتة، مجرد شعار ينضاف إلى مسمى جبهات الصمود والتصدي! هذه التي سوف تطفو على السطح السياسي كالفقاقيع التي سوف تختفي على حين غرة! وهي جبهات تدعي معانقة التقدمية والثورية ورفض الانحناء أمام الإملاءات الإمبريالية!
مما يفيد بأن هناك قبيلتين كبيرتين بينهما صراع يقوم على أساس سياسي لا على أساس عنصري أو لغوي وطيني وتاريخي مشترك! معززا بسيادة “انصر أخاك ظالما أو مظلوما“. وهذه المقولة الممثلة لمرحلة ما من مراحل الجاهلية، جرى ويجري اليوم تفعيلها، لا على مستوى الشعوب، وإنما على مستوى الحكام. فالمرتمون في أحضان الاتحاد السوفياتي، معادون للمرتمين في أحضان الولايات المتحدة الأمريكية وحلفائها الغربيين، مما يعني أن شعار القومية الذي يرفعه الطرفان مجرد جعجعة بلا طحن! ومما يعني أن الغيرة على العروبة -حتى إن صحت النوايا لدى البعض- فإنما ترفع من منظور الانتماء الأيديولوجي الدخيل.
ويظهر لكل ملاحظ سياسي متزن موضوعي، ولكل ذي إحساس مرهف بالتاريخ الذي كان يصنع أمامنا ولا يزال! يظهر لهما جليا ما يحمله هذا التاريخ من السلبيات التي هي أضعاف وأضعاف ما يحمله من الإيجابيات! فكل من يرفع احتجاجاته في وجه هذا النظام أو ذاك، ما عليه سوى انتظار ما يمكن أن يلحقه من أذى أخطره التعرض للاغتيال المفاجئ؟ والاغتيالات بالنسبة للدين وللقوانين التي تحترم نفسها ظلم (= قتل نفس بغير حق). فيكون من واجب قادة الدول العربية التداول في موضوع يقضي بوجوب توفير فضاءات الرأي والرأي الآخر لكافة المواطنين؟ غير أننا وجدنا كل قائد من قادتنا يمارس التشريع بنفسه ولنفسه، وبمساعدة جلاوزته لمواجهة خصوم نظامه بالكيفية التي تحلو له! إذ المهم عنده أن يظل حاكما بلا حسيب وبلا رقيب! حتى الدساتير التي يمنحها القادة العرب لشعوبهم، لا تنص في أي بند من بنودها على متابعتهم قانونيا إن هم ظلموا! وإن هم سرقوا! وإن هم ملكوا آلاف الهكتارات بطرق غير مشروعة! وإن هم كدسوا ملايير الدولارات التي تعود في الواقع إلى مقدرات شعوبهم المقهورة!
فكان أن ضاعت القضايا العربية الكبرى في مهب رياح التعصب الأعمى! وكان أن شاع اعتماد شعار نصرة الظلمة! بينما غاب اعتماد شعار نصرة المظلومين! وانطفأت حماسة استعادة ثاني القبلتين وثالث الحرمين! وتركت للصهاينة حرية إتيان مختلف الفعال الشنيعة على الأرض وعلى الإنسان الفلسطينيين! وزاد الطين بلة ما جاء إثر توقيع اتفاقية مخيم داود المشهورة بين مصر والكيان الصهيوني! بل زاد الطين بلة إعادة مصر إلى الصف العربي بعد جرم السادات لتمثل هذه الإعادة عند الأحرار المستقلين، قبولا علنيا بجرم الدكتاتور المصري المشار إليه! ثم زاد الطين بلة كون الفلسطينيين “تفرقوا شذر مذر”! أو تفرقوا كما يقال “أيادي سبأ”! فسرى عليهم ما سرى على الأنظمة الحاكمة، وما سرى على الأحزاب داخل هذه الأنظمة! عداء وحقد وكراهية وبغض! حيث إن كل فريق من فرقهم في حضن نظام بعينه يجد الحنان والعون على حد زعمه! والصهاينة المحتلون للأرض يلعبون على وتر التباغض بين الأنظمة والأحزاب العربية! فهزموا جيوش الأنظمة الخائنة لشعوبها في أكثر من معركة! ولم يجد التقدميون أو الثوريون بنظامهم الدكتاتوري فائدة في الانتماء إلى حكام الكرملين! ولا وجد الرجعيون المستندون إلى الاستبداد الغاشم فائدة في الانتماء إلى حكام البيت الأبيض! لم يجد هؤلاء ولا أولئك من يعينهم فعليا على استعادة أرض فلسطين الحبيبة! فـ”ملة الكفر واحدة” كما قال عمر بن الخطاب منذ قرون!
فلا الاقتصاد العربي توحد! ولا السياسة العربية أصبحت واحدة! ولا تفعيل اتفاقية الدفاع المشترك خرجت إلى الوجود من رفوف الجامعة العربية! حتى ولو أنها حية ترزق إلى الآن، إنما بدون روح! وبدون ما تطبيق لما تحويه كعقد أو كمعاهدة مشتركة! ولا منهجا موحدا لتحرير فلسطين من مغتصبيها تم الاتفاق عليه! ولا الشعوب عاشت في أكناف الأمن والأمان، مكتفية بخيرات بلدانها التي يتقدمها الذهب الأسود! هذا الذي عرف طريقه إلى الغرب لتنمية اقتصاده وتحريك عجلات مختلف صناعاته! والأرباح أو الفوائد تصب صبا في الحسابات البنكية للقادة المتعاونين مع الغرب! والمعادين لشعوبهم التي ينخر الفقر والاحتياج أجسادها ونفوسها وقلوبها!
وعندما تأكد لدعاة الإسلام كون العلمانيين الحاكمين في الرقاب، لم يتجهوا ببلدانهم إلا إلى الهاوية في شتى الميادين، عبروا عن استياء الشعوب من الواقع المرير. فأخذت جبهات المعارضة الإسلامية في الاتساع. فكان أن انتهى الأمر ببعضها إلى حمل السلاح في وجه خصوم الدين وخصوم الشعوب على أرض الواقع. والذين تمثلوا في الحكام المتعصبين للعلمانية بوجهيها: الليبرالي والاشتراكي! فقد حملهم ما تعصبوا له على نعت الإسلام بالفكر الظلامي! فنصبوا أعواد المشانق كما يقال للمجاهدين الأفذاذ! وفعلت فيهم الأنظمة الدكتاتورية المصرية فعل الحقودين على الدين فعلتها النكراء! وتم وضع العلماء تحت الرقابة المشددة في كل البلدان العربية لإحصاء الأنفاس! وكم الأفواه! وضمان الولاء والطاعة العمياء! حتى الإفتاء اقتصر على من توفر لهم الدولة عطاءات ومكافئات! والحال أن الإفتاء يدخل في إطار ممارسة حرية التفكير، أو حرية الرأي!
ولم يقف الأمر عند حدّ التحالف مع الغرب لمواجهة مسمى الفكر الظلامي الديني المتمثل في الإرهابيين، وإنما استعد الحكام لتقديم متطلبات الحملات العسكرية الطاحنة للقضاء على الإرهابيين أينما حلوا وارتحلوا! تمثلوا في المعارضة اليسارية! أو في المنظمات المارقة! أو تمثلوا في المعارضة الإسلامية! وما يقدمه الحكام العرب للقتلة الغربيين الناقمين على الإسلام والمسلمين، لم يكن سوى أرزاق الجماهير التي حرمت منها بفعل القوة الغاشمة لحكامها المستبدين! إذ لما كان الواقع السياسي المعاصر للمعارضة العلمانية عامة، وللمعارضة الإسلامية خاصة، يقتضي البحث -كما قلنا- عن أعراض المرض، فإذا بعقلاء العالم المتنطعين يبحثون فقط عن كيفية القضاء على الإرهاب على حد ما يزعمون، دون أن يدخلوا في اعتباراتهم ما يعرف بالإرهاب الرسمي الذي يمارسه قادة العالم هؤلاء بدون ما استثناء!
فليتم البحث إذن عن الأعراض، وبعدها يتم اللجوء إلى البحث عن الدواء والمعالجة! أما أن يشاهد قادة العالم، وقادة العرب تحديدا مقتل مئات المواطنين الفلسطينيين! وجرح آلاف منهم بأسلحة مسمومة وببرودة دم المجرمين الصهاينة السفاحين! فضلا عن تدمير آلاف المساكن على رؤوس ساكنيها! إضافة إلى تدمير المساجد والمستشفيات والمعامل والمدارس! فتعبير عن نوع من جاهلية الألفية الثالثة! هذه التي يصفق فيها الأعراب للهجمة الشرسة الواقعة على ثلة من الشعب الذي لم يقدم سوى عز للعروبيين المتخاذلين العائدين إلى الوراء بقرون، جنبا إلى جنب مع الإمبريالية العالمية لمعانقة مبدأ الجاهلية القائل: “انصر أخاك ظالما أو مظلوما“! بحيث يكون الصهاينة وأعوانهم على الظلم في زمننا إخوة بعض العربان، هؤلاء الذين لا يخفون رغبتهم في بقاء إسرائيل دولة لها كامل السيادة والقوة التي لا تستطيع أنظمة المنطقة كلها مجتمعة قهرها بأية وسيلة ممكنة!!! ولو أن فئة صغيرة من مجاهدي فلسطين قهرتها كأعتى دولة مسلحة بين جيرانها في الشرق الأوسط! ولم لا والله عز وجل يقول: “إن يكن منكم عشرون صابرون يغلبوا مائتين. وإن تكن منكم مائة يغلبوا ألفا من الذين كفروا بأنهم قوم لا يفقهون“! والذين كفروا معروفون! ولن نتهم بالمبالغة إن نحن قلنا بأنهم تحالفوا مع من نعدهم من بني جلدتنا! “ولله الأمر من قبل ومن بعد ويومئذ يفرح المؤمنون بنصر الله“!!!