موقف علماء المغرب من تعديل “القانون الجنائي” ورفع التجريم عن “الحريات الجنسية”
هوية بريس – نبيل غزال
يظن بعض من يخوض في نقاشات لها متعلق بالأحكام الشرعية، أن المطالبة باستئناف العمل بالشريعة الإسلامية في المغرب هو مطلب للجماعات الدينية المعاصرة، تستغله، وفق منظوره، لأغراض سياسية محضة، متجاهلا أو جاهلا بالمرَّة أن هذا مطلب كل مسلم، بل هو مطلب الوطنيين وعلماء المغرب الذين لم يكفوا للحظة واحدة عن توجيه خطاباتهم لأعلى هرم في السلطة من أجل تنزيل هذا المطلب الأساسي والمركزي.
حيث دأب علماء المغرب، جماعات ووحدانا، على توجيه مطالبَ للملك مباشرة لاستئناف العمل بالشريعة الإسلامية بعد الاستقلال، وفي هذه الورقة سنورد بعض مطالبهم من خلال التوصيات([1]) التي كانت ترفعها رابطة علماء المغرب للملك الراحل الحسن الثاني رحمه الله.
وقد شملت هذه المطالب كل ما له صلة بالتشريع والعدل والقضاء، والأسرة والفن والسينما والمسرح، والاقتصاد والإعلام، والحريات الفردية والجماعية، والربا الخمر والمخدرات، والمبادئ الهدامة، والعري والفساد والاختلاط بين الجنسين.. وغير ذلك.
استئناف العمل بالشريعة الإسلامية في خطاب العلماء
خلال مؤتمر رابطة علماء المغرب الأول، الذي انعقد يوم 18 و19 شتنبر 1960م، والذي ضمَّ زهاء ثلاثمائة (300) عضو من مختلف مناطق المغرب تقدم المشاركون فيه بمطالب سيادية ودينية واجتماعية، ومن ضمنها أن ينص الدستور المغربي على أن دين الدولة الرسمي هو الإسلام، وأن القرآن الكريم والسنة النبوية الصحيحة المصدر الوحيد للدستور المغربي في جميع فروعه، وعارض المؤتمر كل مادة تخالف الروح الإسلامية نصا ومفهوما.
كما أوصى المؤتمر الثاني للرابطة، المنعقد بمدينة الدار البيضاء بتاريخ 11-12-13 يونيو 1964، بناء على المادة السادسة من الدستور المغربي التي تنص على أن الإسلام هو دين الدولة، بمراجعة جميع القوانين والإجراءات القضائية الجاري بها العمل لدى المحاكم المغربية، وذلك بعرضها على أنظار علماء متخصصين في الفقه الإسلامي حتى تساير جميعها أحكام الشريعة الإسلامية وتوجيهاتها.
توصيات المؤتمر الثالث لرابطة علماء المغرب المنعقد بتاريخ 31 مارس 1968 أكدت على وجوب عرض جميع القوانين المدنية والجنائية على أحكام الشريعة الإسلامية وتطهيرها من كل ما يخالف قاعدة أو أصلا من أصول هذه الشريعة.
المؤتمر الرابع للرابطة والمنعقد سنة 1971م أشار إلى أن الدين الرسمي للدولة هو الإسلام، وتأسيسا على ذلك يجب على الدولة أن تحمي مبادئه، وأن تكون الحريات العامة خاضعة للدين الإسلامي، وأن لا يسمح لبعض المواطنين والأجانب باسم الحرية أن ينتهكوا الحرمات الدينية، ويشجعوا الإلحاد ويبثوا الأفكار الهدامة بين المواطنين.
ودعا المؤتمر إلى إعادة النظر في القوانين المغربية، مدنية وغيرها، والتأكيد على مبدأ إسلامية القوانين بما يتفق والشريعة الإسلامية، وخاصة في القانون الجنائي.
المؤتمر الخامس المنعقد بمدينة تطوان (4-5-6 أبريل سنة 1975م)، أكدت من خلاله رابطة علماء المغرب أنه “إيمانا منها بدورها الطلائعي والتقدمي في تصحيح الأوضاع ومقاومة الانحراف والرجوع إلى شريعة الإسلام الغراء والحكم بما أنزل الله.. فإن مؤتمر -الرابطة- يوصي أن يحتفظ المجتمع المغربي بالطابع الإسلامي الصحيح المتمثل بصفة خاصة في التمسك بالعقيدة الإسلامية وتطبيق نصوص الشريعة والالتزام بمبادئ الإسلام ومثله العليا.
وبجعل الشريعة الإسلامية المصدر الأول في كل تشريع والاستغناء عن كل القوانين التي صدرت مخالفة للشريعة، وأن يكون في مقدمة اللجان الواضعة للقوانين علماء متضلعون في الشريعة الإسلامية، وأن يقصر القضاء في الأحول الشخصية والتوثيق على خريجي المعاهد والكليات الإسلامية.
المؤتمر السابع للرابطة الذي انعقد بوجدة (18-19-20 ماي سنة 1979م) وجهت من خلاله الرابطة إلى أن “الشريعة الإسلامية تشتمل على جميع القواعد التي تحقق العدالة الإنسانية في كافة الميادين وتضمن للبشر ما يوصلهم إلى الخير والسعادة.
ويقينا منها بأن الفقه الإسلامي يشتمل على مجموعة هائلة وثروة كبيرة من الأحكام الملائمة لمجتمعنا المسلم، الكفيلة بحل جميع المشاكل وفض كل النزاعات على الوجه الذي يحقق العدل والمساواة مع المرونة والقابلية للتجديد، وقد برهن على ذلك بصفة عملية طيلة ثلاثة عشر قرنا، كان خلالها المصدر الوحيد لجميع القوانين التي تطبق في مختلف نواحي الحياة، وبالنسبة لجميع البلاد الإسلامية.
وانطلاقا من هذا الإيمان العميق دأبت رابطة العلماء على أن توصي بالرجوع إلى الشريعة الإسلامية والعمل على استمداد جميع القوانين منها، وحرصت على إصدار توصيات على أن تنادي بنبذ القوانين الوضعية الأجنبية التي لا تتلاءم مع مقوماتنا الروحية والخلقية ولا تتوافق في كثير من قواعدها مع الأحكام التي جاء بها الإسلام.
ونظرا إلى أن أغلب تلك التوصيات مازالت لم تنفذ، ومازالت الحاجة تدعو إلى تنفيذها، فإن العلماء يلحون بمناسبة اجتماعهم في المؤتمر السابع المنعقد بوجدة بأن:
– يستجاب لتوصياتهم وبأن يشرع فورا في العمل على تطبيق مقرراتهم خصوصا وأنهم يعبرون في تلك التوصيات وهذه المقررات عن رغبة الشعب المغربي المسلم الذي يلحُّ في أن يرى محاكمه وإدارته وجميع أموره تسير على النظام الإسلامي الذي لا يبغي به بديلا، ولا يرضى بأن يقتصر في الدين على تطبيقه في المساجد والمآثم.
– إسناد مهمة مراجعة القوانين إلى علماء الشريعة الإسلامية مع الاستعانة بمتخصصين في مختلف فروع القانون.
– مراجعة التنظيم القضائي على أساس التنظيمات التي كان معمولا بها من قبل، وإبعاد الصبغة الأجنبية عنه بما في ذلك البذلة والطرطور.
– إعادة تنظيم محاكم الجماعات والمقاطعات بإسنادها إلى ذوي الخبرة والعلم من الفقهاء وقدماء العدول العارفين بالمسطرة القضائية.
ووفق ما نص عليه المؤتمر التاسع لرابطة علماء المغرب المنعقد بالرشيدية 31 مارس سنة 1984م، فتوصياتها بخصوص التشريع والقضاء جاءت تطبيقا للأوامر القرآنية {وأن احكم بينهم بما أنزل الله ولا تتبع أهواءهم، واحذرهم أن يفتنوك عن بعض ما أنزل الله إليك}، وقوله: {فلا وربك لا يومنون حتى يحكموك فيما شجر بينهم ثم لا يجدوا في أنفسهم حرجا مما قضيت ويسلموا تسليما}، وقوله: {فإن تنازعتم في شيء فردوه إلى الله والرسول إن كنتم تومنون بالله واليوم الآخر ذلك خير وأحسن تاويلا}.
موقف علماء المغرب من الردة والحرية الجنسية والإفطار العلني في رمضان والإجهاض
علماء المغرب، “وإلى أن يعدل القانون الجنائي الحالي، طالبوا بسن عقوبات زجرية وفق التشريع الإسلامي لكل مسلم صبأ عن دين الإسلام أو انتهك حرماته” أو “انتقص بقول أو فعل نبي الإسلام وغيره من الأنبياء والملائكة والكتب المنزلة وخاصة القرآن الكريم.
واستنكروا شيوع الزنا والانحلال الخلقي وطالبوا بوضع حد لذلك بجميع الوسائل الممكنة، كما نددوا بأولائك الذي يطاردون النساء في الشوارع (التحرش).
كما طالبوا بـ:
– “منع الإجهاض ومراقبة ذلك في المستشفيات والعيادات، ومنع تحديد النسل، وذلك بترك قضيتهما خاضعتين لحكم كتاب الله وسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم، فهما الدعامتان اللتان يخضع لحكمهما ويدين بهما كل مسلم ومسلمة في مختلف البلاد الإسلامية. توصيات المؤتمر الثاني والثالث والخامس لرابطة علماء المغرب 1964 و1968 و1975).
– وبإغلاق أماكن الرقص والاختلاط ونوادي العري والدعارة في مختلف أقاليم البلاد.
– وبمحافظة المرأة على لباس الحشمة والوقار وعدم خروجها متبرجة مكشوفة الأطراف.
– أن تكون الحرية التي تطالب بها غير مناقضة لتعاليم الإسلام وتشريعاته السامية.
– مراجعة القانون الخاص بمراقبة الأفلام.
– بإلغاء جميع المعاملات الربوية بكافة أدواتها المتمثلة في المعاملات البنكية واقتراضات الموظفين والمعاملات الحرة.
– إحداث قوانين لمعاقبة من سب الدين وشارب الخمر والمفطر في رمضان جهارا، والمتظاهرين بمخالفة الآداب العامة في الشوارع والعراة وشبه العراة وما إليهم. (المؤتمر الخامس لرابطة علماء المغرب المنعقد بتطوان 4-5-6 أبريل سنة 1975م).
وقد فسر العلامة الأديب، عبد الله كنون، الأمين العام السابق لرابطة علماء المغرب رحمه الله، سبب رفع هذه المطالب بقوله “فنحن نطالب بمنع هذا التحدي السافر المجاهر بمخالفة أوامر الشرع المطاع، حفاظا على طهارة مجتمعنا ونظافته، وإقامة هيبته التي كانت في نفوس الناس إلى عهد قريب للدين والأخلاق والساهرين على راحة الناس وطمأنينتهن من الحكام ورجال السلطة”. (خطاب الأمين العام لرابطة علماء المغرب في 31 مارس 1968).
ــــــــــــــــــــــــــــ
[1] – مواقف وآراء رابطة علماء المغرب من التأسيس 1960 إلى المؤتمر العاشر 1987.