مصطفى الحسناوي: يوجه نداء لوزير العدل ولكل المتدخلين في المجال الحقوقي
هوية بريس – مصطفى الحسناوي
الثلاثاء 27 يناير 2015
“السجون المغربية إدماج بطعم الإذلال
– نداء موجه لوزير العدل ولكل المتدخلين في المجال الحقوقي:
هذا النداء وإن كنت انطلق فيه من قضيتي عموماً ومن حادثة عشتها مؤخراً بشكل خاص، إلا إنه يعكس وضعا عاماً يعيشه كل السجناء في معاناة صامتة أتمنى أن يتم التحقيق فيه من طرف الجهات الرسمية وجمعيات المجتمع المدني، من خلال زيارات مكثفة في أماكن الاعتقال والاستماع لعينات مختلفة من السجناء، مع توفير الضمانات لعدم تعرضهم للانتقام. وهذا أوان الدخول في صلب النداء:
انقضى عشرون شهرا منذ أن بدأت محنتي التي لا أجد لها وصفا سوى المؤامرة الدنيئة والمهزلة السخيفة التي كشفت لي واقعا من الظلم والتجاوزات والانتهاكات الجسيمة والخطيرة، بدأت بمنعي من السفر، ثم اعتقالي ومحاكمتي محاكمة جائرة بتهم غير واضحة وغير محددة دون بينة أو دليل، وعلى جريمة غير موجودة ولا يتوفر أي ركن من أركانها.
سلب الحرية يمثل العقوبة أو الثمن الوحيد الذي أديته عن مواقفي وقناعاتي الفكرية والسياسية، وأنشطتي الحقوقية والإعلامية. وجدت في السجن فضاء خصبا لألوان من الإذلال والإهانة والمعاملة اللاإنسانية، مسلخا تهدر فيه دماء الكرامة الإنسانية.. لم أجد بشرا، بل هياكل عظمية وأطيافا وأشباحا فقدت آدميتها، ديست حقوقها وأهدرت كرامتها.. ليت نصيبي من كل ما لا يمت بصلة لدولة الواجهة الزجاجية المضاءة، والشعارات المنمقة، والخطب والاتفاقيات والالتزامات البراقة، وصل ما ذقته حد الاعتداء بالضرب، وتصفيد اليدين إلى قضبان حديدية لساعات طوال ممنوعا من الحركة والأكل والصلاة وقضاء الحاجة.. تم الاعتداء على أغراضي، تعريضي للتمييز، منعي من التطبيب، وأصناف من المعاملة اللاإنسانية المذلة والمهينة.
عشت هذه المدة في شد وجذب ومد وجزر، لا يمكنك أن تنال حقك عن طريق القنوات الرسمية والطرق القانونية، جربت ذلك مرارا، راسلت وزير العدل وغيره.. لا يجدي الأمر نفعا، تأكد لي ذلك بالملموس، شكاياتي وبياناتي وصرخاتي لم تجد آذانا صاغية، الكل مشغول بإلقاء الخطب وإعداد التقارير عن الوضعية الحقوقية المتطورة والمتقدمة، لم يعد لي أمل في أن تتغير وضعيتي، أو ينتبه أحد لمظلمتي، لكنني رغم ذلك سأستمر بالكتابة وبالصراخ، حتى ولو كان ذلك لمجرد التوثيق والشهادة للتاريخ، لذلك لا حرج عندي في توصيف المعاناة والظلم رغم أن لا أمل في رفعه ولا أمل في توقفه، لأنه منظومة محمية بقوة القانون والحديد والنار، سلسلة محكمة وغير متناهية الحلقات، ولد عشت آخر حلقات المعاناة والمعاملة اللاإنسانية يوم الخميس 22 يناير 2015، حيث نودي علي صباحا من أجل الخروج للتطبيب خارج السجن، إلا أني فوجئت بإجراءات مذلة ومهينة تحط من الكرامة الإنسانية، ولا علاقة لها بالإجراءات الأمنية العادية، لا تفسير لها سوى الحقد والإهانة والإذلال النابع من عقليات ونفسيات سادية مريضة ومتخلفة.
في البداية منعت من الخروج بالحذاء، وطلب مني انتعال «صندالة»، ولم ينفعني احتجاجي واعتراضي بكون الجو شديد البرودة، فامتثلت وعدت أدراجي إلى الزنزانة، ونزعت الحذاء وانتعلت «صندالة» بلاستيكية، وهكذا كان حال باقي السجناء المرضى وعددهم ثلاثة. بعدها ناولني الحراس بدلة خاصة لا تكاد تميز بياضها من سوادها من شدة الأوساخ المتراكمة عليها، فرفضت ارتداءها لكونها تعرضني للوصم والنظرة الدونية خارج أسوار السجن..
وبينما أنا اتفاوض مع الحراس خارج أسوار السجن حول إمكانية ارتدائها ونزعها عند الوصول إلى المستشفى تفاجأت بالحراس يقيدون أيدي السجناء المرضى إلى الخلف، ولما استفسرت عن قانونية هذه الإجراءات تم إخباري أنها تعليمات الإدارة، وتم تخييري بين قبول الإذلال والإهانة كثمن لحقي في التطبيب، أو التنازل عن هذا الحق، وفي الوقت الذي قبل فيه ثلاثة سجناء بهذه الوضعية وهذا الابتزاز رفضت رغم حاجتي الشديدة للتطبيب، وأؤكد أني سأبقى على موقف الرفض هذا مهما تدهورت صحتي طالما بقيت هذه الإجراءات المذلة والمهينة واللاإنسانية، وأحمل مسؤولية ما سيؤول إليه وضعي لكل من له علاقة بهذه الإجراءات المهينة للكرامة.
يستحيل أن أحترم قانونا كهذا أو أمتثله أو أقبل به أو أرضاه، سأرفضه وأقاومه ما استطعت، ولن يطبق علي إلا بإرغامي وإكراهي عليه تحت سياط التعذيب، متسائلا أي قانون هذا؟ وعن أي إدماج وحقوق ومواطنة وكرامة نتحدث في ظل تصرفات لا تقيم وزنا لإنسانية السجين ولا لصحته ولا لنفسيته ولا لسنه؟ حيث أن من بين السجناء شيوخ وكهول طاعنين في السنين، أكل الزمان زهرة أعمارهم ونهش المرض قوة أجسامهم، وتم إهمالهم ونسيانهم حتى مات بعضهم في ظروف غامضة..
فأي مصلحة تتوخى من عرض السجناء أمام أنظار المجتمع خارج أسوار المؤسسة التي يقضون بها عقوبتهم، في وضعية مذلة مهينة بلباس خاص متسخ و«صندالة» بلاستيكية في جو شتوي قارس، مصفدي الأيدي إلى الخلف مثل وحوش مفترسة ضارية، وتعريضهم للوصم والتمييز والنظرة الدونية والإحراج والإذلال؟
وأي تحسن يرجى لصحتهم بعد هذا الدمار النفسي الشامل، الذي يلحقهم نتيجة تعليمات وسياسات تمتح من بركة آسنة ترتع فيها جراثيم الاستبداد والجهل وفيروسات الفساد والتخلف والظلم، بركة تخفي نتانتها وراء أزهار صناعية؟
فما رأي دعاة حقوق الإنسان؟
المعتقل مصطفى الحسناوي بتاريخ 27-01-2015″.