الشيخ عمر القزابري يكتب عن مذبحة مسجدي نيوزيلندا: “إلى الله المشتكى…!”
هوية بريس – إبراهيم الوزاني
تحت عنوان “إِلَى اللهِ المُشْتَكَى…!”، نشر الشيخ عمر القزابري مقالة في صفحته على فيسبوك، تضامنا مع ضحايا مسجدي مدينة كرايست شيرش في نيوزيلندا، وتنديدا بالمجزرة التي وصفها بـ”الهجوم الإرهابي الأرعن الهمجي الذي لا حدود لبشاعته وفظاعته”.
وكتب إمام مسجد الحسن الثاني بتراويح رمضان، بكل حزن وأسى: “بسم الله الرحمان الرحيم.. والصلاة والسلام على رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه أجمعين.. أحبابي الكرام:
منذُ وعيتُ على الدنيا وأنا أسمعُ وأشاهدُ إِرهابا واقعاً على المسلمين.. تتنوع أساليبه.. وتختلف أشكاله.. لكنه واضحُ المعالم.. محدَّدُ الوِجهة.. يُعبِّر عن ما تُكنُّه قلوب أعداء هذه الأمة مِن حِقد وغيظ.. ولستُ أتحدث عن تخيُّلات أو أساطير.. بل هي حقائق راسخة سجَّلها التاريخ بقلمِه الصادق.. وأكدتها الشواهد القائمة.. ودَونتها دِماء المسلمين التي سالت غزيرة في كل مكان..
وآخرها ما حصلَ لإخواننا في نيوزيلندا.. حيث تعرضوا لهجومٍ إرهابيٍ أَرْعن .. بلغَ الغايةَ في الهمجيَّة .. وتخطَّى كلَّ حدودِ الانسانية.. هجومٌ بَشع لا حدود لبشاعته وفظاعته.. أدمى قلوبنا.. وهز كياننا .. وإلى الله المشتكى.. وهو سبحانه حسبنا في هذا الزمان الظَّالمِ أهلُه.. إنَّ مشكلتنا الأساسية أننا أمةٌ سريعةُ النسيان.. أمَّة أصيبتْ في ذاكرتها.. فلم تعد تتذكر الماضي القريب فضلا عن البعيد.. بل لم تعد تعيش حتى حاضرَها.. ودخلتْ في حالة شُرودٍ وتيه.. وابتليَت بأناسٍ يُتقِنون التزوير.. ويتفنَّنُون في قَلبِ الحقائق.. ويُلبِسون الظالمَ ثوب المظلوم.. والمُنكرَ ثوب المعروف.. ويُثيرون الشبهات من كل جانب.. حتى أصبحنا نعاني نزع الاحتضار.. بينما إكسيرُ الحياة لا زال يتدفق بقوة مِن كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم.. لماذا فقدنا حِدة البصر والبصيرة.. ولم نعد نبصر ماعندنا من كنوز المعرفة حتى عُدنا نتسكَّع على أرصفة الثقافات التافهة.. ونستجدي فُتات الأفكار.. وعفن السلوكيات.. مَن يمسح عنا هذا الهمَّ الناصب المُرتسم على أرواحنا قبل وجوهنا؟ ولماذا نلوذ بأهداب الصمت في هذا الضجيج مِن الأصوات المُعادية لديننا ورسولنا وتراثنا وعزتنا دون أن ننبِس بِبِنتِ شَفة..؟ ألم يكفنا ما عانينا من شقاء لكي تتطهر قلوبنا وتؤوبَ إلى بارئها.. مليئةً بالتقوى.. ومُفعمة بالإيمان؟ مَن يمسح جراحاتنا غير ربنا؟ من يرحمنا في عالم قد جفت فيه ينابيع الرحمة غير الرَّحمان الرحيم؟ مَن يأخذ بأيدينا في تيه الوجود غير خالق الوجود؟ من يُنهضنا من عثرتنا غير مُقيلِ العثرات؟ ومن يَجبُر كسرنا غير جابرِ الكسور؟ ومن يعيدنا إلى تاريخ العالم الذي خرجنا منه إلا رب الأزمان ومحرك العوالم..؟
إن إنسانا جديدا مختبئا بدواخلنا يمكن أن يُبعث إلى الوجود.. ويحتلَّ مكانا مرموقا فوق الأرض.. بشرطِ العودة إلى رحاب القرءان والسُّنة.. فمنهما سيشع الضياء على الدنيا فيملأها نورا هاديا.. يزيل الظُّلْمة ويرفع الغمَّة.. وتفيض أعين الماء الزلال فَيَرِدُهَا أقوام يبتغون لأرواحهم سلالم تصلهم بأسباب السماء.. لأنها سئمت لبْثها عند مشارف الأرض.. وملَّت التصاقها بالتُّراب.. فعندها ستصل الادراكات إلى أعلاها.. والفهومُ إلى أذكاها.. ويومئذ يفرح المؤمنون بنصر الله..
هَذَا وإِنَّ ديننا العظيم بريء من هذه الأعمال الاجرامية أيًا كان مصدرُها.. وأيًّا كان المُتعرِّض لها. ولا يحتفِظ بأدنى وُدٍّ للذين يُزهقون الأرواح.. ويفسدون في الأرض.. ويروِّعون الآمنين..
اللهم ارحم من قُتلوا غدرا واكتبهم عندك من الشهداء.. واشف اللهم الجرحى.. واجمع لهم بين الأجر والعافية.. وانتقم من الظالمين.. وانصر عبادك المومنين..
وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.. محبكم وحافظ عهدكم وودكم عمر بن أحمد القزابري”.