مدخل إلى معرفة الخوارج الإباضية في شمال إفريقيا
ذ. طارق الحمودي
هوية بريس – الإثنين 15 دجنبر 2014
لعل فرقة الإباضية من أشهر فرق الخوارج التي تركت بصمتها التاريخية والفكرية والاجتماعية في المشرق والمغرب معا، وهي فرقة أثارت اهتمام الباحثين والدارسين من مختلف الانتماءات الفكرية والاتجاهات المدرسية، ونال المستشرقين حظهم من التشوف إلى فتق رتق فكر هذه الفرقة واستبانة آرائها العقدية وتفسير مواقفها السياسية وآثارها الاجتماعية.
لم يعرف للخوارج نشاط فكري حقيقي قبل معركة النهروان، إنما ستبدأ حركة دعوتهم حركة حقيقية بعد ذلك. وتبدأ أصول الفكر الإباضي وفق الرواية الإباضية بجابر بن زيد الأزدي العماني، وهو تابعي مشهور، استقر بالبصرة، واشتغل بالدعوة إلى مذهبه الخاص الأزد خاصة، وكوّن منهم عصابته التي تقوى بها، وتبعه على دعوته آل المهلب، خصوصا بعد ما صدر من الحجاج الثقفي صديقه القديم في حق ثوار عمانيين من الأزد، فانقلبت المودة سخطا، واستغل جابر ذلك. لكنه حبس بعد ذلك بالبصرة ثم نفي إلى عمان حيث وجد الفرصة المناسبة لدعوة قومه إلى مذهبه.
يشتهر عند بعض الباحثين نسبة أتباع مذهب جابر إلى عبد الله بن إباض أحد المنتسبين إليه، والذي يذكر عنه أنه كان مع نافع بن الأزرق رأس الخوارج الأزارقة ثم انفض عنه بسبب المواقف المتطرفة له في معاملة المخالفين، وقد قيل إن بني أمية هم من نسبوهم إلى ابن إباض خشية اقتضاء النسبة إلى جابر تزكية وإطراء للمذهب، وقد قيل بأن جابرا كان المنظر الحقيقي، لكنه كان يخفي ذلك تقية، وإنما قدم إلى الواجهة عبد الله بن إباض تعمية على المتربصين، فعرف عن ابن إباض مراسلاته لعبد الملك بن مروان.
وبعد وفاة جابر خلفه أبو عبيدة مسلم بن أبي كريمة الذي أسس المجالس السرية لتكوين الدعاة، وجعل المجالس ثلاثة أنواع، فكانوا يجتمعون في السراديب ودور النساء العجزة، ويحيطون أنفسهم بالتكتم والحذر، وقد كان من بين من استفادوا من هذا التكوين بعض الطلبة المغاربة الأمازيغ، وتكونت أولى نواة التجمعات الإباضية في طرابلس متترسة بعصبية قبيلة هوارة، وكانت نفوسة المحضن الأساس لعلماء الطائفة، وسيكون لهم أيضا مجالس لتكوين الدعاة على يد أبي محمد عبد الله بن محمد بن بكر المتوفى سنة 440 هـ والمعروفة باسم حلقات العزَّابة، والتي كان لها الأثر الكبير في تحويل قبيلة بني مصعب الأمازيغية إلى الفكر الإباضي. وقد استعان القائمون على الدعوة الإباضية بالتجار الممولين للدعوة والذين وصلت تجارتهم إلى أقصى المشرق في بلاد الصين، وكانوا عونا ظاهرا للمذهب في انتشاره وتمويل حملات الدعوة والقيام بتكاليفها.
ومن الأمور المهمة في توصيف انتشار الفكر الإباضي بالمغرب، ما يذكر من انتقال بعض المؤلفات الإباضية المسربة من المشرق، مثل ما يحكى من وصول (الديوان) لجابر بن زيد إلى شمال المغرب، ومثلها أجوبة أبي عبيدة لمسائل واردة منه.
وبعد استقرار الفكر في بلاد المغرب، سعى الإباضية لتأسيس دولة، فتم لهم ذلك على يد عبد الله بن رستم الفارسي الأصل في تهرت مؤسسا الدولة الرستمية التي امتد وجودها من سنة 160 هـ تقريبا إلى سنة 296 هـ من الزمان، حيث نقضتها الدولة العبيدية الإسماعيلية، وأحرقت مكتبتهم المعروفة بـ (المعصومة).
وقد اشتهرت الفرقة بعقائد خاصة بهم، وبمفاهيم غريبة، نبه عليها طائفة ممن كتب في الفرق كأبي الحسن الأشعري في المقالات، والبغدادي في الفرق بين الفرق، وابن حزم في المحلى، والشهرستاني في الملل والنحل، ومن الرسائل المختصرة كتاب (الإباضية،عقيدة ومنهجا) لصابر طعيمة، و(الإباضية) من نشر المديرية العامة للمطبوعات بوزارة الإعلام بتبوك، ولقد اطلعت لإعداد هذا المدخل أيضا على الطبعة الثالثة من رسالة (الأصول التاريخية للفرقة الإباضية) لعوض محمد خليفات من جامعة الأردن، وهي العدد 27 من مجموعة (تراثنا) من نشر وزارة التراث القومي والثقافة في سلطنة عمان الإباضية، ومن المثير للإهتمام ما رأيته في كتاب المستشرق بيير كوبرلي في الإباضية، المعنون بـ(مدخل إلى دراسة الإباضية وعقيدتها) فقد أتى بالعجب العجاب من المعلومات عن الطائفة، وتاريخها بشمال المغرب خاصة، وتعرض لعقائدها ناقلا من مصنفات ووثائق تحت مسمى (مصادر اللاهوت الإباضي)، عارضا لما في بعضها بطريقة مثيرة للاهتمام، ومما ذكره عقيدة أبي زكريا الجناني وعقيدة أبي حفص بن جميع وعقيدة أبي سهل يحيى. ومثله آخرون من المستشرقين الذين اهتموا بدراسة هذه الفرقة وآثارها الاجتماعية في شعوب شمال إفريقيا.
ولعل أول انطباع أحسست به وأنا أعتصر معلوماتي عن الفرقة الإباضية هو أننا لا زلنا نفتقر إلى دراسة عربية أكاديمية جادة وموضوعية، تكشف اللثام عن حقيقة الفرقة وعقائدها، خصوصا وأنه قد تعالت أصوات تنادي بالاستفادة من الفكر الثوري الديمقراطي الإباضي، والدعوة إلى تحرير المرأة معتمدين على بعض ما في تراثه تاريخا وفكرا كما فعلت ناجية بوعجيلة في كتابها (الإسلام الخارجي) وهي باحثة علمانية من تلامذة عبد المجيد شرفي.
ولا يزال الفكر الإباضي موجودا إلى الآن في سلطنة عمان وزنجبار واليمن ومزاب بالجزائر وجزيرة جربة بتونس، وتجتهد السلطات العمانية في بعث التراث الإباضي الجزائري من جديد وتنفق عليه الأموال لنشره والدعوة إليه.
وقصدي من هذا التنبيه على ضرورة الاهتمام بدراسة هذه الفرقة وعقائدها دراسة مركزة كافية، وبيان حقيقتها وطبيعة فكرها، لتكون المدافعة العلمية مدافعة تامة الأركان والشروط، حتى نواجه الفكر بالفكر، ونضع الدواء على موضع الداء، ونرد الأمر إلى محله والله الموفق للصواب.
اشكر صاحب المقال سعيه لتقصي الحقيقة، وانبهه ان الموضوعيه تقتضي معرفة الاباضية من خلال ما دونوه عن انفسهم لا ما دونه الغير عنهم، كما انني ادعوه لزيارة عمان ولقاء اهلها وكما قيل وما راء كمن سمع