مسجد محمد الفاتح “آيا صوفيا” وتصحيح الوضع
هوية بريس – عزيز المحساني
على غير المتوقع أعلن القضاء التركي إعادة فتح مسجد محمد الفاتح “آيا صوفيا” بعد غلقه في وجه المصلين على ما يقرب من 85 سنة، وقد أبطلت المحكمة الإدارية العليا القرار القاضي بتحويله إلى متحف والصادر سنة 1935، وبذلك يكون الرئيس التركي رجب طيب أردوغان قد وفى بوعده الانتخابي الذي قطعه لمنتخبيه منذ نجاحه وفوزه برئاسة بلدية اسطنبول.
وبحسب تصريح وكالة الأناضول، رفعت جمعية معنية بحماية الأوقاف التاريخية دعوة لإلغاء استمرار مسجد “آيا صوفيا” كمتحف، وأن يعود كما كان قبل سنة 1934، واستمعت المحكمة الإدارية العليا للأطراف المعنية قبل أن يصدر قرارها يوم الجمعة.
وقال أردوغان في تصريحات لاحقة إن أول صلاة ستقام في “آيا صوفيا” ستكون يومه 24 يوليو، لكنه أكد أن المسجد سيظل مفتوحا للمسلمين والمسيحيين وكل الأجانب، مضيفاً أن تركيا مارست حقها السيادي في تحويله إلى مسجد وسوف تعتبر أي انتقاد لهذه الخطوة هجوما على استقلالها.
وقد أثارت هذه الخطوة والقرار السيادي والتاريخي للحكومة التركية ردود أفعال في الغرب الذي كان دائما يصر على الإبقاء على الوضع الذي صار إليه المسجد بمقتضى القرار الذي أصدره أتارتورك. وكانت أول ردود الأفعال من الجارة اليونان التي ترى نفسها الوريث الشرعي لتركة الامبراطورية البيزنطية. وقد جاءت ردة فعلها على لسان وزارة الثقافة اليونانية، التي عدت القرار التركي بخصوص المسجد استفزازا للعالم المتحضر الذي يعترف بالقيمة الفريدة والطبيعة المسكونة لهذا المعلم الأثري.
كما أبدى الاتحاد الأوروبي أسفه على هذا القرار على لسان كبير مسؤولي السياسة الخارجية بالاتحاد الأوروبي جوزيف بوريل الذي صرح بأن حكم مجلس الدولة التركي بإبطال أحد القرارات التاريخية لتركيا الحديثة، وقرار الرئيس أردوغان بوضع هذا الأثر تحت إدارة رئاسة الشؤون الدينية أمران مؤسفان.
وأعلنت مورغان أورتاجوس، المتحدثة باسم وزارة الخارجية الأمريكية في بيان لها أنها تفهم بأن الحكومة التركية ما زالت ملتزمة بالحفاظ على إمكانية وصول كل الزائرين لآيا صوفيا، وتتطلع للاستماع إلى خطط الحكومة التركية لمواصلة إدارة آيا صوفيا لضمان إمكانية وصول الجميع إليها دون عائق.
أما منظمة الأمم المتحدة للتربية والعلم والثقافة (يونسكو)، فقد صرحت أن لجنة التراث العالمي ستراجع موقف آيا صوفيا بعد أن أعلن الرئيس التركي أن المبنى الأثري في إسطنبول سيفتتح مسجدا. وعبرت عن أسفها من أن القرار التركي لم يكن محل نقاش ولم تخطر به مسبقا، ودعت السلطات التركية لفتح حوار دون تأخير لتجنب العودة للوراء في ما يتعلق بالقيمة العالمية لذلك الإرث الاستثنائي، والذي سيخضع الحفاظ عليه لمراجعة من لجنة التراث العالمي في جلستها المقبلة.
كما عبرت الكنيسة الأرثوذكسية الروسية عن أسفها لعدم إصغاء القضاء التركي إلى مخاوف ملايين المسيحيين. هذا بالإضافة إلى ردود الفعل في الداخل الإسلامي المرحبة في الغالب، والمنددة في الأقل لحسابات سياسية وإيديولوجية.
الحقيقة التي تغافل عنها الكثير بقصد في الغالب وعن جهل بتاريخ المسجد في الأقل، أن فتح مسجد السلطان محمد الفاتح (آيا صوفيا) ليس تحويلا له من كنيسة إلى مسجد كما يروج له بعضهم بنياتهم الحسنة الحسنة، بل إرجاع الأمر إلى نصابه الذي كان عليه إبان الدولة العثمانية، ولولا السلوك المتطرف الذي نهجه العلماني الحاقد على الإسلام كمال أتاتورك اتجاه المسجد بإقفاله وتعطيله عن دوره العبادي بتحويله إلى معرض؛ لما كانت كل هذه الضجة والصخب.
والحقيقة التي تعمد تجاهلها العالم الغربي بأصواته المتحضرة ومنها اليونان، أن آلاف المساجد في الأرضي التي كان يحكمها العثمانيون في أوربا ومنها اليونان حولت إلى كنائس، وصودرت دون مسوغ قانوني أو حضاري ينبذ الارتماء ومصادرة أمكان العبادة. ولتسأل الحضارة الغربية نفسها عن الأندلس فما تزال مساجده شاهدة على هذه الادعاءات المتحضرة.
بدأت آيا صوفيا ككنيسة ثم تحولت إلى مسجد وبعدها إلى متحف، وكانت الولايات المتحدة قد طالبت من تركيا عدم المساس بوضع آيا صوفيا. وكتب وزير الخارجية الأمريكي مايك بومبيو على تويتر أن متحف آيا صوفيا “يجسد التزام السلطات التركية باحترام التقاليد الدينية والتاريخ الغني”.
وأدرجت آيا صوفيا على قائمة التراث العالمي لمنظمة الأمم المتحدة للتربية والثقافة والعلوم (يونسكو)، وتعد واحدة من أهم الوجهات السياحية في إسطنبول، إذ يزورها ملايين السياح سنويا. وطالبت يونسكو سابقا من تركيا عدم تغيير وضع آيا صوفيا.
وبعد استيلاء العثمانيين على القسطنطينية في 1453، تمّ تحويلها إلى مسجد في 1453 ثم إلى متحف في 1935، بقرار من رئيس الجمهورية التركية الفتية حينذاك مصطفى كمال أتاتورك بهدف “إهدائها إلى الإنسانية”، في أعقاب التحوّل الكبير الذي طرأ على تركيا وانتقالها من امبراطورية خلافة إسلامية إلى دولة علمانية قومية.
ووقع توتر بين أثينا وأنقرة على هذا الموضوع أكثر من مرة، خاصة بعد شروع السلطات التركية في قراءة القرآن ورفع الأذان في آيا صوفيا، ومن ذلك قراءة سورة الفتح في ذكرى فتح قسطنطينية.