هل كان محمد عليه الصلاة والسلام طبيبَ أبدان؟
هوية بريس – د. رشيد بنكيران
ما بعث محمد عليه الصلاة والسلام طبيبَ الأبدان، ولكن بعث طبيبَ القلوب والعقول، وما صح من طب الأبدان عنه فإنما كان مقصودا لغيره، وهو بيان كمال شريعته وتمامها، والطب النبوي هو من جنس ما ذكر في القرآن الكريم، الذي هو كتاب أنزل لهداية البشرية، ورغم ذلك جاء فيه خبر دواء من النحل ﴿ثُمَّ كُلِی مِن كُلِّ ٱلثَّمَرَ ٰتِ فَٱسۡلُكِی سُبُلَ رَبِّكِ ذُلُلاۚ یَخۡرُجُ مِنۢ بُطُونِهَا شَرَاب مُّخۡتَلِفٌ أَلۡوَ ٰنُهُۥ فِیهِ شِفَاۤء لِّلنَّاسِۚ إِنَّ فِی ذَلِكَ لَـَٔایَة لِّقَوۡم یَتَفَكَّرُونَ﴾ [النحل69]، وما هذا إلا إشارة الى كمال الرسالة المحمدية وتمامها.
يجب على من ينتقد الطب النبوي ويستهزئ منه أن يأتي إلى ما صح عن النبي عليه الصلاة والسلام من تطبيب لبعض الأسقام ويبين فسادها بدل من مصلحتها، ويكشف ضررها بدل من نفعها للمريض. فالمطلوب سهل وواقعي وعلمي إن قدر عليه، وإن ثبت بالدليل العلمي أن بعض الوصفات الطبية التي ذكرها النبي صلى الله عليه وسلم لم تعد نافعة فإن هذا ليس دليلا على خطئها في الأصل، فإن الوصفات مرتبطة بمواد معينة قد تكون عرفت تغييرا في مكوناتها، فالعقل والعادة تشهد بذلك، ولا يجاحد في هذا إلا جاهل أو معاند.
فمن يدعي أنه يحترم العقل، ويحترم العلم، ويحترم نتائج التجربة، فما عليه إلا أن يذهب إلى المختبر ، ويقوم بتجارب يبين فيها فساد ما صح من الطب النبوي..،
ولكن أن يسلك مسلك المهرجين في السيرك ويلعب على وتر العاطفة ومضغ الكلام واطلاق أحكام القيمة في مجال لا يقبل إلا الدليل العلمي فقط، فهذا لعمري لن يزيد الناس إلا تشبتا برسولهم وما صح عنه من تطبيب.
وصفة بول البعير وابن سينا الطبيب
كثير من الحاقدين على الإسلام ينتقد وصفة شرب بول البعير لمن به مرض الاستسقاء، ويظن أن نشر هذا الخبر سيكون حتما ضربة قاضية في التنفير من السنة ودواوينها وخصوصا صحيحي البخاري وسلم،
وما على هؤلاء الحاقدين إلا أن يقوموا بتجربة علمية داخل المختبر تكشف خطأ هذه الوصفة ، أما أن يقتصروا على السفسطة ويصفوا وصفة بول البعير بشرب القاذورات ولا يقدموا أي دليل علمي على فساد الوصفة وضررها، فليس كذا طريق من يطلب أن يحترمه عقلاء الناس.
لست أدري ما سيكون موقف هؤلاء الحاقدين اذا نقلت لهم كلام طبيب يلقب بالرئيس – الذي ظلت كتبه مرجعاً من أهم مراجع الطب قروناً متطاولة – وقد أرشد الى بول البعير كوصفة لعلاج الاستسقاء: قال ابن سينا (ت 428ه) في قانونه:
“ولا تلتفت إلى ما يقال من أنه دسيس السوفسطائيين وما يقال من أن طبيعة اللبن مضادة للاستسقاء، بل اعلم أنه دواء نافع لما فيه من الجلاء..ولما فيه من خاصية.. واعلم أن هذا اللبن شديد المنفعة فلو أن إنسانا أقام عليه بدل الماء والطعام لشفي به. وقد جرب ذلك منه قوم دفعوا إلى بلاد العرب. فقادتهم الضرورة إلى ذلك فعوفوا.
وألبان اللقاح قد تستعمل وحدها وقد تستعمل مخلوطة بغيرها من الأدوية التي بعضها يقصد قصد تدبير غير مسخن جدا….. وقد يخلط #بأبوال_الإبل وقد يقتصر عليها طعاما وشرابا (أي أبوال الابل) وقد يضاف إليها طعام غيرها”. من كتاب القانون في الطب لابن سينا (2/544).
طبعا نحن اليوم لا نلتفت الى هؤلاء الحاقدين؛ جهال الحداثيين، الذين لم يقدموا للبشرية سوى السفسطة والهرطقة ومخالفة الفطرة وغياب دليل التجربة العلمية، وإنما نلتفت الى المسلمين الذين قد يفاجأ بعضهم بجرأة هؤلاء ووقاحتهم ولا يرون من العلماء من يرد، فيظن أنهم على شيء .
كما تجدر الإشارة أن هؤلاء الحاقدين ليس لديهم مشكلة طبية تتعلق بمجال التطبيب ويخافون على صحة الناس من أبوال البعير ، فمن كان كذلك لا يسلك طريق مضغ الكلام ولا يقدم اي دليل علمي، وإنما الغرض تشكيك في المصادر الصحيحة المتلقاة بالقبول والتي نقلت لنا أحاديث رسول الله صلى الله عليه وسلم.