الريسوني يكتب: هل هو حزن على آيا صوفيا.. أم تعبير عن الإسلاموفوبيا؟!
هوية بريس – د. أحمد الريسوني
منذ أن تقررت إعادة المسجد الكبير، أو المسجد المقدس، (المعروف أيضا باسم آيا صوفيا)، بمدينة إسطنبول التركية، إلى أصله وإلى سابق عهده قبل 1932، تفجرت موجة من الغضب والاحتجاج والتشنيع، عبرت عنها بعض الكنائس المسيحية، وبعض الدول الغربية، يتبعهم كالعادة بعض منافقي العرب.. ومن عجب أن تنضم إليهم في ذلك منظمة اليونسكو، التي يفترض فيها الحياد في القضايا الدينية والسياسية..
الخطوة التي اتخذها القضاء التركي والرئيس التركي، ليست تحويلَ كنيسة إلى مسجد، كما يذكر البعض، ولا هي تحويل كنيسة إلى متحف، ولا هي إغلاق كنيسة، وإنما هي عبارة عن تحويل مسجد معطَّـل إلى مسجد مفعَّل. فماذا يضير المسيحيين وكنائسَهم في ذلك؟ وماذا يضرهم أن يتحول مبنى آيا صوفيا من مرفق سياحي إلى مكان يعبد فيه الله ويذكر فيه الله؟ وهل أرباب الديانة المسيحية يفضلون بقاء آيا صوفيا للسياحة والفرجة، على فتحه لعبادة الله تعالى وتلاوة القرآن؟!
القرآن الكريم ذكر دور العبادة المختلفة، فأشاد برسالتها وبحق الدفاع عنها، ما دامت يعبد فيها ويذكر فيها الله تعالى، قال عز وجل: {وَلَوْلَا دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لَهُدِّمَتْ صَوَامِعُ وَبِيَعٌ وَصَلَوَاتٌ وَمَسَاجِدُ يُذْكَرُ فِيهَا اسْمُ اللَّهِ كَثِيرًا وَلَيَنْصُرَنَّ اللَّهُ مَنْ يَنْصُرُهُ إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ} [الحج: 40].
كان الأَولى بالمسيحيين أن يعبروا عن ارتياحهم لكون المبنى سيعود إلى طبيعته الدينية ووظيفته الأصلية؛ وهي العبادة والتربية والتعليم..
وأما تحويل (آيا صوفيا) من كنيسة إلى مسجد، فذلك حدثٌ مضى عليه أكثر من خمسة قرون ونصف، والمفروض أن الغضب اليوم موجه إلى تركيا المعاصرة، وإلى الرئيس أردوغان، وليس إلى الدولة العثمانية والسلطان محمد الفاتح. والذي وقع اليوم ليس أكثر من إعادة فتح المسجد وإعادته إلى وظيفته. وهذا لا يستدعي غضبا ولا اعتراضا من أحد، خاصة وأنه مسألة تركية داخلية محضة. فلماذا هذه الوصاية، وهذه العقلية التحكمية العدوانية؟!
أما لو أردنا العودة إلى مسألة تحويل الكنيسة إلى مسجد، فهذا سيقودنا إلى مراجعات ومحاكمات تاريخية لا أول ولا آخر لها.. وعلينا حينئذ أن نفتح ملفات المساجد الأندلسية، ومساجد صقلية، ومساجد روسيا، ومساجد يوغوسلافيا..
ودون أن نذهب بعيدا فقد أغلقت فرنسا في السنوات الأخيرة فقط حوالي خمسين مسجدا.. وهذا دون أن نوجه أنظارنا نحو الهند والصين وبورما..
ونسأل المعترضين الغاضبين على إعادة فتح مسجد آيا صوفيا: يا تُرى، لو أن تركيا حولت آيا صوفيا من متحف إلى مسرح، أو سينما “عالمية”، أو دار أوبرا، أو ملعبا لمصارعة الثيران.. هل كنتم ستغضبون؟ أو ستصمتون؟ أو ستصفقون؟!
وأما الذين يتباكون على “التراث الإنساني” الذي “ستحرم منه البشرية”، فيقال لهم -وهم يعلمون ذلك- إن المبنى سيبقى كما هو، أو سيصبح أفضل مما هو. وأما المعروضات الفنية والأثرية والتاريخية الموجودة فيه فستعود إلى أماكنها المناسبة لها والأليق بها. وأما التراث العمراني، فأكثره تم تشييده باسم المسجد وبفضل المسجد، وما شيد للكنيسة، فهو في محل الصيانة التامة.
فكفى من التضليل والتلبيس، وقولوا صراحة: نحن ضد الإسلام، وضد الصلاة، وضد القرآن..