الهجرة السرية.. معاناة وآلام
هوية بريس – إلياس طلحة
بينما أستمع صباح اليوم فاتح يوليوز لبرنامج رياضي بإذاعة MFM كان الحديث عن بطلين مغربيين في رياضة التايكواندو وعندما سئلا عن امتناعهما عن العودة إلى المغرب كانا ردهما أن الطريقة الوحيدة لتحقيق أحلامهما هو البقاء هنا، ففي المغرب تدفع المال من أجل التدرب وهنا هم من يدفعون لك مقابل التداريب والمباريات.
هذا و قبل شهر من اليوم انتشر مقطع فيديو لشاب مهاجر إفريقي على مواقع التواصل الاجتماعي، حيث اعتبر الشاب بطلا حقيقيا حين أنقذ طفلا صغيرا يبلغ من العمر أربع سنوات فقط، ولم يتأخر الرد من السلطات اذ استدعى الرئيس الفرنسي الشاب المهاجر ومنحه إلى جانب الجنسية الفرنسية عملا في المطافئ، هذا باختصار ما يسمى الاعتراف بالجميل واستثمار المواهب.
فهذه حكايات من بين كم هائل من الحكايات لعدد من المهاجرين بغض النظر عن أصولهم أو دوافعهم التي أدت بهم إلى رمي أنفسهم في البحار أملا في الوصول إلى الضفة الأخرى.
إن موضوع الهجرة ليس وليد الساعة أو اليوم والأمس، فقد اعتدنا سماع قصص المهاجرين الذين نجحوا في الوصول إلى القارة العجوز، منهم من حقق أحلامه ومنهم من يدعي ذلك ومنهم من لا زال هائما على وجهه هناك يطلب الجنسية ومنهم من لم يبلغ أبدا اليابسة…
والمغرب كغيره من دول القارة السمراء، وبين مدنه وقراه انكبت فئة الشباب منذ عقود على تجاوز هذه الضفة إلى الضفة الأخرى، قبل عقدين من الزمن عهدنا سماع أخبار من بلغ تلك البلاد؛ بلاد الأحلام والحقوق والأموال، كما شهدنا بالملموس عودة هؤلاء بسياراتهم الفارهة والتي تحمل لوحة أرقام دول الاتحاد الأوربي، ورأينا كذلك حالهم التي انقلبت ودورهم التي أصلحت وهنداهم الذي استحال أنيقا وبماركات عالمية، ربما لهذا سال لعاب الكثيرين وتأكدوا أن الحل الوحيد هو الهجرة.
إلا أن الغريب الذي نسجله اليوم هو موضة جديدة في الهجرة الخارجية -حيث لا فائدة من الداخلية- وهي هجرة شبان لا يكاد يبلغ أكبرهم العشرين ربيعا. لن نقول إنهم يهاجرون يوميا بل إننا لن نبالغ إن قلنا إنهم يهاجرون في كل ساعة، والأدهى هو نقلهم المباشر لرحلتهم عبر العباب غير آبهين بالقارب المطاطي الممتلئ عن آخره أو بالأمواج القوية التي يتناثر رذاذها على وجوههم.
كما تجذبنا أصوات ضحكاتهم وصرخات النصر والفرح. هؤلاء الصغار يدركون جيدا مقصدهم وهدفهم، فغير خفي جوابهم حين تسألهم: لماذا تريد الهجرة وأنت لم تبلغ حتى الثامن عشرة سنة؟ يشير بيده ساخطا ويجيب:”ما بقا ما يدار فهاد البلاد السعيدة… ويردف قائلا شنو عمل فيها با وخاي مساكن ” فهل تستطيع مناقشته؟
تنتهي المخاطرة ويصل المهاجرون ب”سلام وأمان” لتبدأ أسئلة أخرى في الظهور؛ هم يتساءلون عن السبيل إلى الحصول على عمل وإقامة وبعدها على أوراق الجنسية، ونحن نتساءل عن أشياء أخرى: كيف سيعيش هؤلاء اليافعون في ظل ديانة أخرى وتقاليد أخرى ولغة مختلفة؟ كيف سيواجه هؤلاء مغريات الحياة الغربية وكيف سيتعاطون مع الحرية؟
بل تتبادر أسئلة أخرى: كيف ستكون حال أمهاتهم وذويهم وهم بعيدون عنهم؟ علما أن أغلب العائلات لا زالت تسدد أقساط ثمن ركوبهم القارب المطاطي؟ فهل حقا لا زالت تلك البلدان تساعد المهاجرين أو ترحب بهم في خضم هذه الأزمة الاقتصادية التي يعيشها الاتحاد الأوربي؟ وإن كنا لا نجرأ على اتهام المهاجرين بالتسرع أو…
أسباب كثيرة ودوافع عدة أدت بهم إلى المغامرة وها هم أولاء في أرض الأحلام فأين ستكون الانطلاقة؟
بكل بساطة لا نستطيع اتهامهم أو لومهم لهربهم من بلد لم يتمكن من احتضان أولاده وتوفير فرص للشغل، فقد اختاروا تسطير حياة جديدة وربما اسم جديد في بلد جديد، فحتى لو جار عليك البلد الجديد لن يكون جوره أشد مرارة من بلدك الأم، سيكون العزاء أن الجور والعنصرية مصدرهما بلد غريب وأناس غرباء وسيكونان متقبلين مقارنة بجور وعنصرية أبناء بلدك وفي أرضك ووطنك.
لا يسعنا اللحظة سوى أن نتأسف على هؤلاء الصغار لعدة أسباب لعل أولها أنهم منا وثانيها أنهم سيتأثرون بشكل أو بآخر بتقاليد وديانة تلك الأرض وثالثها وهو الذي يحز في النفس أن مواهبهم ستستثمر وسيستفيد منها بلد آخر وليس ببعيد أن نرى ميلاد أبطال كان من الممكن أن يحملوا اسم وطننا.
وفي النهاية أريد أن أختم هذه الأسطر المتواضعة بمشاركتكم إخواني الأعزاء لقصة وقفت عليها هذا الأسبوع شخصيا كلها معاناة وألم حيث قدر الله لي السفر مع مجموعة من الإخوان والأخوات فإذا بامرأة تعلو الصفرة وجهها وتذرف الدموع لأن ابنها الصغير هاجر وهي تنتظر اتصاله وهاتفه مغلق خارج التغطية وما بيدها أية حيلة
فوا أسفا على أم تحترق على فلذة كبدها ويا أسفا أيضا على وطن يقدم فلذات كبده قربانا للمجهول