رمضانيات (1436هـ).. أحكام وتربية وسلوك
هوية بريس – متابعة
السبت 20 يونيو 2015
إلى كل من أراد مضاعفة الأجر والثواب في رمضان نيات يستحب استحضارها في هذا الشهر الكريم
ليس قصدنا في هذا المقال الحديث عن المبحث الفقهي من استحضار النية في رمضان، وهل يكفي المسلم استحضار النية للشهر كله أو يلزم استحضار النية لكل يوم على حدة؟ وإنما نقصد بالذات المبحث السلوكي من استحضار نيات متعدد لعبادة واحدة، بغية تكثير الأجر والثواب، مصداقا لقول الصادق المصدوق صلى الله عليه وسلم في الحديث القدسي: “إذا تحدث عبدي بأن يعملحسنة فأنا اكتبها له حسنة“ صحيح مسلم، وقوله صلى الله عليه وسلم: “إنما الأعمال بالنيات وإنما لكل امرئ ما نوى“متفق عليه.
نيات الصيام
1- يقول صلى الله عليه وسلم: “يقول الله عز وجل: كل عمل ابن آدم يضاعف الحسنة بعشر أمثالها إلى سبعمائة ضعف، إلا الصوم فإنه لي وأنا أجزى به، يدع شهوته وطعامه من أجلي“رواه مسلم.
2- قال صلى الله عليه وسلم: “الصيام والقرآن يشفعان للعبد يقول الصيام: رب منعته الطعام والشراب في النهار فشفعني فيه، ويقول القرآن: رب منعته النوم بالليل فشفعني فيه فيُشفعان“رواه أحمد.
3- قال صلى الله عليه وسلم: “ما من عبد يصوم يوماً في سبيل الله إلا باعد الله بذلك اليوم وجهه عن النار سبعين خريفا“متفق عليه.
4- قال صلى الله عليه وسلم: “إن في الجنة باباً يقال له الريان، يدخل منه الصائمون يوم القيامة…“متفق عليه.
5- قال صلى الله عليه وسلم في الحديث القدسي: “للصائم فرحتان فرحة عند فطره وفرحة عند لقاء ربه“رواه مسلم.
6- قال صلى الله عليه وسلم: “ولخَلُوفُ فيه أطيب عند الله من ربح المسك“رواه مسلم.
7- قال صلى الله عليه وسلم في صيام النافلة: “وما يزال عبدي يتقرب بالنوافل حتى أحبه“رواه البخاري.
8- التضييق على الشيطان في التمكن من الإنسان قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:“إن الشيطان يجري من ابن آدم مجرى الدم“.رواه البخاري، والصيام يضيق مجرى الدم في الإنسان فتضيق بالتالي على الشيطان في شهر رمضان.
9- قال صلى الله عليه وسلم: “من صام رمضان إيماناً واحتساباً غُفِرَ له ما تقدم من ذنبه“متفق عليه.
10- حصول التقوى، قال الله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ} البقرة.
11- قال صلى الله عليه وسلم في الحديث القدسي:“وما تقرب إليّ عبدي بشيء أحب إليّ مما افترضت عليه“رواه البخاري.
12- قال تعالى: {إِنَّمَا يُوَفَّى الصَّابِرُونَ أَجْرَهُم بِغَيْرِ حِسَابٍ} الزمر.
والصوم فيه أنواع الصبر الثلاثة: صبر على طاعة الله وصبر عن معصية الله وصبر على أقدار الله، ما يصيب المؤمن من العطش والكسل والملل ما يتألم ويتأذى به ولكنه صابر لأن ذلك في مرضاة الله تعالى.
13- قال تعالى: {وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا وَإِنَّ اللَّهَ لَمَعَ الْمُحْسِنِينَ} العنكبوت، فمن أحسن فيما أمر الله أعانه الله ويسَّر له أسباب الهداية والطرق الموصلة لله عز وجل{إِنَّ اللّهَ لاَ يُضِيعُ أَجْرَ الْمُحْسِنِينَ} التوبة.
كل هذه نيات يلزم المسلم استحضارها حال صيامه،رجاءتحصيل أكبر قدر ممكن منالحسنات في هذا الشهر المبارك الذي يضاعف فيه الأجر والثواب، ويعظم فيه الوزر والعقاب.
أحكام تخص الصيام يحتاجها كل مسلم
إبراهيم الصغير
الصيام: هو التعبد لله تعالى بترك المفطرات من طلوع الفجر إلى غروبالشمس، وهو رابع أركان الإسلام الخمسة، لقول النبيصلى الله عليه وسلم: “بني الإسلام على خمس: شهادة أن لا إله إلا الله، وأن محمداًرسول الله، وإقام الصلاة، وإيتاء الزكاة، وصوم رمضان، وحج البيت الحرام” متفق عليه.
من أحكام الصيام
– النية: (النية محلها القلب، والتلفظ بهابدعة، وإن رآها الناس حسنة).
إذا ثبت دخول رمضان بالرؤيةالبصرية، أو الشهادة، أو إكمال العدة، وجب على كل مسلم مكلف أن ينوي صيامه فيالليل، لقوله صلى الله عليه وسلم: “من لميبيت الصيام من الليل فلا صيام له” إرواءالغليل 914، وقوله صلى الله عليه وسلم: “من لم يُجمِع الصيام قبل الفجر فلا صيام له” صحيح أبي داود، وتبييت النية مخصوص بصيام الفريضة؛ لأن الرسول صلى الله عليه وسلمكان يأتي عائشة في غير رمضان، فيقول: “هل عندكم غداء؟ وإلا فإنيصائم” مسلم.
ومن أدرك شهر رمضان وهولا يدري، فأكل وشرب، ثم علم فليمسك، وليتم صومه، ويجزؤه ذلك.
وقتالصوم
قال تعالى: “وَكُلُواْ وَاشْرَبُواْ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُالأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الأَسْوَدِ مِنَ الْفَجْرِ” البقرة، عن سهل بن سعد رضي الله عنه قال: “لما نزلت هذه الآية: “حَتَّى يَتَبَيَّنَلَكُمُ الْخَيْطُ الأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الأَسْوَدِ”؛قال: “فكان الرجل إذا أراد الصوم؛ ربط أحدهم في رجليه الخيط الأبيض والخيط الأسود،فلا يزال يأكل ويشرب حتى يتبين له رؤيتهما، فأنزل الله بعد ذلك “مِنَ الْفَجْرِ”، فعلموا أنما يعني بذلك الليل والنهار”. البخاري ومسلم.
السحور
قال تعالى: “يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَىالَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ” البقرة، فكان الوقت والحكمعلى وفق ما كتب على أهل الكتاب أن لا يأكلوا، ولا يشربوا، ولا ينكحوا بعد النوم، أي: إذا نام أحدهم لم يطعم حتى الليلة القابلة، وكتب ذلك على المسلمين، فلما نُسخ،أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم بالسحور تفريقاً بين صومنا وصوم أهلالكتاب، قال صلى الله عليه وسلم: “فصل ما بين صيامنا وصيام أهل الكتاب أكلةالسحر“صحيح الجامع 4207.
والسحور بركة؛لأنه اتباع للسنة، ويقوي على الصيام، وفيه مخالفة لأهل الكتاب.
قال رسول اللهصلى الله عليه وسلم: “تسحروا فإن في السحوربركة” البخاري ومسلم.
ومنأعظم بركات السحور أن الله سبحانه وملائكته يصلون على المتسحرين لقوله صلى الله عليهوسلم: “السحور أكلهبركة فلا تدعوه، ولو أن يجرع أحدكم جرعة من ماء فإن الله وملائكته يصلون علىالمتسحرين”.
تنبيه: إذا أذن المؤذن وفي يدك كأسمن ماء أو كنت تأكل الطعام؛ فكل واشرب هنيئاً مريئاً؛ لأنها رخصة من أرحم الراحمينعلى عباده الصائمين. انظر: صحيح الترغيب 1062.
الإفطار
تعجيل الفطر من سنة النبيصلى الله عليه وسلم وفيه مخالفة اليهود والنصارى، فإنهم يؤخرون، وتأخيرهم لهأمد، وهو ظهور النجم قال صلى اللهعليه وسلم: “لا يزالالدين ظاهراً ما عجل الناس الفطر؛ لأن اليهود والنصارى يؤخرون” صحيح الترغيب 1067.
وقال صلىالله عليه وسلم: “لايزال الناس بخير ما عجلوا الفطر” البخاري ومسلم.
قال الحافظ ابن حجر في الفتح (4/199): “من البدعالمنكرة ما حدث في هذا الزمان من إيقاع الأذان الثاني قبل الفجر بنحو ثلث ساعة،زعماً ممن أحدثه أنه للاحتياط في العبادة، وقد جرهم ذلك إلى أن صاروا لا يؤذنون إلابعد الغروب بدرجة -لتمكين الوقت زعموا-، فأخروا الفطر وعجلوا السحور، وخالفواالسنة، فلذلك قلَّ عنهم الخير، وكثر فيهم الشر، والله المستعان” اهـ بتصرف.
إذا كانالناس بخير؛ لأنهم سلكوا منهاج رسولهم، وحافظوا على سننه؛ فإن الإسلام يبقى ظاهراًوقاهراً، لا يضره من خالفه، وحينئذ تكون الأمة الإسلامية قدوة حسنة يتأسى بها،لأنها لن تكون ذيلاً لأمم الشرق والغرب، وظلاً لكل ناعق تميل مع الريح حيثمالت.
الفطر قبل صلاة المغرب، وعلى ماذا يفطر؟
عن أنس بن مالك رضي اللهعنه قال: “كان النبي صلى الله عليه وسلم يفطر على رطبات قبل أن يصلي، فإن لم يكنرطبات فتمرات، فإن لم يكن تمرات؛ حسا حسوات (جمع حسوة، وهي: الجرعة من الشراب) منماء” إرواء الغليل 922.
ماذا يقول عند الإفطار؟
قال رسول الله صلىالله عليه وسلم: “للصائم عند فطره دعوة لاترد” إرواء الغليل 903.
ومن الدعاءالمأثور عن رسول الله صلى الله عليه وسلم عند الإفطار: “ذهبالظمأ وابتلت العروق، وثبت الأجر إن شاء الله” إرواء الغليل 5920.
حذار من العصيان في شهر الصيام
كما أن الحسنات والقربات مضاعف أجرها في هذا الشهر الكريم؛ فكذلك الذنوب والمعاصي يضاعف فيها الوزر والإثم عن باقي شهور السنة، والسبب في ذلك: أن الاصطفاء والاختصاص موجب لمضاعفة الحسنات، ومضاعفة السيئات. ودليل ذلك النصوص الدالة على عظمته، وبيان عظم الثواب فيه، ورحمة الله عباده فيه، وفتح أبواب الجنة، وغلق أبواب النيران، وتصفيد الشياطين، واختصاصه بليلة هي خير ألف شهر، فالحسنات فيه إذن مضاعفة، وإذا ثبتت مضاعفة الحسنات فذلك دليل على مضاعفة السيئات أو تعظيمها، فالتضعيف في حال الاختصاص والاجتباء يكون في الحسنات، ويكون في السيئات.
ثم إنه قد نص الدليل على عظم الذنب في رمضان، فإن النبي صلى الله عليه وسلم رأى قوما معلقين بعراقيبهم، مشققة أشداقهم، تسيل دماؤهم، فسأل عنهم؟ فقيل له: “الذين يفطرون قبل تحلة صومهم” (صحيح الترغيب 1/420).
وقد أمر النبي صلى الله عليه وسلم الرجل الذي وقع على امرأته نهار رمضان بأعظم الكفارات، وهي كفارة القتل والظهار: عتق رقبة، فإن لم يجد، فصيام شهرين متتابعين، فإن لم يستطع فإطعام ستين مسكينا، وغلظ الكفارة من غلظ الذنب، وقد استوجبها لما واقع حليلته (زوجته) في نهار رمضان، في الوقت المحرم، فدلَّ هذا على أن الذنب في رمضان ليس كغيره، وإذا كان هذا التشديد والوعيد والعقوبة في حق من انتهك الشهر مع حليلته، فكيف بمن انتهكه مع حليلة جاره أو مع أجنبية أو بغي عياذا بالله تعالى!!
وكيف بمن يقضي شهر رمضان في متابعة الأفلام والمسلسلات أو سماع الأغاني ومشاهدة الكليبات؛ أو القذف والشتم والسب وكل ما يغضب الرب سبحانه؛ ومهما يكن الأمر فإن المسلم المستمسك بدينه المعتصم بحبل الله تعالى المتين لن يضل في معرفة الحلال والحرام، فثمة من يبين له حكم الله بصدق، فهذا شاهد، وشاهد آخر يجده في نفسه، مهما اختلف الناس، ومهما كثر المتحايلون، لقول النبي صلى الله عليه وسلم: “..الإثم ما حاك في صدرك، وكرهت أن يطلع عليه الناس”.
فالفطرة الصحيحة والقلب السليم يدل صاحبه على الحق مهما تنازع الناس، فالحلال بيّن، والحرام بيّن، والسنة جلية لا يزيغ بعدها إلا هالك.
حال السلف والخلف مع القرآن في شهر القرآن
رمضان هو شهر القرآن، قال الله جل وعلا: “شَهْرُ رَمَضَانَ ٱلَّذِى أُنزِلَ فِيهِٱلْقُرْآنُ هُدًى لّلنَّاسِ وَبَيِّنَـٰتٍ مِّنَ ٱلْهُدَىٰ وَٱلْفُرْقَانِ فَمَنشَهِدَ مِنكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ وَمَن كَانَ مَرِيضًا أَوْ عَلَىٰ سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مّنْ أَيَّامٍ أُخَرَ يُرِيدُ ٱللَّهُ بِكُمُ ٱلْيُسْرَ وَلاَ يُرِيدُ بِكُمُ ٱلْعُسْرَ وَلِتُكْمِلُواْ ٱلْعِدَّةَ وَلِتُكَبّرُواْ ٱللَّهَ عَلَىٰ مَا هَدَاكُمْ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ” البقرة.
قال ابن كثير: “يمدح تعالى شهر الصيام من بين سائر الشهور بأن اختاره من بينهن لإنزال القرآن العظيم”.تفسير القرآن العظيم.
وقال ابن رجب الحنبلي: “وشهر رمضان له خصوصية بالقرآن كما قالتعالى: “شَهْرُ رَمَضَانَ ٱلَّذِى أُنزِلَ فِيهِٱلْقُرْآنُ”لطائف المعارف.
وعن ابن عباس رضي الله عنهماقال: كان النبي صلى الله عليه وسلم أجود الناس بالخير، وأجود ما يكون في شهر رمضان؛لأن جبريل كان يلقاه في كل ليلة في شهر رمضان حتى ينسلخ، يعرض عليه رسول الله صلىالله عليه وسلم القرآن، فإذا لقيه جبريل كان أجود بالخير من الريح المرسلة” البخاري.
قال ابن رجب معلقا: “دلَّ الحديث على استحباب دراسة القرآن فيرمضان والاجتماع على ذلك، وفيه دليل على استحباب الإكثار من تلاوة القرآن في شهررمضان” لطائف المعارف.
لو قلبنا صفحات التاريخ وتأملنا حال السلف مع القرآن في هذا الشهر المبارك لوجدنا عجباً، فقد كان عثمان رضي الله عنه يختم القرآن كل يوم مرة، وكان بعض السلف يختم في قيام رمضان في كل ثلاث ليال، وبعضهم في كل سبع، وبعضهم في كل عشر. فكانوا يقرؤون القرآن في الصلاة وفي غيرها.
وكان قتادة يختم في رمضان كل ثلاث، وفي العشر كل ليلة.
وكان الزهري إذا دخل شهر رمضان يفر من قراءة الحديث ومن مجالسة أهل العلم ويقبل على تلاوة القرآن من المصحف.
وكان سفيان الثوري إذا دخل رمضان ترك جميع العبادة وأقبل على قراءة القرآن.
وكان الإمام مالك رحمه الله إذا دخل عليه شهر رمضان أغلق على كتبه وأخذ المصحف ومنع الفتوى والمساءلة مع الناس. وقال: هذا هو شهر رمضان، هذا هو شهر القرآن، فيمكث في المسجد حتى ينسلخ شهر رمضان.
وكان الإمام أحمد بن حنبل رحمه الله الزاهد العابد إمام أهل السنة إذا دخل شهر رمضان دخل المسجد ومكث فيه يستغفر ويسبح وكلما انتقض وضوءه عاد فجدد وضوءه فلا يعود لبيته إلا لأمر ضروري من أكل أو شرب أو نوم، هكذا حتى ينسلخ شهر رمضان ثم يقول للناس: هذا هو الشهر المكفر فلا نريد أن نلحق به الأشهر الأخرى في المعاصي والخطايا والذنوب.
كان هذا هو حال سلفنا الصالح مع القرآن في رمضان. فما هو يا ترى حالنا في هذا الزمان مع القرآن في شهر القرآن؟
أحوالنا مع القرآن في رمضان أحوال عجيبة، ولئن كان بعض الناس لا زالوا متمسكين بما كان عليه سلفهم الصالح من العناية بالقرآن في هذا الشهر؛ فإن من الناس -وللأسف الشديد- من لا يعرف القرآن في رمضان ولا غير رمضان، ومنهم من لا يعرف القرآن إلا في رمضان، فتجده يقرأ القرآن في رمضان لعدة أيام ثم ما يلبث أن يترك القراءة وينكب على واللهو والباطل، ومنهم من يختم القرآن الكريم في رمضان ولكنه لاه القلب أعمى البصيرة لا يتدبر ولا يتأمل كلام الله عز وجل، وكأنه في سجن؛ فإذا انسلخ شهر رمضان وضع المصحف على الرف وأحكم عليه الوثاق ولسان حاله يقول: وداعاً إلى رمضان القادم.
هذا حالنا مع كتاب الله في رمضان، حال تأسف لها النفوس، وتندى لها الأفئدة، وتدمع لها العيون. تركنا كتاب الله، منهاج الأمة، وانكببنا على اللهو واللعب، ومشاهدة الأفلام والمسلسلات الهابطة التي تبث أنواعاً من السموم والشرور.
انكببنا على تحريك القنوات الفضائية لمشاهدة العاهرات والفاجرات، ومتابعة الملهيات والمغريات وكل ما يدعو إلى السيئات.
انكببنا على الأكل والشرب وكثرة النوم، فالليل لعب ولهو وسهر إلى طلوع الفجر، والنهار نوم إلى قبيل الغروب، والقرآن لا مكان له في القلوب، إلا من رحم الله، ولا حول ولا قوة إلا بالله.
فأين نحن من قول الله جل وعلا: “وَقَالَ الرَّسُولُ يَا رَبِّ إِنَّ قَوْمِي اتَّخَذُوا هَذَا الْقُرْآنَ مَهْجُوراً“، وأين نحن من قول المصطفى صلى الله عليه وسلم: “الصيام والقرآن يشفعان للعبد يوم القيامة، يقول الصيام: أي رب منعته الطعام والشهوة فشفعني فيه. ويقول القرآن: منعته النوم بالليل فشفعني فيه، قال: فيشفعان” رواه أحمد والطبراني وصححه الألباني.
أحاديث ضعيفة يستدل بها كثيرا في فضل رمضان
من الأحاديث الضعيفة والموضوعة التي تنشر على ألسنة الناس في شهر رمضان المبارك، حول صيامه وفضائله:
– حديث: “شهر رمضان شهر الله، وشهر شعبان شهري، شعبان المطهِّرُ، ورمضان المكفرُ“.
رواه ابن عساكر من حديث عائشة، والحديث أورده الألباني في ضعيف الجامع (3411) وقال ضعيف جدًا.
– حديث سلمان الفارسي الطويل: أن النبي صلى الله عليه وسلم إذا جاء رمضان قال لأصحابه: “أتاكم شهر رمضان.. إلى قوله: قد أظلكم شهر عظيم مبارك، جعل الله صيامه فريضة، وقيام ليله تطوعًا، من أتى فيه بخصلة من الخير كان كمن أدى فريضة فيما سواه، أو من أدى فريضة فيه كان كمن أدى سبعين فريضة فيما سواه، وهو شهر أوله رحمة، وأوسطه مغفرة، وآخره عتق من النار“.
وهو حديث ضعيف، في سنده علي بن زيد بن جدعان وهو ضعيف، بل قال فيه أبو حاتم: هذا حديث منكر.
– حديث “صوموا تصحوا” رواه ابن عدي في الكامل والطبراني في الأوسط، وهو حديث ضعيف وذكره الألباني في الضعيفة برقكم (253).
– حديث “نوم الصائم عبادة” رواه ابن منده من حديث ابن عمر، والبيهقي من حديث عبد الله بن أوفى، وضعفه الحافظ العراقي في تعليقه على الإحياء.
– حديث: “إن شهر رمضان معلق بين السماء والأرض لا يرفع إلا بزكاة الفطر“.
رواه ابن الجوزي في العلل المتناهية من طريق محمد بن عبيد البصري قال ابن الجوزي: محمد بن عبيد مجهول، والحديث ذكره الألباني في الضعيفة برقم (43).
– حديث: “من أحيا ليلة الفطر، وليلة الأضحى لم يمت قلبه يوم تموت القلوب“.
رواه الطبراني في الكبير والأوسط من حديث عبادة بن الصامت، وفي إسناده عمر بن هارون البلخي هالك.
وقد تابعه بشر بن رافع، وبشر متهم بالوضع، والحديث ذكره الألباني في الضعيفة برقم (520) وحكم عليه بالوضع.
– حديث: “من أفطر يومًا من رمضان في غير رخصة رخصها الله له، لم يقض عنه صيام الدهر كله، وإن صامه“. رواه أحمد وأبو داود، والترمذي، وابن ماجة والنسائي في الكبرى وغيرهم، كلهم من طريق حبيب بن أبي ثابت قال حدثنا أبو المطوس عن أبيه عن أبي هريرة.
قال الترمذي: لا نعرفه إلا من هذا الوجه، وسمعتُ محمدًا يقول: أبو المطوس اسمه يزيد بن المطوس، ولا أعرف له غير هذا الحديث، ولا أدري أسمع أبو من أبي هريرة أم لا. اهـ، وقد أعله الدار قطني في العلل.
– حديث: “رمضان بمكة أفضل من ألف رمضان بغير مكة“.
رواه البزار عن ابن عمر وضعفه الألباني في ضعيف الجامع برقم 3139، والسلسة الضعيفة (831).