الغزو الفكري لشباب المسلمين: الأساليب وسبل التحصين منه (2) الأنترنت وشبكات التواصل الاجتماعي
هوية بريس – د. محمد ويلالي
تناولنا -في الجزء الأول من هذا الموضوع- ما يتعرض له شباب المسلمين هذه الأيام من حملة ممنهجة مقصودة، للتشويش على أفكارهم، ومعتقدتهم، وأخلاقهم، عبر المسار المادي الذي رصدوا له أموالا باهظة لتنفيذ مخططاتهم، والمسار التربوي الذي يدبره خبراء في علم النفس، وعلم الاجتماع، معتمدين أساليب ذكية، تشعل في شبابنا فتيل الشبهات، عن طريق الطعن في القرآن الكريم، والعمل على توهين قداسته في قلوبهم، وتذكي في نفوسهم نار الشهوات، بالتحريض على الفواحش، وتزيين اقتراف الخبائث. كل ذلك حسدا من عند أنفسهم، وتحقيقا للتبعية لهم. (وَدُّوا لَوْ تَكْفُرُونَ كَمَا كَفَرُوا فَتَكُونُونَ سَوَاءً).
ومن أخطر الوسائل التي يترصدها أعداء المسلمين، ويرون نجاعتها في إفساد شبابنا، وعظيمَ أثرها في زيغهم عند دينهم، وتمردهم على مقدساتهم: الشبكية (الأنترنت)، التي دوخت العالم، وشغلت الناس عن دينهم، وألهتهم عن تلمس مصالحهم، وأذهلتهم عما فيه خيرهم. ولا أدل على ذلك من الهواتف المحمولة، التي غزت عقول الناس، واستولت على لبهم، وأخذت بمجامع عقولهم وقلوبهم.
وإليكم هذه الحقائقَ الخطيرة جدا، التي تنم عن غزو حقيقي، له من التأثير على النفوس، والاستيلاء على القلوب، ما ينذر بكوارث أخلاقية فظيعة، يصعب وقف نزيفها، والحد من خطورتها، جمعتها من أهم المصادر والدراسات المعتمدة.
تشير آخر إحصائية دولية، أن عدد مستخدمي الأنترنت ـ اليوم ـ يقترب من أربعة ملايير ونصف، 80% منهم من الشباب في 104 بلد. في كل 11 ثانية، يدخل شخص جديد حول العالم إلى هذه الشبكة العالمية، أي: مليون شخص يومياً يتعرف عليها لأول مرة في حياته، ما يجعل 91 بلدا يزيد فيه عدد السكان الذين يستعملون الأنترنت على 50%. ويبلغ معدل انتشار الأنترنت في الشرق الأوسط نسبة 60% من السكان، حيث يلتحق هناك 19 مليون مستخدم جديد سنوياً.
وفي المغرب، يقدر عدد مستخدمي الأنترنت بـ 18.5 مليون خلال سنة 2016، أي بنسبة 58.3% من الساكنة. وتصل النسبة في العالم القروي 44.4%.
وتشير الدراسات، إلى أن63.1 % من مستعملي الأنترنت في العالم من الرجال، مقابل 53.5% من النساء، يتداولون أكثر من 1.24 مليار موقع في جميع أنحاء العالم.
ويملك 5.2 مليار من الناس هواتف محمولة. وسيبلغ العدد 5.6 مليار بحلول عام 2019، وهي أعداد أذهلت مصنعي هذه الهواتف، الذين لم يكونوا يتوقعون انتشارها بهذه السرعة.
ويزور المستعملون المواقع ذات الطابع الدولي بنسبة 47.2%، في حين تبلغ زيارتهم للمواقع ذات الصبغة الوطنية 52.8%. وتشكل الشبكات الاجتماعية، والأخبار، ومواقع الألعاب، والترفيه والرياضة، المحتويات المفضلة لدى المستعملين بنسب قد تصل إلى 80.7%.
غير أن المذهل حقا، وجود أزيد من 3.2 مليار شخص يستخدمون شبكات التواصل الاجتماعي، 3 ملايير منهم -تقريبا- يستخدمونها عبر الهواتف المحمولة. وفي كل يوم يستخدم هذه الشبكات 1.5 مليون شخص لأول مرة، أي: بمعدل 18 شخص كل ثانية.
ولقد استغل أعداء المسلمين هذا الاعتناء المذهل بهذه الشبكات، فراحوا ينظمون حملات الغزو الأخلاقي الموجهة للمسلمين، ويتفننون في صنع البرامج الجذابة، والصور المغرية، التي لا تكاد تفارق المستعمل حتى تحدث في نفسه من الهزات الأخلاقية ما يفسد دينه، ويعكر خلقه، ويمرض نفسه وعقله.
فقد ثبت أن معظم المواد الرائجة، كاذبة مغرضة، حتى إن أزيد من 90% من مستخدمي أحد المواقع الاجتماعية المشهورة جدا، يتفاعلون مع الأخبار المزيفة، ومنهم من يصدقها، وقد تجني على حياتهم، وتدمر علاقاتهم، مع ما فيها من تشهير بالأبرياء، واتهام للمحصنات الغافلات، وعقد للصفقات المزيفة، ونشر للأفكار المتطرفة، وعرض للصور الفاضحة، والأشرطة الخليعة. فهي موطن الأوهام والأكاذيب، إذ معظم ما فيها مبني على المجاملة، والنفاق، والتصنع، مما كان له ـ مع الأسف ـ أثر بليغ على الرجال والنساء، والكبير والصغير، مما يصلى ناره الغربيون أنفسهم. فقد أثبتت دراسة أجراها أحد المواقع العالمية، أن موقعا مشهورا للتواصل الاجتماعي، تسبب ـ وحده ـ في ثلث حالات الطلاق في إحدى الدول الغربية عام 2011م.
ويبقى الخطر الداهم، متجسدا في المواقع الإباحية التي تجندت لها دهاقنة هذه الأنترنت، لزرع فتنة الشهوات في قلوب المستخدمين، ويعنينا -هنا- المسلمين منهم، الذين كانت حصتهم في التأثر قوية، وكانت الجرعة المقدمة لهم صادمة.
ففي إحدى الإحصائيات الراصدة لعدد المشاهدين للأفلام الإباحية على مدار 10 سنوات، من عام2007 إلى 2017، أسفر أحد المواقع الإباحية المشهورة، عن أن عدد الزائرين له كان قرابة 28.5 مليار زيارة، بزيادة 5 ملايير ونصف زيارة عن عام 2016 وحده. 81 مليون شخص يزور الموقع في اليوم الواحد، حيث تم رفع أكثر من 4 مليارات من الفيديوهات فقط عام 2017، بحيث لو استمر شخص واحد في مشاهدتها ليل نهار بدون انقطاع، لاحتاج إلى أزيد من 68 عاما.
وتبين أن 29% من زوار هذا الموقع، أعمارهم تتراوح بين 18 و24 سنة، و32% تقع أعمارهم بين 25 إلى 34 عامًا، وأن 67% من إجمالي الزيارات للموقع كانت من أجهزة الهاتف المحمول. وأكثر الكلمات بحثًا بينهم هي الأفلام الجنسية.
وبلغت قيمة صناعة الأفلام الإباحية ـ عبر العالم ـ في سنة 2015 أكثر من 98 مليار دولار، 10 مليارات منها مصدرها دولة واحدة تزعم أنها متحضرة، وهي تصدر للعالم ألوانا من الأمراض النفسية الفتاكة، وفنونا من الأزمات الأسرية المهلكة. (إِنَّ الَّذِينَ يُحِبُّونَ أَنْ تَشِيعَ الْفَاحِشَةُ فِي الَّذِينَ آَمَنُوا لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ فِي الدُّنْيَا وَالْآَخِرَةِ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ).
وحتى نتعرف الآثار السلبية لسوء استخدام الشبكية (الأنترنت)، ندع الأرقام ـ مرة أحرى ـ تفصح عن المخاطر المحدقة بأبنائنا وبناتنا، مما قد لا يُلقي له بعض الآباء والأمهات بالا.
ـ 35٪ من المواد التي يتم تحميلها عبر الأنترنت، ذاتُ صلة بالإباحية.
ـ يتعرض 34٪ من مستخدمي الأنترنت إلى الإباحية غير المرغوب فيها، عبر الإعلانات، والنوافذ التي تهجم عليهم من غير استئذان.
ـ تسببت الإباحية الإلكترونية في زيادة الخيانة الزوجية بنسبة 300٪.
ـ في عام 2016 وحده، تمت مشاهدة ما يزيد عن 4.5 مليار ساعة من الأفلام الإباحية على أكبر موقع إباحي في العالم.
ـ يبحث 64% من الشباب الذين تتراوح أعمارهم بين 13 و 24 عاما عن نشاط عن المواد الإباحية أسبوعيا.
ـ تبحث الفتيات المراهقات عن الإباحية أكثر من النساء البالغات من العمر 25 سنة فما فوق. ومنهن من تنساق وراء الأراجيف والوعود الكاذبة، فيصل بها الأمر إلى أن تظهر مفاتنها أمام المتصلين المتحايلين، الذي لا غرض لهم سوى الإيقاع بالبنات، ونبينا صلى الله عليه وسلم يحذر ويقول: “وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ، مَا مِنِ امْرَأَةٍ تَضَعُ ثِيَابَهَا فِي غَيْرِ بَيْتِ أَحَدٍ مِنْ أُمَّهَاتِهَا، إِلاَّ وَهِيَ هَاتِكَةٌ كُلَّ سِتْرٍ بَيْنَهَا وَبَيْنَ الرَّحْمَنِ” صحيح الترغيب.
ـ تم العثور على أكثر من 624 ألف تاجر لإباحية الأطفال على الأنترنت في بلد غربي واحد، يتبجح بالحرية الشخصية، والانفتاح المطلق.
ـ استهلاك المواد الإباحية على الصعيد الدولي، يرتبط ارتباطا وثيقا بزيادة الاعتداءات اللفظية والجسدية بين الذكور والإناث على السواء.
هذا وغيره أدى ببعض البلدان التي أحست هذا الخطر الداهم على الأطفال والشباب أن تتخذ بعض الإجراءات الجزئية، التي تعتقد أنها قد تحد من تفاقم المشكلة.
فقد حددت الحكومة البريطانية قواعد ستطبق أواخر هذه السنة 2018 تفرض على متابعي المواقع الإباحية إثبات أن أعمارهم تتجاوز 18 عاما.
وفي روسيا، صارت زيارة المواقع الإباحية باستخدام جواز السفر.
واقترح بعضهم الدخول برقم البطاقة القومية.
أيها الآباء والأمهات، راقبوا أبناءكم وبناتكم، وجههوهم إلى الطريقة الأمثل لاستثمار الشبكية في جوانبها الإيجابية، وحذروهم من مساوئها ومغباتها، فالأبناء على خطى آبائهم.
ويَنشأُ ناشِئُ الفتيانِ مِنّا * عَلَى مَا كَــانَ عَوّدَهُ أبُــوهُ