ابني مدمن كرطون، ماذا أفعل؟
الحبيب عكي
هوية بريس – الإثنين 08 يونيو 2015
“أنا أم لبنت وولد، الطفل هو الأصغر وهو الآن بين الخامسة والسادسة من عمره، يذهب إلى روض الحي بالكاد، ومشكلتي معه أنه مدمن كرطون، عليها يصبح وعليها يظل وعليها يمسي، وحده يسيطر على “التليكوموند” ويحرم أخته الكبرى من متابعة قناتها الإنشادية الرائعة، بل يحرمني أنا من متابعة الأخبار وبعض البرامج النسوية والمدبلجات.
وقد بلغ به الإدمان أنه يتابع العديد من الرسوم المتحركة في العديد من القنوات في نفس الوقت، حتى المعاد منها يحفظ بعضها ويتكلم لغتها معنا ومع من يزورنا من الأقارب، وكأن الجميع شخصيات وهو بطلها: “وإذا تفرج فعن قرب، وإذا أبعد عاد ليقترب أكثر، وإذا أزعج صاح بعنف، وإذا رفض فبقبح، وإذا بكى فبصراخ، وإذا أخذ من أخته فبعدى، وإذا ضربها أوجعها وأبكاها، وإذا قفز فمن اللحاف علينا، وإذا أعطى الماعون فبقذف، وإذا لعب فبإزعاج، وإذا هلوس فبالرسوم.. أنا جائع.. أنا جائع ولو نام شبعان”، الرسومات يؤثرها على كل شيء من تعلم الكتابة والقراءة والرسم والحساب وكل ما يمت بصلة إلى الورق والقلم والكتاب، وغير ذلك مما يوصينا عليه أبوه المنشغل في عمله وتنقلاته كثيرا من العاصمة إلى الضواحي، لعله يتمكن من استكمال بناء منزلنا الجديد، وبالمناسبة فالولد لا يخاف ولا يحترم أحدا غيره؟.
الطفل يصدق أنه “فولترون” و”بوكيمون” و”إيكوسان” رغم أنه كسول في الدراسة كما نقول له وإن لم يكن كذلك في الروض، فمستواه لا بأس عليه ومعدلاته فوق السبعة، وقد شكوت أمره إلى مربية الروض ذات مرة، فقالت لا تهتمي إنه مازال صغيرا وإن أطفال اليوم كلهم كذلك، لا يعجبهم شيء عندي في الروض بقدر ما تعجبهم سينما الرسوم المتحركة على “Datashow” وهم لا يعرفون حتى أسماء الحيوانات والنباتات الواردة في قصصها، لا أخفيكم أنا جد خائفة على مستقبل ابني الدراسي فأرشدوني”!!!
أرى أنه من المفيد للأمهات والمربيات عموما أن يكون لهن نوع من المفاهيم التربوية خاصة ما يتعلق بثقافة مراحل النمو عند الطفل وحاجياته وكيف يعبر عنها وكيف ينبغي أن نتعامل معها بشكل تربوي سليم وفق ما تقتضيه مفاتيح عالم الطفل ونظرية تعدد وتنمية الذكاءات، فمرحلة الرسوم المتحركة هي مرحلة الطفولة المبكرة (3-6 سنوات)، المرحلة التي ينمو فيها عند الطفل كل السحر والخيال على حساب التحليل والتعليل والمنطق، والطفل في هذه المرحلة كما يقول التربويون والنفسانيون يعيش مرحلة الحركة واللعب والتعبير عن الذات بشكل مخالف وقد يقوم بكل شيء أي شيء وإن أخطأ التعبير والمنطق في ذلك، وعلى الآباء والمربون أن يفهموا مقاصده ودوافعه ومعالجتها بما ينبغي من المواقف التربوية السلوكية الإيجابية والمناسبة.
وعليه يظهر أن طفلك سيدتي لا يعاني من غياب أبيه عن البيت فحسب بل انشغال أمه عنه أيضا وعدم تفهما له وعنايتها به خاصة كطفل خاص في بيئة خاصة، طفلك سيدتي ذكي أدرك بسرعة بيئته الخاصة وحتى بيئتنا ككل، بيئة تفضل الذكور على الإناث فأراد أن يكون ذكرا مختلفا عن أخته واختياراتها، وتفضل الأقوياء على الضعفاء فأراد أن يكون بطلا قويا بل مدمرا، بيئة تحتاج إلى رجل يسيطر على الأمور فأراد أن يكون هو ذلك الرجل في غياب أبيه، والرجل من لا يسمع كلام الآخرين ويجبرهم على طاعته وخدمته ورضاه ولابد للرجل الصغير أن يحقق ذلك، وكل ذلك ربما لأن هذا الابن يشكو من عدم إشباع حاجته العاطفية والنفسية والمادية، فتقربي سيدتي من ابنك كثيرا واحضنيه دائما حتى تكسبين وده وثقته ويتيقن بأنه أهم من انشغالاتك ويسهل التواصل بينكما، تواصل الحوار والإقناع والإشراك والمشاركة، لا تواصل الأمر والزجر والضرب والمقارنة واللوم والعقاب وكلها لا تدل إلا على الرفض، سيدتي لا تمزحي ولا تتعاندي مع طفلك وتقرين له بالكسل فبالأحرى أن تعيريه بما ليس فيه فتكوني سببا بأن يكون كذلك، التربية كما يقال علاقة ومعرفة وتعزيز سلوك إيجابي ومحاربة سلوك سلبي حتى يشتد عود النشوء ويبلغ أفضل دراجات الكمال الممكن، و%70 من التربية كلها في العلاقات لذا لا خيار لك من ربحها، ثم إذا لم نستطع غرس الإيجابي من المفاهيم والسلوكات في أبنائنا فلا أقل من ألا نعزز فيهم السلبي منها؟، لابد أن يشعر طفلك بأنه مقبول ومحبوب لأنه طفلكما قبل كل شيء وأنه ولد للرضا عنه والعناية به لا للسخط والتشكي والحرمان، وهذا لا يعني في شيء إقراره على أخطائه ولكن كيف إذا كانت هناك أخطاء فعلا.
طفلك سيدتي في مرحلة يريد التعرف فيها على العالم، ومع انشغالك لم يجد ما يشفي غليله في هذا الصدد ولا ما يرشده لاجتياز هذه الغابة إلا الرسوم المتحركة والقنوات الفضائية فأدمنها؟؟. ولا سبيل لإنقاذه من ذلك إلا قدر ما تستطيعين إشباع نفسه والإقرار له بأنه ذكي بما تعرف في سن مبكرة على تقنية تشغيل التلفاز حتى لو خبأتم عنه “الرومط”، وبأنه قوي وبطل بقدر ما سيتعلم من واجبات الحياة كما تعلم غيرها، ولن يتأتى لك هذا إلا بقدر ما ستستطيعين توجيه قناعته إلى القدوات الحسنة الحقيقية وأنها ليست في كل ما يروج له الإعلام، وستنقذين طفلك بقدر ما ستستطيعين تعويض الرسوم المتحركة بما يخدم هذه الاتجاهات التربوية المفيدة بمتعة واستفادة، في جلسات عائلية حميمية على مائدة القصص الشيقة المثيرة، والحوارات الجماعية الهادفة يتساوى فيها الذكور والإناث كما الكبار والصغار، وحتى الرسوم المتحركة إذا كانت مختارة مع مناقشتها واستخراج فضائلها القيمة من رذائلها السيئة، واتخاذها أرضية للتعلم كالرسم والتلوين والحساب وكتابة قصة أو إتمامها أو التعبير الدرامي والأناشيد والحكايات والأحاجي وتبادل الأدوار..، وبدائل تربوية أخرى كالتنشيط التربوي أو لعبة جماعية أو خرجة ترفيهية أو تسوق أو زيارة عائلية..؟؟
سيدتي لابد أن يكون للبيت نظام تدبيري توافقي، وينتخب أفراد الأسرة من يسهر على تطبيقه واحترامه وحبذا لو كان من الصغار خاصة من لديهم استعداد لخرقه، سيدتي ما معنى أن يكون التلفاز مفتوحا في البيت من منبت الأحرار إلى منبت الأحرار، والفضائيات لا منبت لها ولا أحرار؟، ما معنى أن يكون التلفاز في غرفة مشرعة الأبواب؟، وأن تكون أداة التحكم فيه في متناول الأطفال ومنذ الصباح الباكر؟، ما معنى أن يسيطر عليه أحد دون الآخرين؟، ما معنى أن يتفرج معك الأبناء في مدبلجات “أين أبي” و”أنت أو لا أحد” أي كرطون بعد هذا الكرطون وأي ضياع بعد “سنوات الضياع”؟، ما معنى أن يقترب الولد من التلفاز بشكل يضر بعينيه؟، هل يكون الرجل رجلا والبطل بطلا بالعلم والعمل والأخلاق والعدل أم بالجهل والقوة والتجاوزات؟.
ما معنى أن الأب مشغول ولا يشارك في تربية الأبناء ولو بالإشراف والتوجيه والاتفاق المبدئي على النهج والمنهاج التربوي؟، هل بناء المنازل أهم من بناء الأبناء وهل تربية حتى العجول اولى من تربية الفحول؟، أهناك في زمن الهواتف المحمولة أهم من الأبناء ولو في يوم الجمعة وآخر الأسبوع؟، أم هناك مسوغ لتركهم على أخطائهم وانحرافاتهم وقضاء حوائجهم المادية والنفسية والتي لا تستوي نفسياتهم ولا تنضج شخصياتهم بدون العناية الأبوية كليهما، ولابد من استثمار احترام الولد لأبيه ليعطي توجيهاته وتحرصين على تذكير الأبناء بها واحترامها، وإلا ستعاني من العصيان والمخالفة الأسرة والمجتمع ككل؟؟.
وأخيرا، همسة في أذن المربيات والأمهات والساهرين على التنشئة الاجتماعية على السواء، فلا ينبغي بحكم ظروف البطالة وتأخر الزواج وقساوة العيش أن يتعاطى للتربية من هب ودب، التربية ليست مجرد فتح مآراب ومرافقات يجبن الأزقة او حتى إقامات وإشهارات وحافلات نقل تجبن الأحياء، مع جهل مطبق في النظريات التربوية والطرق التواصلية بين المربية والطفل وبينها وبين الأسرة وبين الأطفال أنفسهم، عالم الطفل ومفاتحه وذكاءاته ومشاكله المظاهر والمؤشرات دلالاتها وكيف تحدث وعلاجاتها وكيف تحل، لا تربية في سيادة بعض التهريج الذي قد نسميه تجاوزا باللعب والترفيه، في كون جل مادة الروض مجرد الألعاب الإلكترونية والرسوم المتحركة بشاشات سينمائية، بين اللعبة واللعبة لعبة وبين الرسوم والرسوم رسوم، وبجرعات زائدة على حساب كل الحاجيات الأخرى للطفل الدينية منها والفنية والذوقية والحسية والحركية والنفسية والفكرية والأخلاقية والوطنية.. “أدبه سبعا”، أضف إلى ذلك أننا لا ننتج من أناشيدنا ولا ألعابنا ولعبنا ولا رسوماتنا شيئا مما يجعلنا مجرد مستهلكين لوسائط غيرنا والتي تروج لمبادئ وقيم تصادم في الغالب قيمنا الوطنية ومبادئنا الحضارية؟؟.سؤال عريض لابد أن نعيد طرحه بكل التفاصيل.. الطفل والكرطون، هل هو مجرد ترفيه وتسلية، أم تغريب وتربية بالنيابة تزيد همومنا وتعمق أزمتنا التربوية؟، كم يستهلك الكرطون من أوقات الأطفال على حساب ما هو لهم أفيد وأجدى حتى من الواجب الأسري قبل المدرسي؟، كم يستقي الأطفال من الكرطون، الخرافي من الأحلام والبذيء من الكلام والمائع من المشاعر والمعوج من السلوك والمسرف من الاستهلاك..؟، لماذا يعجب الكرطون الأطفال وماذا يستفيدون منه وماذا يفقدون في غيابه؟، ما الذي يدفعهم للاستسلام له والخشوع أمامه ومن أجله يسمحون في المأكل والمشرب وما تبقى من اللمة العائلية؟، ما هي البدائل الأسرية والاجتماعية الحميمية والانسانية الحكيمة والناضجة؟ ماذا ننتج من الكرطون المفيد لأطفالنا حتى في مدارسنا وجمعياتنا ومخيماتنا؟، كيف نواكبهم على الأقل في اختياراتهم الكرطونية والقنوات الفضائية وفرجتهم؟، كيف نحميهم مما يزخر به الكرطون من العنيف والمستلب من المدبلجات والحلقات والمنحرف من الرؤى والأفكار والمدمر من الأفعال والتصرفات، وليس في هذا قيد حرية ولا وصاية أذواق ومن حقوق الطفل كما هي متعارف عليها دوليا الحماية والرعاية والتوجيه؟، ولاشك أن ذلك ما تقتضيه على الجميع دفاتر تحملات التربية على المواطنة والتنشئة الاجتماعية ألا وهو: “حماية الجمهور الناشئ.. حماية الجمهور الناشئ”؟؟