الأستاذ في معركة الامتحان
هوية بريس – رشيد الذاكر
بعد عناء كبير وصراع مرير في القسم يقضيه الأستاذ مع تلاميذته لإنهاء مقررهم الدراسي: حتى لا يترك درسا من مكون الاختبار، وبعد هذا الإكمال تأتي حصص إضافية متتالية في الدعم والمراجعة وإنجاز نماذج اختبارات سابقة يقدمها السادة الأساتذة خارج استعمالهم الزمني -طبعا وبدون مقابل-… وبعد كل هذا يجد الأستاذ(ة) نفسه مدعوا لحراسة اختبارات البكالوريا في شقها الجهوي والوطني، غالبا في غير مؤسسته: دون تفكير في بعدها عن مقر سكناه أو قربها.
المهم أنه بمجرد توصله باستدعاء الحراسة يجب عليه تلبية الطلب والحضور إلى عين المكان في الزمان المحدد: نصف ساعة على الأقل من بداية الاختبار، ثم يزج به رفقة أستاذ آخر في قاعة الحراسة، تصل أحيانا إلى أربع ساعات متواصلة، كل هذا عمل مجاني بدون مقابل ولا حتى رسالة شكر رسمي من قبل الوزارة الوصية، في الوقت الذي لا يُترك فيه الآخرون ابتداء من رئيس المركز والملاحظ والمدير الإقليمي… إلى أعلى سلطة في الوزارة دون تعويض، وقد يكون التعويض سمينا جدا، وكما يحرم الاستاذ هنا من التعويض يحرم أيضا كل من الحراس العامون والنظراء والكتاب والأعوان.
كل هذا لا يهم، لكن الذي يهم هو ذاك الصراع الذي يخوضه رجال ونساء التعليم، والحرب الكلامية وأحيانا الجسدية – ينطبق هذا الأمر على القلة من الرسمين والكثرة من الأحرار -داخل حجرات الدراسة- هذه الحرب عندما تقوم يواجهها الأستاذ وحده: إذا كان يقوم بواجبه المهني في الحراسة ويؤدي مهمته كما يمليه الضمير الإنساني الحي، أو كما توجبه الوثائق الرسمية التي تمنع الغش وتدعوا إلى معاقبة فاعليه.
قلت: لماذا وحده دون معين؟ لأن المؤسسة التي يحرص فيها وخاصة في شخص مديرها: يسرها أو يحزنها إرتفاع نسبة النجاح أو إنخفاضها، لعله ينوه به من قبل المدير الإقليمي أو الجهوي، فتجده ينتشي عندما يقال له إن مؤسستك حققت نتائج إيجابية، وهذا راجع إلى تفانيكم في العمل وحسن إدارتكم، لا أتحدث عن الفرح والسرور إذا كان عن استحقاق، ولكن أن يُفرح بنجاح الغشاشين والغشاشات ويُحول ذلك إلى بطولة يفتخر بها أمام الغير فتلك قصة أخرى.
لأجل هذا فإن حرص الإدارات على تجنيب تلاميذها تقارير الغش كبير جدا، ليبقى الأستاذ هو العدو الوحيد الذي يجب على التلميذ مصارعته، فكم من الحالات التي تضبط وقد تخرج من القسم، وتجد رئيس المؤسسة حريصا على رد صاحبها إلى القسم لإكمال الاختبار، ليس حبا في التلميذ ولكن حبا للتنويه.
عفوا: فهذا لا يسري على الجميع بل ولا حتى على الغالبية من رجال ونساء الإدارة التربوية: الذين يعيشون اللحظة، ويسايرون مرارة الامتحان ويعملون بضمير مهني حر، وبعقول تنافسية راقية خدمة للعلم والمعرفة ورفعا لشأن الشهدات الوطنية، ولولا هؤلاء العظماء من الإدارين: لم يبق للبكالوريا المغربية أي قيمة تذكر… لكني أتحدث عن عدمي المسؤولية… وقد تنعدم روح المسؤولية أيضا حتى عند بعض الأساتذة فلا تجد لهم أي دور داخل الحراسة… بل تجد في بعض الحالات أن يحرص أحدهم والآخر يتفرج عليه ولسان حاله أنا لست عدوكم بل هذا.
كل هذا لا يهم، لكن الذي يهم أكبر ويقلق النفس عندما يرفع الأستاذ تقريرا بأحد الغشاشين، فإنه: يُشبع الاستاذ سبا وشتما… وإن تطور الأمر إلى اعتقال التلميذ: يطلب من الأستاذ متابعة القضية وكأنه طرف في الجنحة، فقط لكي يقال للجميع نحن لسنا ضد الغش ولكن الأستاذ لا يغرف الرحمة والرفق -طبعا من فضلك لا تُعمم ولكنه موجود-.
أنتهت المعركة بأمن وسلام، والحمد لله رب العالمين، وبدون خسائر جسدية، ليحمل الأستاذ قلمه الأحمر ويتوجه إلى مراكز التصحيح أين ما كانت، وهنا تبدأ معركة أخرى: معركة تحقيق العدل بين التلاميذ، وضرورة قراءة غير المقرؤ (المخطوطات) حتى لا يحرم التلميذ من نقطة على جوابه، وتجد البعض يطلب من البعض كي يساعده في قراءة بعض الجمل والعبارت غير الواضحة.
أنتهت الجولة الثانية: ليكون الأستاذ مدعوا من جديد إلى عبثية المادولات وقد تكون في غير مدينته، هذه المادولات صارت مع منظومة مسار مجرد عبث لا قيمة لها لأن الأستاذ هو من أدخل النقط وصادق عليها وأغلق -مسار- ولا أخفيكم سرا أننا في بعض الأحيان نوقع فقط ويسلمنا المسؤؤل ورقة الحضور دون أن نراجع تلك النقط.
كل هذا لا يهم، لكن الذي يهم هو أننا رجال ونساء التعليم سنبقى بإذن الله نعشق العلم والمعرفة، ونعمل على خدمتها وخدمة هذا الوطن، وخدمة المتعلم وتيسير دراسته، هدفنا وغايتنا لا نبتغي منهم جزاء ولا شكورا، غير أننا نعلن أن بعض التصرفات تقلقنا وقد تدفع ببعضنا إلى الاستسلام وإذا استسلم رجل التعليم استسلم كل شيء بعده فخرسنا العلم والمعرفة والوطن.
بارك الله فيكم ونفع بكم. وياليت الناس يعون هذا الكلام الثمين..