الجنس والإجهاض والإفتاء في حدود دولة علمانية مفروضة!!
د. محمد وراضي
هوية بريس – الثلاثاء 07 أبريل 2015
لا نرى لهذا الخليط المتنافر واللامتجانس، غير حل سياسي بدون ما لف ولا دوران! بل ونرى أن الخوض فيه -والعلمانية متحكمة فينا- مجرد عبث لا طائل يرجى من ورائه!
إننا منذ عقود، لم نتعود غير العبث بالدين! بداية هذا العبث المتواصل، تنطلق مع توقيع عقد الحماية في بلدنا على الأقل! وقعه موقعه تحت الضغوط التي يقال: إنها مورست عليه؟ أو إنه وقعه عن قناعة وعن وعي تام بما سوف يؤول إليه حال الشعب المغربي برمته؟ وهو بالتحديد ما آل إليه حال الشعب الجزائري الشقيق منذ عام 1830م.
ويبدو أن موقع عقد الحماية، لم يتخلص من خطئه التاريخي المأسوف عليه، حتى وإن هو تنازل عن السلطة، أو تخلى عنها لغيره وغادر بلاده. فالمتسلم للسلطة منه أو من المحتلين، لم يجد أية غضاضة، أو أي عيب ومنقصة في التكامل مع الغزاة، لتحويل المغرب إلى دولة يسودها النظام العلماني. لا الإبقاء عليها كدولة كان النظام الإسلامي الذي أرسيت دعائمه حتى قبل ظهور دولة الأدارسة هو الذي يسودها وإن بكيفيات نسبية!
ولإبراز دور المخزن تحديدا في ترسيخ النظام العلماني ببلدنا، نسوق بعضا مما تضمنه كتابي: “التصوف الطرقي بالمغرب الحديث والمعاصر. سوس نموذجا”! حيث سلطت الأضواء على بعض المؤامرات التي كانت تحاك للقضاء على ثورة أحمد الهيبة المساندة من طرف السوسيين وعلى رأسهم الطرقيون من تجانيين ومن درقاويين وناصريين وعلماء محايدين. مع التأكيد على أن ما يحاك ضد الهيبة، لم تنل من إخلاصه لبلده ولدينه كل المغريات المادية التي عرضت عليه، وفي مقدمتها أن يكون عميلا للفرنسيين، مقابل منحه سلطة مطلقة على منطقة سوس بأكملها. فقد جاء في الجزء الأول من كتابي المشار إليه (ص:433) ما يلي: “وهناك إلى جانب تدخل السلفي أبي شعيب الدكالي لعثور الفرنسيين على متعاون حازم، بمقدوره كسر شوكة الثوار في الجنوب، رسائل مخزنية قاتمة، تنعت -للأسف الشديد- قائد الثوار أحمد الهيبة بالمفسد الفاسد والفتان والساحر والكذاب! وصنو بو حمارة! وما إلى ذلك من تشويه لشخصه وتحقيره. فضلا عن تحقير من معه من المجاهدين والأنصار والمتعاطفين! تماما كما تصرفت نفس الجهات مع المجاهد الريفي محمد عبد الكريم الخطابي.
فمن رسالة للقائد حيدة بن مايس المنبهي (خديم المخزن والمحتلين الفرنسيين) إلى القائد محمد الأغبالويي الماسي نقرأ ما يلي: “وعليه زيدوا على همتكم مع وقوفكم لتخرجوا عنكم مكايد الفتان! والحمد لله حين اطلعتم على سحره وكذبه، وبعض ما زال يرى طلسمه، وهو عند غيرك شائع وظاهر، وقد تبعوه كأبي حمارة الذي تذكر الكتب أنه سيأتي في آخر الزمان، حتى ظننا أنه هو! بل هو ساحر كذاب! ولم يستح على كذبه! وعليه، أيقظ نفسك من غفلتك، ومن يسحر فلعنة الله عليه لما يتباهى به، وجميع ذنوبهم عليه محسوب، وعلى أخوتكم السلام”. في صفر عام 1331هـ/1913م (المعسول لمحمد المختار السوسي 4/183).
ومن رسالة من الملك يوسف بتاريخ 18 ربيع الثاني 1331هـ/1913م إلى نفس المرسل إليه قبله نقرأ ما يلي: “وبعد، فقد أصدرنا لكم أمرنا الشريف مرارا بالقيام على ساق (الجد) في استئصال الفتان وأشياعه، وإراحة الناس منه ومن أتباعه! وزدناكم هذا تأكيدا لتمضوا على ما قدمناه لكم من المدد شدا لعضدكم! وزيادة في تقويتكم، وفي الأثر تصلكم أعلامه وراياته (= رايات المدد الذي تؤطره وتقوده الجيوش الغازية). وتظهر لكم من المفسدين عبرته سبحانه وآياته”!!! (ن.م. 183).
وحتى إن لم يتوفر جيش الثوار على ما يكفي من العدة والعتاد. فإن تحركاته حينها إلى مراكش لمواجهة الاستعمار الدخيل، تعطي لثورته الشعبية بعدها التاريخي والديني، وبعدها الجغرافي، أي بعدها الزمني وبعدها الروحي والمكاني، دون إبداء أية رغبة من مؤطري الثورة القائمة في الخضوع لإملاءات المخزن والاستعمار؟ أو في القبول بما قبل به خصومهم من المغاربة الممثلين لما كان يعرف بأهل الحل والعقد! وكأنهم أدركوا حقيقة المغزى الديماغوجي لمبادئ المارشال ليوطي التي لخصها في هذه العبارة: “حماية لا حكم مباشر! احكم مع أهل هذه البلاد لا ضدهم! لا تسيء إلى أي تقليد! ولا تبدل أي عادة! وحد طبقة الحكام ومصالحها! احكم مع المخزن لا ضده”! (“تاريخ المغرب في القرن العشرين”؛ ص:110؛ عبد الكريم غلاب).
يعني أن المغرب في حاجة إلى من يحميه من الفتانين، مثل أحمد الهيبة، ومحمد عبد الكريم الخطابي! وفرنسا حضرت إليه لهدف نبيل كي تحكم مع أهله بلدهم لا ضدهم! غير أن أهله ساخطون على الاحتلال وجلاوزته وأعوانه من المغاربة! فتكون الحرية والكرامة والاستقلال، من التقاليد التي هبوا لأجل الدفاع عنها. ويبقى التوحيد بين مصالح المستعمرين والحكام المحليين، هو وحده الكلام الصادق الصريح في كلام ليوطي! إذ بذلك التوحيد، نفسر الحملات المشتركة بين المخزن والغزاة للقضاء على الثوار في كل جهات المغرب المعاصر. أما الحكم مع المخزن لا ضده، فكلام يفسر التركيز المشترك على استبدال الأحكام الشرعية بالقوانين الوضعية، وبمحاربة الدين الحنيف من خلال مجموعة من الإجراءات التي من بينها الظهير البربري! وإحداث مواخير في مختلف المدن! وإطلاق زمام معاقرة الخمور! مما يجعل ثورة الهيبة ثورة تستشف المستقبل الذي ستتحقق معه وفيه على أرض الواقع، نبوءات المتنبئين من أمثال ليوطي والمغاربة المتعاونين معه! وفي طليعتها الجنس في أبشع صوره! والإجهاض المتحالف مع الدعارة المطلقة! والإفتاء الذي خضع ممارسوه ولا زالوا يخضعون في دولتنا الإسلامية المزعومة، إلى الحجر والوصاية! أو إلى التدجين تحت ضغط الإغراءات الماثلة أمامنا اليوم في المجلس العلمي الأعلى! وفي المجالس العلمية الجهوية!!!
وما سقناه هنا يترجم حال ما وقع في كافة الدول العربية والإسلامية الخاضعة للاستعمار. فالحكام المحليون الذين لم يقع اختيارهم من طرف شعوبهم أو أممهم عن طيب خاطر، هم من تواطئوا قبل غيرهم مع الاستعمار لإلغاء الطابع القانوني السائد في دولهم لقرون تلو قرون (نقصد الطابع الديني الشرعي). وهم نفسهم -في الغالب- من تسلموا زمام الأمور بعد رحيله. فكان أن احتفظوا بنفس النظام العلماني الذي ساهموا مع المستعمرين في ترسيخه وإقراره وفرضه من الأعلى، بعيدا عن أي رجوع إلى شعوبهم للإدلاء برأيها في موضوع يتعلق بمستقبلها، لا بمستقبل الاستعمار، الذي يفترض رحيله، بفضل الكفاح والجهاد الذي لم يكن فيه للزعماء غير شبه الإشراف عليه من بعيد! بينما الشعوب هي التي ضحت بكل ما تملكه للتحرر من الطغاة المتجبرين! والقيمون على شبه الإشراف -وهم مشكورون- أحرص مثلهم -كخلفاء للغزاة في السلطة- على المضي في المخطط الاستعماري القاضي بتغريب دولنا الإسلامية الضاربة جذورها في قلب النظام الإسلامي!
وقد يتساءل هنا متسائل فيقول: أية علاقة بين الجنس والإجهاض والإفتاء، وبين مآل النظام الإسلامي المغربي منذ عام 1912م حتى عام 2015م؟ أي على مدى قرن وثلاث سنوات بالتمام والكمال؟
إن الجنس من منطلق علمي محض -بعيدا عن أية تدخلات دينية، أو عن أي تدخل سياسي- إشباع طبيعي لدافع بيولوجي، تماما كإشباع دافع الجوع والعطش، مع أن شدته دون شدة هذين الدافعين الأخيرين، حتى دافع الأمومة يتقدمه من حيث الإثارة لأسباب بيولوجية وفزيولوجية ونفسية. وفورانه يتأخر من حيث الزمن إلى سن البلوغ تقريبا. وعندها تدخل البواعث الخارجية في إذكاء فورته، فيشرع الراشدون في البحث عن كيفيات إشباعه كدافع، هدفه الأساسي هو الإنجاب لتعمير الأرض بالجنس البشري. لكن ثقافة الإنجاب ولوازمه وكيفياته لم يتح لها عبر التاريخ، أن تعم بين الجنسين. فصح أن الانحراف في الإشباع لا بد حاصل، كما هو حاصل في إشباع دافع الجوع والعطش ودافع الأمومة. فلزم حينها النظر في الحلول الممكنة لتجنب مخاطر الانحراف التي كان من المفروض أن يتم الترويج لها حتى يتجنب الجنسين الوقوع فيها.
وبما أن الوجه الليبرالي للعلمانية، يقوم على أساس الحرية الفردية، فإنها قد فتحت أبواب الإشباع الجنسي على مصراعيه. فالممارسون أحرار، والممارس عليهم أحرار. ولا مانع إطلاقا من تحديد أماكن معروفة مخصصة لطلاب الملذات الجنسية دون أية عوائق من الدين أو من القانون!
إن الأماكن المخصصة لسكنى المومسات -وهي المواخير- سمح الاستعمار بإقامتها، تنفيذا منه لفلسفته في الحكم. وكانت يومها على عهده مفتوحة -بدون ما اعتراض من المخزن- أمام المواطنين المغاربة، وأمام رجال من الجالية الأجنبية، مما يعني أن المرأة المسلمة منذ عدة عقود، كانت تضاجع الأجنبي في المواخير وفي غير المواخير داخل بلادنا.
وإن حصل أي تطور في الحياة الجنسية المباحة في الغرب بلا قيود، حصل مثله في المستعمرات السابقة، حتى المواخير التي كان الباشا الكلاوي يستفيد منها ماديا لكونه صاحب العديد منها عبر التراب الوطني! فإن مواقعها القديمة تغيرت ظاهريا بعد رحيل الاستعمار، فأصبح قصادها زبناء حمامات ودور خلفية في الأزقة والدروب، يديرها القوادون والقوادات، مع أنه لا يخفى على الحكام مكان انتشارها! فقد تجنبت إظهار ما كان الاستعمار قد أقره في العلن، وحرصت على توفير المرغوبات فيه كمصدر لدخل العاهرات من جهة! ولكسر أخلاقيات دينية تصدم أساسا من أسس الحرية الفردية من جهة ثانية! فتطورت الدعارة التي لعب الحكام أنفسهم دورا رئيسيا في الإبقاء على شعلتها متقدة، إلى الحد الذي يعتبر فيه اليوم مغربنا مصدرا لتسويق “الفيتامينات” الطازجة كما يصفها أستاذ مصري لنا سابق بكلية الآداب والعلوم الإنسانية!!!
فمن السماح بالعري الفاضح الذي تقدمه وسائل الإعلام الرسمية وتشرف عليه، إلى فتح مجالات لقنوات كل برامجها منصب على تقديم وسائل الإيضاح للممارسة الجنسية بالمجان! وسائل تبين كيفيات مبتكرة في المضي بعيدا فيها!
وحتى لو حصل مرة أو مرات ضبط بعض الأمنيين أنفسهم في حالة التلبس الذي يفضح قيامهم بفرض أنفسهم على النسوة المنحرفات، أو المجرورات المغلوبات على أمرهن لتقديمهن في صور خليعة! فإن التغاضي عن ضبط آلاف من الحالات المشابهة لم يعد من الأسرار التي على المسؤولين إلقاء أغطية كثيفة من الكتمان عليها! وكأن ما يصل إلى علم الصحفيين بخصوصها مجرد أكاذيب! وعندي شخصيا عشرات الحالات الجنسية الصادمة التي تم تسجيلها كتابيا في تحقيقات تجمع بين الحوار وتقديم صور لما يجري في دهاليز مظلمة! يستحيل أن تغيب عن الأمنيين أماكن وجودها، والحال أن صحفيي مجلة مثل “نيشان” المتوقفة عن الصدور منذ أعوام قد اكتشفوها! وقدموا لنا عنها أوضح صور، وكأنهم يتولون أداء وظيفة علماء الاجتماع المتخصصين في تقديم الوصف أو الأوصاف الموضوعية لما يشاهدونه بكيفية مباشرة!
إننا إذن لن نتحدث للقراء عن حلول للجنس والإجهاض من منطلق ديني، أو من منطلق الزعم الحريص على الحريات الفردية (ممثلو هذان المنطلقان يتجادلان في مختلف وسائل الإعلام!)، لكن الواقع على أية حال، لا بد أن يفرض حلولا تجنب الجنسين كليهما مختلف الأضرار الناجمة عن ظاهرتي الدعارة والإجهاض في الوقت ذاته. وبما أن الزواج الطبيعي يسفر لا محالة عن إنجاب أطفال، فإنه من الضروري أن يتحقق ابتعاد هؤلاء الأطفال عن التعرض لأنواع من الأخطار البيولوجية والفزيولوجية والاجتماعية والنفسية والأخلاقية. فأية وسيلة إذن تقترحها الجهات التي تعطي للحرية الفردية في مجال الاختيارات الجنسية قداسة مفرطة، تمنح أصحابها في حدود الممارسة على الأقل ما يحقق لفائدتهم المقولة السائرة: “العقل السليم في الجسم السليم”؟
ما نقدمه من إجابات غير دينية كما قلنا، نحرص على أن لا تخرج عن إطار الأمراض التناسلية الكثيرة، الناجمة عن ممارسة الدعارة، وعلى رأسها مرض “الزهري” و”السيلان” وغير هذين من أمراض فتاكة قاتلة. فالزهري ظهر بشكل وبائي في فرنسا عام 1492م، ولذلك بات يعرف بالداء الفرنسي. وتحصل العدوى من المريض الذي يحمل جرثومته الموجودة في “قرحة الزهري”. وهو جرح في الأعضاء التناسلية للرجل أو للمرأة، يعدى الطرف غير المصاب به أثناء الجماع . وبعد مرور 5 إلى 20 سنة تتعرض أعضاء جسم المصاب لموات اللحم وتساقطه بعد تعفن محلي. وهكذا يؤكل الأنف بأكمله، ويتساقط لحمه تدريجيا حتى لا تبقى غير حفرة مكانه. إضافة إلى الإصابة بالاختلال في الحواس، وإصابة الجهاز العصبي، وحركات العضلات التي تؤدي إصابتها إلى الشلل العام.
أما السيلان الذي هو تقيح المجرى البولي عند الرجل، والفرج عند المرأة، فيختلف تماما عن الزهري، حيث تتركز مضاعفاته في الجهاز التناسلي. وقد أكدت أبحاث إسكندنافية أن 12,8 في المائة من النساء تصاب بالعقم إثر إصابتين متتاليتين. ويمكن لهذه النسبة أن تصل إلى 75 في المائة إثر ثلاث أو أربع إصابات متتالية. كما جرى الوقوف على هذه الحقيقة في الدول الغربية، حيث سجلت الإحصاءات ما يلي: 500.000 حالة في فرنسا عام 1978م. و: 3.000.000 حالة في الولايات المتحدة الأمريكية كل سنة. و: 20.000 حالة كل يوم في البرازيل!
إنني إذن كما هو بين، لا أتقدم بحلول شرعية، ولا بحلول قانونية نابعة من العلمانية الليبرالية العاهرة! وإنما أحيل الشعوب العربية والإسلامية على أفاعيل من تعاونوا مع الاستعمار لترسيخ دعائم النظام العلماني محل النظام الإسلامي.
وأكرر أن من تعاونوا مع الاستعمار لقلب الواقع السياسي في بلداننا، لم يكلفوا أنفسهم عناء تنظيم استفتاءات شعبية، لمعرفة ما إذا كنا نقبل بالنظام العلماني أو نرفضه، مصرين على عودة نظامنا المسلوب منا، بتعاون مع المحتلين والحكام المحليين أثناء الاستعمار وبعده! وفي هذا السياق ذاته أتقدم بحل سياسي لمشكل الجنس والإجهاض، بعيدا عن فرض حلول جاهزة من الأعلى.
والحل الذي أتقدم به هو استفتاء الشعب المغربي الذي له أن يقرر ما يراه بخصوصهما، خاصة وأنهما -إن تم الوصول بشأنهما إلى حلول مرضية- سوف يجنبان المواطنين والمواطنات كافة المخاطر المتعلقة بالصحة البدنية والنفسية والعصبية والأخلاقية والمجتمعية. لأننا عندها وعندها فقط، نكون قد تخلينا -ولو متأخرين- عن فرض آراء تتولى النخب المزعومة فرضها على ملايين المواطنين المشكلين للأغلبية الصامتة. أو للأغلبية المخدوعة!!! مما يعني أنهم ضحية ما نسميه بـ”الأقلية الخادعة”!!!
العنوان الإلكتروني: [email protected]