عبد الله بها الأخ العزيز والحكيم المرشد
د. محمد بولوز
هوية بريس – الأربعاء 10 دجنبر 2014
لا تعجبوا يا سادة مما ترون وما تسمعون من حال أهل مشروع المساهمة في إقامة الدين وأداء رسالة الإصلاح مع وفاة عبد الله بها، ممن يعملون في حركة التوحيد والإصلاح وحزب العدالة والتنمية وغيرهما مما يدور في فلك المشروع، فنحن وإن لم نحسب على أهل التصوف وليس عندنا مفهوم الشيخ ولا نقول بعصمة أحد بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم ولا نقدس الأشخاص، فعندنا أخوة عميقة وعلاقة حميمية صادقة وتقدير معتبر ومقدر وخصوصا للكبار ممن أسدوا حسنة التأسيس والبناء، وساهموا في صرح كياننا الدعوي والتربوي ومشروعنا الحضاري ومنهجنا الإصلاحي وبذلوا جهودا مضنية في تصحيح المسار وتقويم الاعوجاج وتقوية لحمة البناء..
ومن هؤلاء الرجال الكبار عبد الله بها، والذي أراه كالجبل، وبالضبط كجبل الجليد لا ترى منه إلا ما يظهر، وكل إخواننا أحبوه بمقدار ما ظهر لهم، ولعل هيام أخي بنكيران بعبد الله بها جاءه من حجم ما رأى من ذلك الجبل، فكان أكثرنا إشادة به وتعلقا بصحبته ورفقته وإدراكا لقيمته حتى أحدث له منصبا كبيرا في الدولة أو اقترحه ليبقى بجواره ويتمتع بمشورته لما لم يسعفه لقب النيابة كما أسعفه في الأمانة العامة لحزب العدالة والتنمية، وهو مدرك أنه سينفع الوطن ويفيد المشروع بما لا يقاس بمنصب أو مال، ولهذا كان شعوره بالخسارة أكبر..
فحدث موت عبد الله بها حدث جلل وخطب كبير وعلى مثله يكون الحزن وتسكب العبرات وتضبط العبارات حتى لا نقول إلا ما يرضي الرب، فاللهم إنه عبدك بن عبدك ابن أمتك ناصيته بيدك عدل فيه قضاؤك، اللهم إن كان محسنا فزد في إحسانه وإن كان مسيئا فتجاوز عن سيئاته، اللهم لا تفتنا بعده ولا تحرمنا أجره واغفر لنا وله، ونزيد: اللهم إننا لا نعلم عنه إلا خيرا ورجاؤنا فيك أن تشفع فيه رسولك الأمين وهذه الجماهير من المومنين الصالحين ممن أحبوه لما ساهم في توجيههم وإرشادهم، ولما بذله في خدمته دينه ووطنه وعموم أمته، وأن ترحمه رحمة واسعة عريضة وتجعل مقامه عاليا مع النبيين والصديقين والشهداء والصالحين ولا تحرمنا من كل ذلك يا رب العالمين،
فعبد الله بها عندنا أو عندي على الأقل كما عاشرته وخبرته من عقود: جبل شامخ وطود عظيم وركيزة المشروع وجوهرة نفيسة ورجل شهم وصامت ناطق وحكيم زمانه تتجسد فيه عبارات الحوار والتوافق والرزانة والتريث والثبات والهدوء والوسطية والاعتدال والتواضع والعدل وصفة الصلاح والإصلاح، وقل ما شئت من شيم الخير مع نسبية الزمان وضعف الإنسان وأخطاء البشر فهو عندي من التابعين بإحسان ممن يأتون بعد الجيل المفضل من الصحابة والتابعين وتابعي التابعين، حيث نقول وتابعيهم بإحسان، ودائما بما يظهر لنا من غير غلو أو شطط.
من أعزي في وفاة الفقيد؟
هل أعزي الحركة الإسلامية وحركة التوحيد والإصلاح وهو الرائد فيها والموجه والحكيم وأحد المؤسسين الكبار وهو لم يفارق مكتبها التنفيذي منذ كان؟
وهل أعزي حزب العدالة والتنمية وهو الذي لم يفارق أمانتها العامة من يوم أن تأسس الحزب في نسخته الأخيرة، وهو نائب أمينها العام من زمن غير يسير؟
وهل أعزي مجلس النواب وقد شغل منصب نائب رئيسه وكان رئيس فريق العدالة والتنمية بمجلس النواب لفترة، وكان رئيس لجنة العدل والتشريع وحقوق الإنسان لفترة أخرى؟
أم أعزي الحكومة وقد كان وزير الدولة فيها، أم أعزي دائرة الرباط شالة وقد كان نائبها البرلماني ما بين (2002-2011) أم أعزي المهندسين الذين ينتسب إليهم بفعل التكوين والوظيفة التي كان يشغلها؟
أم أعزي أسرته الصغيرة المكلومة بفقده المفاجئ وأعزي ابنه الألمعي أمين باها صاحب المسحة التربوية التي لا تخطئها العين والذي كان يصبرنا في مجلس العزاء عوض أن نكون نحن المصبرين؟
أم أعزي إخواننا في الإعلام وقد شغل منصب رئيس تحرير سابق لجريدتي «الإصلاح» و«الراية»، وكان مدققا في السابق لما ينشر في جريدة «التجديد» وخصوصا في المواقف والافتتاحيات ونحوها.
أم أعزي الوطن كله وقد كان من رجاله العظام ومن مهندسي شعار الإصلاح في ظل الاستقرار؟
أم تراني أعزي كل هؤلاء وقبل ذلك أعزي نفسي في فقد أخ عزيز وحكيم مرشد، أصابني من الذهول منذ سمعت بوفاته ما الله به عليم وسالت دموعي بما لم تسل به حتى على والدي رحمه الله وأسكنه فسيح جنانه، فحسبي الله ونعم الوكيل وإنا لله وإنا لله وإنا إليه راجعون.
أيتام مشروع إقامة الدين وإصلاح المجتمع
كل واحد له أب بيولوجي كان سببا في خلقه ووجوده، وآخرون لهم آباء إضافيون كانوا سببا في ولادتهم الفكرية والدعوية والتربوية والحركية ونحوها، وقد يكون فقد أحد هؤلاء أشد على النفس من فقد الآباء الطبيعيين، وعبد الله بها أحد هؤلاء الآباء ولا دخل للسن هنا، وفقده خلف أيتاما بحاجة إلى تثبيت ومواساة وصمود واستمرار، فمهما كانت السيناريوهات فلا يفت ذلك في أبناء المشروع، فللمسلمين سابقة في التاريخ حيث فقدوا رسول الله صلى عليه وسلم، ولا أعظم من مصيبة فقده، فاستمرت الدعوة والبناء والفتوح والحضارة وفتحت القسطنطينية والعين على رومية بأشكال جديدة من الفتوح.
وحتى في أسوإ الاحتمالات التي لا نتمناها أبدا لبلادنا ولا يتمناها كل عاقل في هذا الوطن، بأن تكون يد الغدر قد نالت من أخينا عبد الله بها، فمخطئ من يعتقد أو يظن لحظة واحدة أنه سيوقف قطار الإصلاح بلعبة القطار، فالمشروع بلغ نضجه ورشده ولا يُتْمَ بعد احتلام، وإن لم يكف الواهمون واحدا منا أعطيناهم عشرة ومائة وألفا..، وقد كان في رابعة أكثر من ستة آلاف ولم يوقف ذلك أبدا مشروع أهل الإصلاح في مصر فهو مستمر وسيستمر أكثر عنفوانا وقوة، فعبد الله بها كان نكرة عند المغاربة من غير أبناء الحركة والحزب ثم عرف قليلا في الحكومة والآن هو ملء سمع وبصر المغاربة، يبكيه الرجال والنساء والشيوخ، ويبحث الشباب عن محاضراته وتوجيهات وكتاباته القليلة وأفكاره المبثوثة هنا وهناك ليحيوها من جديد، وكذلك شأن الكلمات النيرة الصادقة تظل جامدة هامدة كما قال صاحب الظلال حتى إذا مات أصحابها من أجلها انتفضت حية ولودا تؤتي أكلها بإذن ربها تزرع الأمل وتحق الحق وتزهق الباطل وتجرف أهله.
فامضوا إخواني أخواتي على درب إصلاح أنفسنا والمساهمة والتعاون والتشارك في إصلاح غيرنا وإصلاح مؤسساتنا وحمل هم قضايا أمتنا، واحيوا على التوحيد والسنة والطاعة واحذروا الشرك والبدع والمعاصي، وكونوا على ما ترون من خير مات عليه الفقيد وأكثر منه، واعتنوا بالشباب وسواعد المستقبل لتوريث المشروع كما تسلمتموه وأحسن، واقدروا لأهل التأسيس والسابقة فيكم قدرهم فستفقدون كثيرا منهم قريبا بفعل الزمن وسنة الله التي لا تتغير.
عزاء خاص لأخي عبد الإله بنكيران
وأنت أيها الشهم البطل لك من الله ألف عون وعون، وتوفيق وتسديد ورشاد، فربنا الذي أكرمك بصحبة فريد زمانه قادر عز وجل أن يهيئ لك ما هو أفضل وأعظم، فما عبد الله إلا رجل قد خلا من قبله الرجال، أتاه الله حكمة، فتوجه إليه يوتك خيرا منها وأفضل، ففضله لا حد له وجوده وكرمه واسع وعريض، وقد هديت هذه الأيام بعد أن عقد المصاب لسانك، واكتفيت بالعبارة العظيمة “حسبي الله ونعم الوكيل” فتماسك أخي، واستأنف السير وصعود الجبال ومقارعة الخطوب وهزم الصعاب ورجم “العفاريت” وتجفيف برك “التماسيح” فأنت مستند إلى ركن متين وأساس عظيم هو إيمانك بالله وصدقك مع الله وإخلاصك له، ثم آلاف من إخوانك في المشروع والخيرين من أبناء هذا الوطن وراءك وراءك حتى يتحقق المراد، فالسياسة عندنا جهاد، وليس في الجهاد الحق سوى النصر أو الشهادة.