القباج: المستلبون و”أيا صوفيا”
هوية بريس – حماد القباج
بعضُ المستَلَبين يعانون تيها هُوياتيا يجعلهم مذبذبين بين مرجعيتين: مرجعية بيتهم الذي آواهم وأكرمهم، ومرجعية بيت قوم آخرين يكرهون الضيوف ويذلونهم في عتبة الباب ..
كم تسولوا عند تلك العتبة بالطعن في تراثهم، والتهكم بشريعة دينهم، ونقد محطات مضيئة من تاريخ أمتهم ..
وها هم اليوم يطرقون الباب متزلفين بموقف مخزي من إعادة فتح مسجد (أيا صوفيا) الذي جعلهم ينعقون بأصوات لم نسمع مثلها ونحن في الذكرى 25 لمجزرة البوسنة والهرسك، وفي سياق تاريخي يُهَوّد فيه القدس وتُحتَلّ أراضي جديدة من فلسطين …
لم ينتقدوا تحويل الهند مسجد بابري إلى معبد وثني .. وتصفية اليونان لمساجد.. ووو
فلما فتح أردوغان أيا صوفيا للركع السجود عووا وولولوا ..!
الذي يجهله الغيورون على الكنائس الأرتدوكسية أن النصارى الأرتدوكس الذين كانوا يشرفون على كنيسة آيا صوفيا هم أول من رحب بالفتح الإسلامي لبيزنطة؛ بعد أن عانوا من الصليبية الإرهابية ثم عانى أحفادهم من الشيوعية التي سامتهم سوء العذاب في دول الاتحاد السوفياتي ..
في زمن فتح السلطان العثماني محمد الرابع للقسطنطينية كان شعبها يئن تحت وطأة ظلم واضطهاد الحكم البيزنطي الطبقي المستعلي، وقد رحبت فئات من الشعب وعدد من كبار أساقفة الأرتدوكس بالحكم العثماني ورأوا فيه خلاصا من ظلم الحكام البيزنطيين الذين لفظتهم شعوب شمال إفريقيا للأسباب نفسها .. بل إن بعض قادة الأرتودوكس ساعدوا محمدا الفاتح في فتحه، وكان مهندس مدافعه الكبيرة من أهل بيزنطة ..
وبعد ذلك؛ لم يثبت أن شعب القسطنطينية تمرد على الحكم العثماني؛ وهذا دليل على ترحيبه بهذا الحكم الذي كان يتوخى العدالة بشكل كبير والذي تفوق في ذلك على الإمبراطوريات المنافسة النصرانية منها والوثنية … وقد شهدت بذلك كثير من الشعوب التي رأت الفرق الشاسع بين سياساتهم وسياسات المغول والصليبيين مثلا …
وهذا من الأسباب الكامنة وراء استقرار الحكم الإسلامي في شمال إفريقيا وعدم استقرار حكم الرومان وغيرهم …
وسقوط الحكم الإسلامي في الأندلس لم تقف وراءه ثورات شعبية وإنما سياسة صليبية متعصبة جاءت من الشمال بقيادة قشتالة؛ ولم يسجل التاريخ أي ثورة أندلسية لطوائف نصرانية أو يهودية .. بل إن هذه الطوائف تنعمت بالحكم الإسلامي الذي نقلها من عهد الظلام (عصورهم الوسطى) إلى أنوار الحضارة الإسلامية التي لا تزال مآثرها تشع على واقع الأندلس ..
لما بسط السلطان محمد الفاتح حكمه على القسطنطينية كتب عهدا بحفظ حقوق النصارى ندر في التاريخ مثله.
والفرق بين سياسة الصليبيين وسياسة العثمانيين؛ أثبت التاريخ مثله بين الفتح الإسلامي للقدس والفتح الصليبي الذي مورس فيه من الظلم ما يندى له الجبين:
ملكنا فكان العفو منا سجية … وملكتم فسال بالدم أبطح
فحسبكمو هذا التفاوت بيننا … وكل إناء بما فيه ينضح
أحسن الله عزاءنا في مستلبي أمتنا …