د. الريسوني: اللغة العربية تترجى الحكومة: اعتبروني لغة أجنبية
هوية بريس – د.أحمد الريسوني
كثير من المغاربة يتمنون أن تعاملهم الجهات الرسمية والمسؤولون بالمغرب معاملة الأجانب، سواء في المطارات، أو في السفارات، أو في المحاكم، أو في سائر الإدارات، أو حتى في الأسواق والطرقات..
فالسائح الأجنبي: الغربي، أو الآسيوي، أو الخليجي، يحظىبكامل الاحترام والتوقير، وتحفظُ له كرامته ومهابته، ويعطى كاملَحقوقه وزيادة!
فحين يدخل الأجنبي على مسؤول مغربي يقوم له ويتأدب معه ويسارع في خدمته ونيل رضاه..
وحين يرتكب الأجنبي المحظوظ مخالفة أو جريمة، يجد كل الرفق واللطف وظروف التخفيف، ويجد حتى المساعدة على الإفلات أو العفو..
وحين يتعرض الأجنبي المحظوظ لأي أذي أو مكروه، تطير الأجهزة المختصة وغير المختصة، لإنصافه ورعايته ومواساته وتعويضه والاعتذار له..
وهكذا كثير من المزايا والمعاملات التفضيلية الحصرية للأجانبذوي الجنسيات المعظمة.. فالأجنبي المحظوظ دائما “على الراس والعين”..، ويحسب له ألف حساب.
وهذا شيء جيد ومشرف لنا، إن وقع في حدوده المعقولة.. فمن شيمنا إكرام ضيفنا والإنفاق عليه من مالنا.
لكننا نحن المغاربة نتمنى فقط أن تعاملنا الجهات الرسمية ومسؤولوها بهذه الدرجة من الاحترام والتوقير والتكريم، أو بما يقرب منها أو يشبهها، ولكن هيهات..
فلذلك يتمنى كثير من المغاربة أن لو كانوا أجانب في بلدهمولهم ما للأجانب المحظوظين من حرمة وهيبة وحقوق..
هكذا وقع للغة العربية.. فهي “تظل اللغة الرسمية للدولة…“، كما نطق بذلك الدستور..
ولكن، بما أن اللغة العربية المسكينة تظل مجرد لغة مغربية،وتلبس الجلباب المغربي، فلا بد أن تعامل مثل سائر المواطنين المغاربة البسطاء غير المحظوظين، لا بد أن تشاطرهم معاناتهم معالحكَرة والانتقاص والامتهان.
فلهذا صارت هي أيضا تتمنى لو كانت لغة أجنبية، وتترجى أن تعاملها الحكومة معاملة “اللغات الأجنبية” المحترمة.
لو كانت اللغة العربية لغة أجنبية، لما تجرأ الوزير المعلوم – وزير المؤلفة قلوبهم – على شتمها وتحقيرها، ووصفها باللغة الميتةالمتخلفة. تصوروا لو أن هذا الوزير قال ما قال – مثلا – في حق اللغة العبرية، أو الإغريقية، أو البرتغالية، أو الإسبانية، أو الهندية – ولا نقول الفرنسية، حاشا – ماذا كان سيقع؟ وأي عاصة إعلاميةستندلع؟ وأي ردود فعل من الدولة المعنية، ومن أهلها وسفارتها؟ وأي أزمة سياسية سيواجهها المغرب؟ وأي إجراءات ستتخذها الدولةالمغربية ضد الوزير الأرعن؟ ولكن العربية لا بواكيَ لها، لأنها مجرد لغة مغربية مغلوبة على أمرها.. فلذلك أصبحت تتمنى لو كانت لغة أجنبية.
ولو اعتُبرت اللغة العربية لغة أجنبية بالمغرب – وهي على كل حال إحدى اللغات الرسمية الست المعتمدة في الأمم المتحدة والأكثر استعمالا عبر العالم – لاستفادت من المزايا والحقوق التي منحها “القانون الإطار” للغات الأجنبية؛
ومنها: “تمكين المتعلمين من إتقان اللغات الأجنبية في سن مبكرة“، بينما نصت المداة نفسها (م32) على “جعل الحاصل على الباكالوريا متقنا للغتين العربية والأمازيغية”.
وشتان بين لغة رسمية يجب إتقانها في مستوى الباكلوريا، ولغات أجنبية يجب إتقانها في سن مبكرة!
وشتان بين “لغات أجنية” – أي اللغة الفرنسية طبعا – تتحزم الدولة وتتجند الوزارة المعنية لتمكينها وتسليمها تدريسَ المواد العلمية والتقنية حتى قبل صدور القانون، وقبل الآجال والشروط التي حددها القانون، وبين “لغتين رسميتين” يتنافس عدد من المسؤولين في تحقيرهما وتهميشهما وتفشيلهما، وقطع علاقتهما المدرسيةبالعلم والمواد العلمية، مع سبق الإصرار والترصد!!
وإذا كان الوزير المعلوم قد اعتبر اللغة العربية لغة ميتة، وأنها جامدة لم تتطور منذ أربعة عشر قرنا، فماذا سيقول عن شقيقتها الأمازيغية اليوم أو غدا؟! وماذا سيفعل بهما زميله في التربية والتعليم، وهو أشد عداء للعربية وأشد ولاء للفرنسية؟
أليست اللغة العربية على حق إذا طالبت بتصنيفها لغة أجنبية محترمة، بدل تركها لغة وطنية محتقرة؟