الشيخ عمر القزابري يعلق على حادث إحراق الطيار الأردني بـ: «نداء الروح»
هوية بريس – الشيخ عمر القزابري
الخميس 05 فبراير 2015
بسم الله الرحمن الرحيم، والصلاة والسلام على رسول الله صلى الله عليه وعلی آله وصحبه أجمعين، أحبابي الكرام
إذا انفصل الجسم عن الروح عاد إلى أصله الذي هو الفخار، فأصبح سريع الانكسار، صريع الاندحار، طريح الانحدار، قرين الاندثار، تحركه كل ريح، وتميل به كل صيحة، أما الروح فعلوية مصدرها تمنحها الاعتبار، وتجعلها محط الأسرار، وموطن الأنوار، وما أصيب إنسان بأكثر من أن تسلب منه روحه وهو حي، فيمشي على الأرض بلا روح، بلا إحساس، بلا مشاعر تجعله في موقع التفاعل، فيرحم ويعفو ويصفح ويتلطف، ويكون كالنسمة الباردة في يوم صائف، وكالخيمة الراسية في يوم عاصف، يأوي إليها كل شريد، ويقصدها كل طريد.
أيها الأحباب إذا أصيب الإنسان في روحه فقد أصيب في مقتل، لأنه أصيب في سر تزكيته، ومحل ترقيته، فالإنسان مركب من روح وجسد، روح تجر إلى العلياء حيث الأنوار، وجسد يجر إلى الأرض حيث الفخار، وشتان ما بين المحلين، انظروا إلى الأخيار الذين طهرت أرواحهم وسمت في معارج القرب، كيف كانوا رحمات تمشي على الأرض، يمشون الهوينا وكأنهم يترفقون بالأرض التي يمشون عليها، وحتى في حال الإساءة إليهم من طرف جاهل محروم من سر التزكية، تتسرب من أرواحهم نسمة زكية تترجم إلى قول غاية في السلم والسلام (وعباد الرحمن الذين يمشون على الأرض هونا وإذا خاطبهم الجاهلون قالوا سلاما) من وصفهم تشعر أنهم غاية في السكينة والوقار، واللطف والاعتبار، فتسوقك نسائم أخلاقهم إلى حبهم والاقتداء بهم، وبقدر ما يقترب هؤلاء من الله بقدر ما يبتعد المناقضون لهذه الأمثلة من أصحاب القلوب القاسية التي حرمت معاني الرحمة والعطف واللطف، حتى صارت عبارة عن أحجار وصخور تتحرك على الأرض بل أقسى من الأحجار (وإن من الحجارة لما يتفجر منه الأنهار)، قال صلى الله عليه وسلم: (وَإنَّ أَبْعَدَ النّاس مِن الله القَلبُ القَاسِي)، أشد ما يؤلمني أن يظلم الإسلام ويتهم بسبب تصرفات من بعض المنتسبين إليه لا تمت بصلة إلى طهارته وسمو مبادئه، خصوصا وأن هناك من يتربص وينتظر مثل هذه الأمور ليبث سمومه وينشر أحقاده، وينطلق في الآفاق اتهاما للدين وتلفيقا للأباطيل، واتهاما لأئمة الإسلام بل وطعنا في النبي الأمين صلى الله عليه وسلم الذي كان إماما في العفو والصفح والرفق، الذي أمره ربه بالصفح حتى عن أعدائه قال تعالى: (ولا تزال تطلع على خائنة منهم إلا قليلا منهم، فاعف عنهم واصفح إن الله يحب المحسنين)، ضرب صلى الله عليه وسلم وسالت دماؤه الزكية فسامح وعفا، أخرج من بلده وأوذي وقتل أصحابه فسامح وعفا، أخبر عن المرأة التي دخلت النار بسبب تعذيبها لهرة، وعن البغي التي دخلت الجنة بسبب إحسانها إلى كلب، ومواقفه صلى الله عليه وسلم في الرحمة والعفو كثيرة، قال صلى الله عليه وسلم (ومَا زاد اللهُ عَبداً بِعَفْوٍ إلاَّ عَزا) أعلم علم اليقين أن دين الله غالب، ولكن يسوؤني أن يساء إلى الإسلام بأفعال بعض أبنائه، لماذا نعطي الفرصة لغيرنا للطعن في ديننا بسبب تصرفاتنا الهوجاء التي لا يقبلها دين ولا يستسيغها عقل سليم، والله إنها مأساة بكل المقاييس ولا حول ولا قوة إلا بالله،
أيها الأحباب، ديننا دين الحق، والحق لا يحتاج إلى حرق، ديننا دين التفكير، والتفكير لا يحتاج إلى تكفير، ديننا دين التفريج، والتفريج لا يحتاج إلى تفجير، يا إخواني علينا أن نظهر للعالم سماحة ديننا بأخلاقنا ورفقنا وحكمتنا، إنها أحداث مؤلمة عنوانها الأبرز الحيرة، الحيرة التي تشل التفكير وتعطل الرؤية، لا بد للعلماء الربانيين أن يتحركوا ليبينوا للناس سماحة الدين وسنة سيد المرسلين، لابد للإعلام أن يقوم بدوره ويسخر إمكاناته للدفاع عن سماحة الإسلام والتصدي لمحاولة تشويهه سواء من بعض أبنائه أو بعض أعدائه، الإسلام رسالة عالمية ولابد إذا أردنا أن نكون أوفياء لهذه الرسالة أن ننشرها في العالم، بالحوار بالفكر بإقامة الحجة، بالتركيز على الجانبين العلمي والخلقي، حتى في الظلم الواقع علينا، يجب أن نسلك الطرق التي تؤدي إلى رفع الظلم عنا مع الحفاظ على سماحة ديننا، اللهم إنا نبرأ إليك من كل دم يراق بغير حق، نبرأ إليك من قطع الرؤوس ومن حرق عباد الله، كما نبرأ إليك من قصفٍ يدُك البيوت على رؤوس أصحابها، ومن كل ألوان القتل والظلم أيا كان مصدرها، وما أجمل الدعاء النبوي الذي علمنا رسول الله صلى الله عليه وسلم أن نقوله عند كل خروج من بيوتنا، وكأنه منهاج وخريطة طريق نتعامل بها مع العالم من حولنا (اللَّهُمَّ إِنِّي أعُوذُ بِكَ أَنْ أَضِلَّ أَو أُضَلّ، أَو أَزِلَّ أو أُزَلّ أو أَظلِمَ أو أُظلَم أو أَجْهَلَ أو يُجْهَلَ علَيَّ) دعاء جامع يشكل منهاج توازن للتعامل، ولا حول ولا قوة إلا بالله، وحسبنا الله ونعم الوكيل، والله المستعان، وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين”.