حالنا مع الدين وواقعنا مع التدين
هوية بريس – محسن حميدة بن محمد
يعتبر الدين والتدين أمران ضروريان في حياة الإنسان، فلم يعرف في الزمن القديم ولا الحديث ، مجتمعا دون دين يدين به، سواء كان دينا سماويا أو طبيعيا مثل عبادة الحجر والشجر…فالإنسان بطبعه يحتاج إلى الغذاء الروحي الذي يريح نفسه ويكبح جماحها. ولا يتحقق هذا إلا بدين.
فالدين هو النسق الذي ينظم أقوال وتصرفات الأفراد، ويحمي ويرسخ ثوابت ومقدسات المجتمع، خاصة اذا كان تدين
مقال الأفراد نابع من دين صحيح عدل جاء ليسموا بالبشرية ويحررها من العبودية والظلم، إلى الحرية والعدالة، والسلم والسلام.
لكن حالنا مع الدين اليوم، تحول من النصب إلى الخفض، من المعرفة بتراثنا الديني، إلى نكرة مصحوبة بسياق النفي والتشكيك، في ثوابتنا ومقدساتنا الدينية، أصبح الكل يدعي الفهم والفقه في الدين، يضعف ويصحح، ويحسن ويقبح، ويعدل ويرجح وفقا لهواه.
أصبح الكل يتجرأ على القول برأيه في كلام الله ورسوله، بلا علم ولا استحياء، ظنا منهم أن النص الديني، مستباح يفهمه الجميع، دون شرط أو قيد.
فبعد أن كان العلماء مع قدهم وقدرهم يخشون الفتو ى والاجتهاد، مخافة أن يجانب رأيهم الصواب ، أو القول في كتاب
الله وحديث رسول الله مالا يصح، ظهر بيننا من يشكك في الصحيح الثابت، ويطعن في القدوة الصالحة.
أما واقعنا مع التدين، فقد تحول من الفعل الصحيح إلى الفعل المعتل حيث أصبح تديننا محصورا في بعض جوانب الدين، كصلاة الجمعة، وصيام رمضان، وذبح الاضحية أو اللحية والقميص والسواك…
في زماننا أخذ من الدين المظهر الخارجي، أما الجوهر فبعيد عنا كل البعد.
معاملاتنا مع بعضنا البعض قاسية كالحجر وصلبة كالحديد.
لم نمتثل فيها لأمر ربنا القائل “وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ” ومع غيرنا من أصحاب الديانات الأخرى، أشد قساوة تنفر عوض أن تحبّب، وتبعّد أكثر مما تقرب.
مقال لم نمتثل لأمر ربنا القائل “ٱدْعُ إِلَىٰ سَبِيلِ رَبِّكَ بِٱلْحِكْمَةِ وَٱلْمَوْعِظَةِ ٱلْحَسَنَةِ وجادلهم بِٱلَّتِى هِىَ أَحْسَنُ” أمرنا بالإحسان في المجادلة، فكيف لا نحسن في المعاملة!
لقد أصبح واقعنا يشكل انفصاما وتناقضا بين الدين والتدين فالدين بنصوصه المقدسة وتعاليمه السامية النبيلة يدعوا إلى المعاملة الحسنة، والمحبة، والتعايش، والسلم والسلام، والقيم والأخلاق بين أفراده بصفة خاصة، وبين العالمين بصفة عامة.
وفي المقابل نجد المتدينين لا يمثلون أي قيم من قيم دينهم، لا في معاملاتهم ولا في أخلاقهم، أصبح الدين لا ينعكس على شخصية معتنقيه.
لأن أفعال المتدينين مباينة لأقوال وتعاليم دينهم، وبذلك تزداد الفرقة في واقعنا بين الدين والتدين.
وأخيرا يمكن القول أن الدين يجب أن يظهر على شكل سلوكات وأفعال وقيم واخلاق في حياة المتدين.
فالدين مقاربة نظرية مبني على قيم وأخلاق ….
والتدين مقاربة تطبيقية للدين، فالدين يظهر في سلوك ومعاملة المتدين والتزامه بقيم وأخلاق الدين الذي يدين به.
فالدين والتدين متلازمان مترابطان إذا انفصل أحدهما عن الأخر نتج عن ذلك خلل وانفصام.