رُهاب الإرهاب
ذة. لطيفة أسير
هوية بريس – الخميس 05 فبراير 2015
تباينت المفاهيم حول مصطلح الإرهاب حسب التوجهات والإيديولوجيات التي تُسوّق له، واختلفت القراءات وتشعبت في هذا الموضوع. لذا فحديثي هنا لا يعْدو أن يكون تعبيراً عن خاطرٍ شخصي في موضوعٍ سالت مدادُ الأقلام به كما سالت دماء الأبرياء من جُرمه.
وإن كان فعل الإرهاب قديما وليس بالحدث الجديد، فمنذ العهد الروماني وما والاه مورس هذا الفعل الإجرامي في التاريخ الإنساني بكل فظاعته ودمويته في صمت يُشبه صمت القبور، ودون أن يخضع الإرهابيون لمساءلات أو محاكمات بتهمة خرقهم لحقوق الإنسان وانتهاكهم لها وتمزيقها شرّ ممزّق.
أذكرُ حين كنا نَدرس مادة التاريخ قرأنا ذاك العهد الدموي للغرب مع البلدان المستضعفة، ودرسنا الحربين العالميتين وما كان فيهما من عنف وتقتيل وإجرام، لكن كتب التاريخ لم تسمِّ ذلك إرهابا ولا إجراما، بل مجرد حقائق تاريخية مرت الإنسانية بها يتم تلقينها للنّشْء دون القدح في المنتهكين أو التطاول على فعلهم الإجرامي.
لكن في العقدين الأخيرين ومنذ اشتعل فتيل الحقد ضد الإسلام وأهله، وتأجّجَ الطمع في خيرات بلدانه، ألفينا المصطلح يُسَوق بشكل ممنهجٍ ودقيقٍ عبر فترات متقطعة من الزمن، حتى غَدَا حديث من هبّ ودبّ، وسُبّة أُلصقت ظلما وعدوانا بالمسلمين، للنيل من دينهم والحدّ من انتشاره خاصة في الدول الأوربية والقارة الأمريكية.
وللأسف بعض السُّذج الغافلين انصاعوا -بدايةَ تسويق الإرهاب كفعل إجرامي إسلامي- لهذا التيار، حتى صار اليقين أن بيننا من المسلمين من يجرؤ على مثل تلك الأفعال الإجرامية التي تروع الآمنين وتسفك دماء الأبرياء.
لكن رويدا رويدا بدأت الأقنعة تزول وبات عند الكثير منا يقين أن الإرهاب ليس إلا صناعة غربية تمّ إلباسها جُبّة إسلامية. فأنت ترى هذا الغرب الذي نصّب نفسه حاكما للعالم يكيل بمكاييل عدة، وحيث مالت مصالحه مال معها.. متى شاء أن ينهب خيرات منطقة سلط عليها سهم الإرهاب وادّعى زورا وبهتانا حمايته لأهل تلك المنطقة، وما أن يقضي مآربه حتى ينزع يده الملوثة بدماء الأبرياء ويعلن القضاء على الجماعات الإرهابية، ليفكر بعد ذلك في زرعها بمنطقة أخرى.
لقد بتنا نعتقد أن العالم صار كالدونكيشوط يحارب طواحين الهواء ولا يستطيع إليها سبيلا.
أو عنقاءُ ما أن تبلى حتى تنبعث من بين الرماد ثانية. بُسطاء العالم قبل مفكريه فطنوا للعبة، وكشْفُ خيوطها أنبأتْ عنه الأيام والحوادث المتعاقبة شرقا وغربا. وإن كانت الوساوس ما تزال تبعثر نفسك وتبعث فيها ذرّة شكّ، وكنت لا تؤيد أن الإرهاب صناعة إرهابيين محترفين فأخبرني بربك من تزعّم مسيرة التنديد في شارلي؟!! أليس من مارسوا فعل الإرهاب حقيقة لا مجازا، وواقعا لا خيالا؟ أليس من قادوا حملات إبادة ضد المسلمين المستضعفين في كل مكان؟ أليس من اعتبروا سفك دم المسلم دفاعا عن النفس، وسفك دم غيره انتهاكا لحقوق الإنسان؟ ألم يتجرد العالم يومها من كامل حيائه، فهبّ عن بَكرة أبيه مُندداً بمقتل شرذمة انتهكت حرمات أقدس خلق الله، حاملا شعارا تضامنيا مع بؤرة من بؤر الضلال، متجاهلا في الآن ذاته آلاف الانتهاكات ضد المسلمين؟
إن هذا العالم المجرِم قد تجرّد من كل مصداقيته، وأسفر عن كاملِ قُبحه ونادى في الغافلين ليستفيقوا من سُباتهم. فمتي تستفيق أيها الخانع المخدوع وتنزع عن صدرك هذا الوهن الذي جعل عدوك يستصغرك ويزدريك ولا يهابك طرفة عين؟ متى تنتصر فيكَ قيمكَ وروحك الإسلامية التي كانت مدرسة ينهلُ منها القريب والغريب؟ متى تحمل همَّ دينك كما تحمل همّ لقمة عيشك؟