ثاني أكسيد الكربون يصل إلى معدل غير مسبوق في الغلاف الجوي
هوية بريس – الجزيرة
ربما لم يدرك أحد ذلك، لكن يمكن القول إن عام 2016 كان نقلة نوعية في تاريخ البشرية كلها، حيث تخطت نسبة ثاني أكسيد الكربون في الغلاف الجوي حاجزا جديدا مثّل بالنسبة للبعض بداية طريق اللاعودة. أربعمئة جزءٍ في المليون كانت النسبة الجديدة وقتها، لكن المفاجأة الكبرى كانت حينما أعلنت المراصد في هاواي، خلال مايو الجاري وعلى مدى عدة أشهر، عن نسبة جديدة كان الوصول لها سريعا عن التوقعات، وهي 415 جزءا في المليون.
الاحترار العالمي
نعرف أن الأرض ظلت طوال مئات الآلاف من السنين بين حاجز 160 إلى ثلاثمئة جزء في المليون، لكن لفهم المشكلة نحتاج أولا لتأمل العلاقة بين ثاني أكسيد الكربون والحياة.
ارتفاع درجات حرارة الغلاف الجوي للأرض، يحدث في دولة ما خلال الصيف أو الربيع، أما في حالة الاحترار العالمي فإن الأمر يتعلق بمتوسطات تقاس على مدى عقود متتالية.
هناك عدة أسباب للاحترار العالمي، لكن السبب الرئيس هو ما يسمى بـ”تأثير الصوبة الزجاجية”، إذ الطبيعي هو أن تدخل أشعة الشمس للأرض عبر الغلاف الجوي، تمتصها الأرض ثم تضخها من جديد للفضاء.
لكن بارتفاع نسبة ثاني أكسيد الكربون في الغلاف الجوي ترتفع قدرة الأخير على حبس جزء أكبر من تلك الأشعة الشمسية ومنعها من الخروج، ما يتسبب في احترار الغلاف الجوي. كلما ارتفعت نسبة ثاني أكسيد الكربون ارتفعت الحرارة.
وعادة ما يكون أقل انخفاض في نسب ثاني أكسيد الكربون في سبتمبر/أيلول، لكن ذلك يعني أنه قد لا تكون هناك فرصة للنزول عن حاجز 410 أجزاء في المليون، وهو بدوره ما يتسبب في مزيد من ارتفاع متوسطات الحرارة العالمية.
نسبة ثاني أكسيد الكربون في الغلاف الجوي تتخطى حاجز 415 جزءا في المليون (معهد سكريبس لعلم المحيطات) |
مخاطر غير متوقعة
للوهلة الأولى يتصور البعض أن تلك المشكلة لا علاقة له بها، حيث ربما يسأل نفسه قائلا: ما الفارق بين أن تكون درجات الحرارة 36 مئوية ثم تصبح 37.5 مئوية في أيام الصيف؟
لكن هذا الفهم للتغير المناخي يعد خطأ، فالاحترار العالمي يخل بالنظام البيئي كاملا، سواء تحدثنا عن الماء العذب أو حياة الكائنات، حيث يسرع التغير المناخي بانقراض أنواع كثيرة من الحيوانات والنباتات التي يعد وجودها أساسيا لحياة البشر، كما أنه يؤثر في كميات المياه العذبة فتنخفض مع الزمن.
ويواجه الوطن العربي مشكلة خاصة مع المياه بسبب التغير المناخي، فبحلول منتصف القرن ستواجه 13 دولة عربية مخاطر الوقوع تحت الفقر المائي الشديد، بحسب مؤسسة الماء العالمية.
من جهة أخرى، فإن ارتفاع مستويات سطح البحر بسبب ذوبان الجليد، الناجم عن الاحترار العالمي، قد يتسبب بحلول نهايات القرن الجاري في غمر أكبر وأهم المدن الساحلية في العالم كله، والوطن العربي بشكل خاص.
الوضع العالمي
ويصل الأمر لتأثيرات أخرى غير مباشرة، فعلى سبيل المثال ربطت دراسة أخيرة من دورية “كارانت كلايمت تشينج ريبورتس” بين التغيرات المناخية وحالات العنف، سواء بشكل مباشر أو عبر التغيرات الاقتصادية التي يُحدثها اضطراب نسب المياه والمحاصيل والثروة الحيوانية.
وكانت اللجنة الدولية للتغيرات المناخية (IPCC) -في تقريرها الصادر قبل عدة أعوام- قد حذرت من تسبب التغير المناخي في اضطرابات سياسية في منطقة الشرق الأوسط تحديدا.
المشكلة الرئيسة التي تواجه المنطقة العربية، هي أنها رغم عدم إسهامها إلا بما قدره 5% فقط من التغير المناخي العالمي، فإنها قد تتلقى ضربات أكثر عنفا بسبب اقترابها من خط الاستواء.
وهناك العديد من المحاولات لحل مشكلات التغير المناخي، تسهم فيها دول عربية كثيرة، لكن الوضع العالمي الخاص بالقضية ما زال معقدا، بينما ترتفع نسب ثاني أكسيد الكربون يوما بعد يوم.