“كمين العلم” يكشف ذكاء “المقاومة” في غزة وتطور أدائها (تحليل)
هوية بريس – الأناضول
يؤكد كمين “العَلَم” الذي نفذته ألوية الناصر صلاح الدين قرب حدود جنوبي قطاع غزة بداية العام الجاري، وكشفت عنه أمس الثلاثاء، وجود “تطور ملموس في قدرات المقاومة الفلسطينية”، بحسب محللين سياسيين فلسطينيين.
ومساء الثلاثاء، نشرت “ألوية الناصر” مقطع فيديو يحتوي على تسجيل مصور لكمين “العلم” الذي نفذته في 17 فبراير الماضي، وتسبب بإصابة 4 جنود إسرائيليين، بينهم إصابتان خطيرتان، بحسب الرواية الإسرائيلية الرسمية.
وأظهر الفيديو وجود 6 جنود إسرائيليين (يعتقد بأنهم من وحدة هندسة المتفجرات) قرب الحدود الشرقية لجنوبي قطاع غزة، نزع أحدهم العلم الذي ثبتته الأولوية على السياج، ووضعه في المنتصف بين زملائه، قبل أن ينفجر فيهم جميعا.
كما أظهر الفيديو عملية تفخيخ سارية العمل من قبل عناصر ألوية الناصر صلاح الدين بشكل متقن.
وتأسست ألوية الناصر صلاح الدين، ذراعا مسلحا للجان المقاومة الشعبية بداية الانتفاضة الفلسطينية الثانية (2000 ـ 2005)، وتمكنت من تنفيذ العديد من العمليات القوية ضد الجيش الإسرائيلي.
وأظهر الفيديو متابعة عناصر الألوية تحركات الجيش قرب المنطقة التي ثبتوا فيها “العلم المفخخ”، وسجلوا الأحداث التي دارت آنذاك أولا بأول، وبجودة عالية.
** إبداع العقلية الأمنية
محمد البريم الناطق باسم لجان المقاومة الشعبية (التنظيم الأم لألوية الناصر صلاح الدين)، يقول خلال حديثه لوكالة “الأناضول”: “كمين العلم كشف هشاشة إسرائيل، فكيف لضابط من وحدة هندسة المتفجرات أن يفحص علما دون أن يكتشف أنه مفخخ!”.
وأرجع البريم دقة تفخيخ العلم إلى “تطور أداء المقاومة الفلسطينية وتطور عقليتها الأمنية”.
وذكر أن الكمين كشف “مدى كذب الرواية الإسرائيلية، وهشاشة الجيش المدجج بأعلى وسائل تقنية وتكنولوجية”.
من جانب آخر، يعتقد البريم أن “كمين العلم” كشف عن التقنية العسكرية والعقلية الأمنية التي فاقت “كل التوقعات، والتي عبرت عن أداء وتميز المقاومة”.
ولفت إلى أن كل الأذرع العسكرية لفصائل المقاومة شهدت قدراتها التقنية والعسكرية، “تطورا لافتا بعد الحرب الأخيرة التي شنتها إسرائيل على قطاع غزة صيف عام 2014”.
وتابع: “خلال السنوات التي سبقت تلك الحرب، شهدت تطورا مميزا في القدرات التقنية والعسكرية، كل عام هناك تطور جديد”.
وأشار إلى أن ذلك الكمين ليس بـ “العملية الأولى التي تنفذها وتوثق تفاصيلها ألوية الناصر صلاح الدين”.
وطالما بقي الصراع مفتوحا مع الاحتلال الإسرائيلي، فإن ذلك يستوجب مواصلة عمل المقاومة وتطوير قدرتها العسكرية والتقنية وأدائها، وفق البريم.
** الهدف
البريم يقول إن الهدف من عملية كمين العلم جاء لـ”قطع اليد التي قتلت الأطفال والشبان”، وقد تم تحقيق الهدف، على حد قوله، حيث قطعت أشلاء الجنود على مرأى العالم”.
ويوجه الفيديو الذي سجلته الألوية رسالة إلى إسرائيل مفادها، أن “فاتورة الحساب لم تغلق ولن تغلق، وكل أدوات المقاومة مدخرة للدفاع عن الشعب”.
وكشف أن نشر الفيديو مساء أمس، جاء بعد مشاورات أجرتها الألوية مع الأذرع العسكرية للفصائل الفلسطينية.
وعن تزامن توقيت نشر الفيديو مع التصعيد الإسرائيلي الذي بدأ مساء الاثنين، قال البريم إن إعلان المسؤولية عن العملية وكشف تفاصيلها عقب تنفيذها (بداية العام) لم يكن مناسبا.
لكنه رأى أن توقيت الإعلان أمس الثلاثاء كان مناسبا، بهدف توجيه “ضربة للاحتلال توجعه”.
** قراءة للكمين
إبراهيم حبيب المحلل المختص في “الشؤون الأمنية”، قال إن فيديو “كمين العلم” يكشف عن وجود مقاومة “ذكية بعقلية أمنية متطورة”.
وأضاف حبيب خلال حديثه لوكالة “الأناضول”: “إن عملية الكمين راعت عدة خطوات وعوامل، بشكل لم تدع مجالات للشك لدى وحدة هندسة المتفجرات أن العلم مفخخ، وهذا ما جعلها ناجحة نوعا ما”.
العامل الأول بحسب حبيب، هو “عملية التخطيط واختيار التكنيك الموجود في العملية من خلال سارية (ألمنيوم)، لا يمكن أن يشك فيها بأنه تم استخدامها لغرض تنفيذ عملية”.
وأما العامل الثاني فيتمثل بـ “نوعية المتفجرات التي وضعت، والتي كان واضحا أنها متطورة جدا نظرا للوزن الخفيف الذي كانت به، وحجم الانفجار الكبير الذي نتج عنها”.
العامل الثالث يتمثل في “التمويه الذي تم من خلاله إخفاء أثر التفخيخ داخل السارية، إذ أظهر الفيديو الجندي وهو يتفحصها ولم يجد شيئا يشك به”، وفق حبيب.
كما مثلت عملية تفجير سارية العلم عن بعد عاملا رابعا، يكشف عن مدى تطور أداء المقاومة الفلسطينية، بحسب حبيب.
وتابع: “عملية التفجير عن بعد، واضح أنها تمت من خلال شريحة اتصالات معينة وضعت في المكان، وتم تفجيرها عن بعد”.
** رصد وتوثيق
ويرى حبيب أن الكاميرا باتت “سلاحا لا يقل أهمية عن العملية ذاتها، إذ أنه لم يكن بالإمكان الكشف عن العملية واستقطاب صدى واسع لها لولا وجود وحدة الرصد والتوثيق”.
وقال إن توثيق العملية أدى إلى “تتبعه في الداخل الإسرائيلي وبروز قراءات صعبة لما جرى لفرقة الهندسة”.
وأشار إلى أن توثيق العملية كشف عن “حجم الضعف التدريبي والتكتيكي لعناصر وحدة هندسة المتفجرات”.
يتفق مع حبيب، حسام الدجني الكاتب والمحلل السياسي قائلا: “إن وحدة الرصد والتوثيق مهمة بالدرجة الأساسية في كافة الأذرع المسلحة للفصائل الفلسطينية”.
وأوضح أن تلك الوحدة “توجه الرأي العام الإسرائيلي تجاه حكومته وتعمل على فضح التكتم الذي تقوم به الرقابة العسكرية الإسرائيلية على الخسائر البشرية والنفسية والمعنوية للجبهة الداخلية”.
من جانب آخر، تساهم هذه الوحدة في رفع “الروح المعنوية للشعب، إذ تؤكد مخرجاتها والمقاطع المصورة التي تبثها أن مواجهة الاحتلال ممكنة وتؤتي أكلها، وأن الشعب الفلسطيني ليس وحده الطرف الذي يقدم الخسائر، بل هناك خسائر في الجانب الإسرائيلي”.