دروس ما بعد جائحة كورونا
هوية بريس – حسن فاضلي أبوالفضل
مقدمة
بعد انفراج الأزمة وتجاوز المحنة سنجد أن الدول والحكومات والشعوب صنفان أمام آثار هذه الجائحة؛ صنف فهم الدرس واستوعب الأزمة ووضع خططا للتخفيف من آثارها والاستعداد لما شابهها مستقبلا، وصنف ثان غير آبه بما حلّ به ولا بما سيحل به مستقبلا، فهو لن يأخذ درسا من هذه الجائحة ولن يستعد للتغيرات والتطورات التي ستحصل بعدها سواء ما تعلق منها بالسياسة أو الاقتصاد أو العلوم أو غيرها، وتخفيف آثار هذه الأزمة مرهون بطبيعة الدروس التي ستخرج بها كل دولة من هذه الجائحة، منها:
الدرس الأول : ضرورة إعادة ترتيب الأولويات
لقد ظهر جليا أن البلدان النامية(العالم الثالث) هي أكثر البلدان تأثرا بالأزمات والمصائب والجوائح التيتحل بها، وهي أكثر البلدان هشاشة وأقلها استعدادا وانفاقا فيما يتم به التخفيف من آثار مثل هذه الجوائح، وذلك لأسباب؛أولا: لأنها بلدان أكثر مايشغلها في الحاضر والمستقبل هو تثبيت العروش والإبقاء على السلالة الحاكمة وتعيين المسؤولين على أساس الولاء لا على أساس الكفاءة، ثانيا: لأنها تسعى بكل وسائلها التعليمية والإعلامية والاجتماعية والسياسية والعسكرية إلى بناء إنسان يوافقها في نمط تفكيرها ويعينها على ذلك، وغالبا ما يكون هذا الإنسان تافها ولا دور له في النهضة والمعرفة والتطور، ثالثا: رؤية السلطة الحاكمة لنفسها ولشعبها/رعيتها؛ فهي ترى نفسها صاحبة حق مقدس أصيل يعلو بها عن النقد والمعارضة والنصح والتوجيه، وترى في رعيتها مجموعة ناس منزوع منها حق التصرف بالموارد والثروات والمقدرات وتحديد المصير.
إن دولة بهذا الشكل وسلطة بهذا الوصف لا تقوى على حماية نفسها وشعبها في حالة الشدة، وهذا الاختبار العسير جعل إعادة ترتيب الأولويات حاجة ملحة وأمرا ضروريا، تحتل فيه المعرفة مركز السبق وينال فيه العلم وأهله أعلى الدرجات؛ ذلك أن نهضة أي مجتمع تبدأ بترسيخ أسس العلم والمعرفة. فهذه اليابان – مثلا- في عصر الميجي جعلت رهانها المعرفي أحد مرتكزات النهضة “فقد وعت النخب الإصلاحية مركزية العلم والمعرفة في تأسيس انطلاقة جديدة لليابان، تستند على نمط التأسيس العلمي للنهضة، فلا يمكن لأي مجتمع أن يحقق نهضة حضارية إلا انطلاقا من أسس فكرية يشترك في تحقيقها ويتبناها -إما صراحة أو ضمنا- كافة أو غالبية أفراد المجتمع” (سلمان بونعمان، التجربة اليبانية،ص94).
لم تكن السلطة في دول العالم الثالث تولي أهمية للعلوم والبحث العلمي، عكس ما حدث من توسيع دوائر الأمن والضبط والتضييق، فإن بُعد الهوة بين السلطة والشعب واتساع الخلافات التاريخية والسياسية التي تلت الخروج العسكري للمحتل، جعلت الهاجس الأمني يسيطر على السلطة وشخصياتها. ولذلك رأينا حجم الإنفاق على الأجهزة الأمنية من مرتبات ومعدات وتجنيد عملاء سريين …إلخ. هذا الأمر يعكس التخوف الكبير من الجماهير والشعوب وفقدان الثقة فيها.
الدرس الثاني: تهاوي كتلة الاتحاد الأوربي
إن الدول (المتقدمة)والمجتمعات (المتحضرة) تبدي استعدادها للتعاون والتماساك حين يكون الخصم موحدا أو مشتركا أو مختلفا عنها عقديا أو حضاريا أو عرقيا…حينها ترى أنواعا من التضامن و أشكالا من المساعدات، ويكون عدُّ مصلحة الغير من مصلحة الذات، وحماية منجزاته ومقدراته من حماية منجزات الذات ومقدراتها، سواء كان ذلك بالقوة والسلاح أو بالسياسة والاقتصاد أو بالإعلام والدعاية أو بالمكائد والاغتيالات …وكل ذلك حاصل مع احتلال الشمال الإفريقي وقبله مع سقوط الإمبراطورية العثمانية.
أما حينما يكون الصراع مع خصم بيولوجي/ صحي خفي فإن تلك الدول تفقد شعاراتها وتظهر حقيقة الروابط التي كانت، والتي بدأت تتفكك وتتصدع في أوقات الشدة والحاجة هاته. وما تعانيه إيطاليا وغيرها في أيامنا هذه من شح في المساعدات الصحية والاجتماعية الضرورية، هو بداية تهاوي كتلة الاتحادي الأوربي وتفككه، بل إن مرحلة جديدة من الروابط والتحالفات الدولية ستبدأ،مرحلة تختلف كثيرا أو قليلا عما كانت عليه من قبل. فمن السابق لأوانه أن نتحدث عن خروج بعض الدول من جسم الاتحاد، غير أن الاستياء والغضب الشعبي الحاصل في بعض دول الاتحاد سيدفع حكوماتها إلى إعادة النظر في طبيعة الروابط التي تربط بين الدول الأعضاء، فقد ظهر أن تلك الروابط كانت مقتصرة على المعيار النفعي العولمي، مجردة من كل وازع إنساني.
في هذه الأوضاع العصيبة يكاد يسقط مفهوم الاتحاد الأوربي وتكاد تسقط معه صورة المواطن الأوربي الحر الذي يستطيع أن يجوب أوربا كاملة بوثيقة واحدة.
الدرس الثالث: وهْمُ حقوق الإنسان في الغرب
منذ أن ظهر “الإعلان العالمي لحقوق الإنسان” باعتباره مشتملا على الحقوق والحريات المشتركة التي ينبغي أن تنالها كل الشعوب والأمم في العالم، لم نرصد تراجعا كبيرا من الدول والحكومات والجماعات والأفراد في مستويات التعذيب والاضطهاد والتعسف والتمييز، سواء في الدول الأعضاء أو الدول غير الأعضاء. و إذا كانت المادة الثانيةمن هذا الإعلان تنص على أن ” لكل إنسان حق التمتع بجميع الحقوق والحريات المذكورة في هذا الإعلان دونما تمييز من أي نوع، ولاسيما التمييز بسبب العنصر، أو اللون، أو الجنس، أو اللغة، أو الدين…أو أي وضع آخر”، وإذا كانت عبارة (دونما تمييز من أي نوع)وعبارة(أو أي وضع آخر) تشمل نفي ورفض التمييز على أساس السن، فإن الدول الأعضاء ملزمة باحترام حق الحياة والحرية- وهي أعظم هذه الحقوق- للأفراد من دون تمييز على أساس السن.
لقد شاهدنا وسمعنا جميعا عددا من الدول الغربية في تصريحات غير مباشرة تشير إلى أن الأولوية في التطبيب والعلاج للفئات الشابة، بل رأينا في إيطاليا و إنجلترا كيف يُستبعد الشيوخ وكبار السن وكيف يُتركون لمصيرهم داخل المستشفيات، فيما يتم التركيز على الفئات الأصغر سنا .
أليس العجوز إنسانا ؟ ألا يُعدُّ ذلك تمييزا على أساس السن ؟ ألا يعتبر ذلك إهمالا لحق الحياة عند العجزة وكبار السن ؟ هل ضاقت الدول (المتقدمة) ذرعا بعجزتهاوكبار السن ؟؟؟
لقد خرج بعض المسؤولين في الولايات المتحدة الأمريكية بكلام يُفهم منه إجمالا أنه على كبار السن الاستعداد للتضحية من أجل اقتصاد البلاد، كأنه لم يعد لوجودهم كبير أهمية وما هم – عندهم –إلا جماجم فوقها جلود تمتص خزينة الدولة، وتزاحم الشباب في الخدمات الصحية والاجتماعية، ثم وقت الحاجة لا فائدة منهم…هكذا ينظر الغرب لشيوخه .
خاتمة
لقد حان الوقتلدول وحكومات وشعوب العالم الثالث أن تتجرأ شيئا ما وتعيد النظر في أولوياتها، و آن الأوان للسلطات الحاكمة في هذه البلدان أن تتخلص شيئا ما من هاجسها الأمني ومن شرط الولاء في تولية المناصب والمسؤوليات. وإن هذا الوقت مناسب أيضا للقطع مع التبعية الاقتصادية والسياسية والثقافية والفكريةلدول الاحتلال، فقدكشف هذه المرحلة عن كفاءات وطنية في مختلف التخصصات، قادرت على النهوض وتطوير وتنمية بلدانها .