ماذا بعد الدعاء بأن يرفع الله عنا بلاء “كورونا”
هوية بريس – د.أحمد اللويزة
عاش العالم بسبب وباء وكورونا ولا زال فترة عصيبة أحرقت الاعصاب،وحيرت العقول، وهزت الأفئدة، وغيرت المزاج واضطربت لها الانفس، وقلبت الحياة رأسا على عقب، وأصاب الناس من الهم والحزن والحرج ما أصابهم، قل او أكثر.
المسلمون أصابهم جزء من ذلك، وسبب هذا الداء محنه توجه أغلبهم الى الله بالضراعة والدعاء، ان يرفع عنهم هذا الوباء، الذي غير مسار الحياة، وعقد مسيرتها وأوقعهم في حرج لم يكن يخطر لهم على بال.
لكن هناك أسئلة كثيرة مطروحة وبإلحاح، ومنها؛ ماذا بعد كورنا؟؟
جوابا على هذا السؤال أقول:
الناس بعد كورنا فائز وخاسر…
ليس الخاسر هنا الذين ماتوا بكورنا.
وليس الفائزون اولئك الذين بقوا على قيد الحياة ولم يصل إليهم سيف الوباء.
انما الخاسر ذاك الذي عاد بعد كورنا الى سابق عهده، وتمادى في غيه،وانحنى لشهواته وأطلق العنان لملذاته، لم يغير فيه رعب الوباء ولا أزمة الحظر ولا الخوف ولا القيود شيئا، وكثير منهم كان في خضم الهلع والرعب والحضر سادرا في غييه، لم ير في ذلك آية من آيات الله ولا رسالة من اله الكون تقتضي منه ان يستفيق من غيبوبته، بل كان في نومة كنومة أهل الكهف او أشد، لم تقرع أذنه طبول الموعظة ولا أجراس الذكرى، صم بكم فهم لا يعقلون ولا يتعظون ولا يرجعون. نعوذ بالله من حال كهذا الحال.
بعد كورنا هؤلاء إما ان دار لقمان على حالها، او ان حليمة عادت الى عادتها القديمة، وهؤلاء هم الخاسرون الذين قال الله فيهم (فَلَوْلا إِذْ جَاءهُمْ بَأْسُنَا تَضَرَّعُواْ وَلَكِن قَسَتْ قُلُوبُهُمْ وَزَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطَانُ مَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ) (الانعام) وقوله ( ونخوفهم فما يزيدهم الا طغيانا كبيرا) (الاسراء) وغير ذلك من الآيات…فأولئكالاشقياء الذين لا يعتبرون بغيرهم.
واما الفائزون فهم الذين فهموا الرسالة، واستوعبوا الحدث وأدركوا العبرة،أولئك الاحرار الذين تكفيهم الاشارة، فغيروا من حياتهم واعادوا النظر في علاقتهم بربهم، وجددوا الصلة بخالقهم، وأعلنوا التوبة والانابة، مظهرين ندما على ما فات، وحزنا على التفريط والتقصير عاقدين العزم على العمل الصالح فيما هو آت، عادوا الى كتاب ربهم يقرؤونه ويتدبرونه ويعملون بما فيه،مستجيبين لمولاهم مطيعين له، ورجعوا الى سنة نبيهم يقرؤونها ويقتدون بها في الحياة طامعين في شفاعته، وورود حوضه، قطعوا مع الهوى والشيطان، وغيروا مسار الحياة وضبطوا عقارب ساعتها على توجيهات الكتاب والسنة، غير مبالين بانتقاد او اعتراض، غايتهم رضى الرحمان، ولا يهمهم رضى الانسان.
هؤلاء هم الفائزون لكنهم قليل، وقليل من عباد الله من يتعظ ويعتبر، وصدق الله حين قال بعد ذكر قصته هلاك فرعون (فاليوم ننجيك ببدنك لتكون لمن خلفك آيةوإن كثيرا من الناس عن آياتنا لغافلون) (يونس)، وقال سبحانه: (إن في ذلكلآية وما كان أكثرهم مؤمنين)(الشعراء).
لقد عشنا حالة فريدة عجيبة في واقع الناس؛ حيث الادعية والأذكار والابتهالات من هنا وهناك؛ من فوق الاسطح والشرفات والنوافذ، ورسائل الدعاء المكتوبة والمسموعة والمرئية تغزو مختلف الوسائط ووسائل التواصل، والألسنة تلهج بذلك من الرجال والنساء والكبار والصغار والعجائز والشيوخ، والعصاة والطائعين، ولم يخرج عن هذا اللفيف الا عصابة الملحدين وشرذمة العلمانيين أهل النفاق والشقاق.
كل الالسنة تلهج بالدعاء ترجو الله ان يرفع البلاء والوباء، وان ينزل رحمته وان ينشر عافيته، وهنا سؤال أيضا؛ ماذا بعد كل هذا الدعاء؟
هل من أجل ان تعود الحياة الى مجاريها بعجرها وبجرها؟
هل من أجل أن:
نعود الى الطواف بالأضرحة واقامة مواسم الشرك والنذر والذبائح لغير الله،الذي رفع عنا البلاء والوباء، اذ لم ترفعها ملايين الاضرحة والقباب.
او نعود الى السحر والشعوذة والكهانة والتنجيم والابراج ….
او نعود الى حالة الهرج والمرج، من التبرج والسفور، واختلاط النساء بالذكور في الاسواق المزدحمة، واختلاطهم عرايا في الشواطئ والمسابح والمصطافات.
او نعود الى مجالس الغيبة والنميمة والجلوس في الطرقات والمقاهي من اجل القيل والقال وتتبع العورات.
او نعود الى اقامة الحفلات والاعراس التي يختلط فيها الحابل بالنابل، وتتمايل فيها الاجساد العارية والمتبهرجة بين ذكور لم تعد إليهم رجولتهم بعد الوباء. ويسهر الناس على العصيان الى طلوع الفجر.
او تعود الملاهي والمراقص الى سابق عهدها، يجتمع فيها العصاة من كل حدبوصوب، يبيتون ليلهم يبارزون الله بالفحش والتفحش.
او نعود الى المخدرات والخمور والعربدة …
او تعود العواهر الى مهنة العهر وبيع العرض سرا وعلانية.
ويعود الشواذ ودعاة الإباحية والحريات الفردية الى النشاط من جديد.
او نعود الى الظلم واكل اموال الناس بالباطل، وعقوق الوالدين وقطيعة الرحم. والسرقة والحرابة، والنشل والاغتصاب والسكر والعربدة والمخدرات.
او نعود الى الربا والرشوة والقمار، والغش والخداع في المعاملات المالية، وكسب الحرام دون مبالاة ولا هوادة.
او نعود الى عالم الفضائح والقبائح وكوارث الاعلام والميديا.
او نعود الى الحروب والدمار……………..
انني وانا اعدد هذا الموبقات التي كانت سببا في ان يحل بنا ما حل بنا ونحن اهل لأشد من ذلك. فان غيرها كثير وكثير، ومن تأمل فيها وجدها قد اجتمعتفينا وقد تفرقت في الامم السابقة التي حل بها العذاب والنقم التي لا تبقي ولا تذر. والغاية من هذا السرد ايقاظ الغافلين حتى لا يأنسوا إلى الدعة والسكون بعد هذه المحنة، وان يغفلوا عن سنة الاستدراج، أوان يأمنوا مكر الله وتنسيهم رحمته الواسعة غضبه الماحق. لأن هذا قد حذر منه الله تعالى الذي بيده مقاليد الامور حيث قال سبحانه: (وَإِذَا أَذَقْنَا النَّاسَ رَحْمَةً مِّن بَعْدِ ضَرَّاءَ مَسَّتْهُمْ إِذَالَهُم مَّكْرٌ فِي آيَاتِنَا ۚ قُلِ اللَّهُ أَسْرَعُ مَكْرًا) سورة يونس.
فلذلك وجب التنبيه اشفاقا على هذه الامة حتى لا نكون كمن قال الله فيهم تبكيتاوذما (وَإِذَا مَسَّ الْإِنسَانَ الضُّرُّ دَعَانَا لِجَنبِهِ أَوْ قَاعِدًا أَوْ قَائِمًا فَلَمَّا كَشَفْنَا عَنْهُضُرَّهُ مَرَّ كَأَن لَّمْ يَدْعُنَا إِلَىٰ ضُرٍّ مَّسَّهُ ۚ كَذَٰلِكَ زُيِّنَ لِلْمُسْرِفِينَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ)(سورة يونس). وقال سبحانه (فَلَمَّا أَنجَاهُمْ إِذَا هُمْ يَبْغُونَ فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ ۗ يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّمَا بَغْيُكُمْ عَلَىٰ أَنفُسِكُم ۖ مَّتَاعَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا ۖ ثُمَّ إِلَيْنَا مَرْجِعُكُمْفَنُنَبِّئُكُم بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ) سورة يونس. والقرآن مليئ بالآيات التي تتحدث عن نكران رحمة الله التي نزيل بالناس بعد المحنة، وكفى بذلك خسة دناءة، فمن العيب والعار ان ندعو الله ان يرفع عنا البلاء لكي نعود الى العصيان والطغيان والانحراف، فان العاقبة لا تكون بخير. ولنتأمل تحذير القرآن لمن كان هذا شأنه ممن دعا الله ان يكف عنه البلاء ثم نكص وتنكر لفضل الله (وَإِذَا مَسَّكُمُ الضُّرُّ فِي الْبَحْرِ ضَلَّ مَن تَدْعُونَ إِلَّا إِيَّاهُ فَلَمَّا نَجَّاكُمْ إِلَى الْبَرِّ أَعْرَضْتُمْ ۚ وَكَانَ الْإِنسَانُكَفُورًا(67) أَفَأَمِنتُمْ أَن يَخْسِفَ بِكُمْ جَانِبَ الْبَرِّ أَوْ يُرْسِلَ عَلَيْكُمْ حَاصِبًا ثُمَّ لَاتَجِدُوا لَكُمْ وَكِيلًا (68) أَمْ أَمِنتُمْ أَن يُعِيدَكُمْ فِيهِ تَارَةً أُخْرَىٰ فَيُرْسِلَ عَلَيْكُمْ قَاصِفًا مِّنَ الرِّيحِ فَيُغْرِقَكُم بِمَا كَفَرْتُمْ ۙ ثُمَّ لَا تَجِدُوا لَكُمْ عَلَيْنَا بِهِ تَبِيعًا (69) فما اوضح القرآن وهو يكشف حقيقة الانسان. فالحذر الحذر.
فهذا بلاغ للناس وصيحة نذير وتحذير، وليس في كل مرة تسلم الجرة.