جهل العلمانيين بربِّ العالمين
د. رشيد نافع
هوية بريس – الثلاثاء 30 يونيو 2015
يظن البعض أن الجهل اختفى من واقع البشر لأننا في القرن الواحد والعشرين حيث هناك آلاف الجامعات والملايين مـن أصحاب الشهادات الجامعية، وآلاف المعاهد البحثية.. وأقول بداية أنا لا أتكلم عن العلم التكنولوجي من هندسة وطب وكيمياء…الخ، المتعلق ببناء المصانع والطائرات والمزارع والمستشفيات…الخ، بل أتكلم عن العلم الفكري المتعلق بالعقائد وحياتنا الاجتماعية والسياسية والاقتصادية، هذا العلم الذي يتعلق ببناء الإنسان.
إن الجهل لا يتم القضاء عليه بالجامعات والكتب والشهادات إذا كانت الاقتناعات التي تكونها يختلط فيها الحق بالباطل والصواب بالخطأ، وكذلك لا يتم القضاء على الجهل بمعرفة نظريات وأراء الفلاسفة والمفكرين لأنها أراء متناقضة ضائعة تختلط فيها الحكمة بالحماقة، والنور بالظلام، إن من لا يؤمن بوجود الله سبحانه وتعالى مع وجود الأدلة الكونية والمنطقية على وجوده وعظمته وعلمه وقدرته ورحمته… الخ هو إنسان شديد الجهل حتى لو حصل على أعلى الشهادات الجامعية، ومن لا يعرف ما الهدف من خلق الإنسان؟ وما جاءت به الرسل من مبادئ وأحكام وأخلاق؟ هو إنسان جهل أسباب سعادته وشقائه.
ومن يجهل كيف يبني أسرته على أسس صحيحة من العدل في الحقوق والواجبات سيكون إنسانا تعيسا، ومن لا يعرف كيف يتعامل مع مصائب الحياة ونعيمها ومع مجتمعه وما فيه من الخير والشر سيقع فريسة لليأس أو الغرور أو الأنانية أو الكراهية أو الحسد أو الانتقام أو المظاهر أو التبذير أو غير ذلك.
وهذه الثمرات المرة هي ثمرات الجهل، وهي أمور نشاهدها في حياتنا في كل يوم. إن العلم الفكري يتعلق بعلاقتنا مع الله سبحانه وتعالى وعلى أساسه نبني علاقاتنا مع طموحاتنا وشهواتنا ومصالحنا، وعلى أساسه نحدد موقفنا مما في هذا العالم من عقائد واقتناعات وأحداث وأفراد وأحزاب وحكومات… الخ.
ولاشك أبدا بأن أهم أنواع العلم الفكري هو معرفة الله سبحانه وتعالى بصفاته وأسمائه، ولماذا خلقنا؟ وما هي سننه في الكون؟ وهذا يسمى علم التوحيد، فمن لا يعرف أساسيات هذا العلم هو من أشد الناس جهلا.
ومن هنا ندرك جهل كثير من العلمانيين، حيث نجدهم يعرفون عن المال والتجارة والأفلام والملابس الكثير، ويعرفون الكثير عن فرنسا وتاريخها ومناطقها وقوانينها وأحزابها وصناعاتها …الخ، ولا يعرفون إلا القليل جدا عن الله سبحانه وتعالى وكتبه ورسله!
قال ابن تيمية: “إذا نظر في كلام معلمهم الأول.. أرسطو.. وتدبره الفاضل العاقل لم يفده إلا العلم بأنهم من أجهل الخلق برب العالمين، وصار يتعجب تعجبا لا ينقضي ممن يقرن علم هؤلاء بالإلهيات بما جاءت به الأنبياء”.
وقال أيضا: “وأما ما جاءت به الأنبياء فلا يعرفه هؤلاء ألبته، وليسوا قريبين منه، بل كفار اليهود والنصارى أعلم منهم بالأمور الإلهية، ولست أعني بذلك ما اختص الأنبياء بعلمه من الوحي الذي لا ينال غيرهم، فإن هذا ليس من علمهم، ولا من علم غيرهم، وإنما أعني العلوم العقلية التي بينها الرسل للناس بالبراهين العقلية في أمر معرفة الربّ وتوحيده، ومعرفة أسمائه وصفاته، وفي النبوات والمعاد، وما جاءوا به من مصالح الأعمال التي تورث السعادة في الآخرة فإن كثيرا من ذلك لم يشموا رائحتها ولا في علومهم ما يدل عليها”.