بيداغوجيا السيرورات
هشام صبار
هوية بريس – الثلاثاء 12 ماي 2015
تعتبر بيداغوجيا الفارقية، أو ما يسمى ببيداغوجيا السيرورات، واحدة من الممارسات البيداغوجية، التي تراهن عليها الإصلاحات الأخيرة التي عرفتها المنظومة التربوية، وذلك بجعل المتعلم في قلب الاهتمام، من خلال احترام خصوصياته، وإخضاع جميع الأنشطة الخاصة بالحياة المدرسية لاعتبار الفوارق الفردية، الشيء الذي يفرض هندسة وتخطيطا لتفعيل هذه الممارسة على مستويات، أهمها:
1- تدبير الزمن بالمدرسة وبالقسم:
أثبتت الدراسات العلمية أن ايقاع اكتساب التعلمات لدى المتعلم يرتبط بتغيرات النشاط العقلي لديه، وذلك في علاقتها مع الزمن، حيث في بداية الأسبوع يكون مستوى نشاط المتعلم منخفضا، ويبدأ في الارتفاع إلى أن يبلغ ذروته أيام الخميس والجمعة، لينخفض مستواه تدريجيا حتى نهاية الأسبوع، الشيء نفسه بالنسبة لنشاط اليوم، حيث يكون ضعيفا في بداية الساعات الأولى من الصباح، فيرتفع إلى أقصاه مع اقتراب الزوال ليبدأ في منحى تناقصي في حصص المساء، ومن هذا المنطلق وجب تدبير واستغلال زمن التعلم إلى أقصى حد ممكن، وذلك من خلال التركيز في الحصص الصباحية على التعلمات التي تستدعي التفكير والاستيعاب والتركيز، أما حصص المساء فتخصص لأنشطة الحفظ والترسيخ، كما يجب من جهة أخرى استهلال الأنشطة الأسبوعية واليومية بأنشطة التفتح، بغرض الانتعاش الفكري. ومع اعتبار المتعلمين لا يتعلمون بنفس الوتيرة والإيقاع، فيجب تخصيص نسبة مهمة من الزمن للأنشطة الأساسية، أو تمديدها بالنسبة للمتعثرين، حتى يتسنى للجميع تنمية الكفايات الأساسية المرجوة.
2- على مستوى تدبير فضاءات المدرسة وفضاء القسم الدراسي:
من المعلوم جدا أن أساليب اكتساب التعلم لدى المتعلم تختلف من شخص إلى آخر، فهناك من يتعلم بالأسلوب الإبصاري، وهناك من يتعلم بالأسلوب السمعي أو الحركي…، ورغم اختلاف أهمية هذه الأساليب، فهناك من يتطلب استدعاء جميع هذه الأساليب، من ما يجعل ضرورة استغلال فضاءات المدرسة بشكل جيد ضرورة لا استغناء عنها، من القاعة المتعددة الوسائط والمكتبة والساحة والبستنة والفضاء الرياضي وكذا أركان فضاء القسم من ركن الرسم وركن القراءة …
وعلى هذا الأساس، أصبحت الضرورة تلح على جعل فضاءات المدرسة والقسم فضاء متنوعا، يواكب رياح العولمة التي هبت على العصر، ويرقى إلى التعامل مع جميع عينات المتعلمين عامة، وذوي الاحتياجات الخاصة منهم، وجعل هذا الفضاء قادر على تغذية الحياة المدرسية باعتبارها جزء من حياة المجتمع الذي أصبح يؤمن بتعدد الذكاءات.
3- على مستوى توزيع المتعلمات والمعلمين بالمدرسة وبالقسم الدراسي:
يعتبر العمل بالمجموعات من أنجع طرق وتقنيات التنشيط الفعالة في تفعيل بيداغوجيا السيرورات، وذلك بجعل المتعلم يذوب داخل مجموعة متعلمين قد يتعلم منهم ما لا يمكن أن يكتسبه من المدرس نفسه، سواء تعلق الأمر بالأنشطة الصفية أو الأنشطة المندمجة، وبالتالي يبقى توزيع المتعلمين رهينا بنوع الأنشطة المقررة، فللمدرس أن يقترح ذلك، أو يجعل الاختيار للمتعلمين حسب ما تستدعيه الغاية من ذلك، فيكون التوزيع إما حسب الاهتمامات، أو الاحتياجات، أو الفروقات الفردية، أما على مستوى الأنشطة المندمجة، فغالبا ما يتم توزيع المتعلمين حسب اهتماماتهم وميولاتهم.
4- على مستوى تدبير الأنشطة التعليمية والتعلمية بالمدرسة وبالقسم الدراسي:
من خصائص بيداغوجيا السيرورات أنها تنويعية، وتفريدية تقر بفردانية المتعلم، على هذا الأساس يجب جعل الأنشطة الصفية في مصلحة المتعلم بالدرجة الأولى، توافق خصوصياته كفرد داخل الجماعة، وجعلها متنوعة تلبي حاجات جميع أفراد الجماعة، وذلك بخلق وضعيات تعلمية مختلفة الأشكال والألوان، حتى تصادف سيرورة تعلم كل فرد من جهة، وحتى تسمح للمتعثرين من بلوغ ركب زملاءهم في الجماعات من جهة أخرى، وبالتالي سحق التباين الشاسع في التعلم بين الأفراد.
أما على مستوى الأنشطة المدرسية، فالاهتمام بالأنشطة المندمجة لتغطية أكبر عدد ممكن من الاهتمامات بخلق أندية تربوية تقلص الفوارق بين المتعلمين على المستوى المعرفي أو الوجداني أو الحس-حركي، غاية لا محيد عنها، ومطلب أساسي في نجاح كل منظومة تربوية.
انطلاقا مما سبق ذكره، يبقى نجاح كل فاعل داخل الحياة المدرسية رهين بمدى ايمانه باختلاف الذكاءات والقدرات من متعلم إلى آخر، وبالتالي تصريف اهتمامه من الاتجاه التقليدي، الذي يتجلى إشكاله في: ماذا سأدرس؟ إلى تسليط الأضواء على السؤال الأولى: من سأدرس؟