العواطف مواقف
هوية بريس – د. إدريس أوهنا
لاح لي أن أكتب اليوم في موضوع هو أشبه بالخاطرة، إلا أنه في الحقيقة موضوع اجتماعي بأبعاد نفسية، ومثل هذه المواضيع لطالما تحاشينا الخوض فيها، ربما لصعوبة تصوير مكنون النفس في قوالب اللفظ، أو لشعور دافق بالخصوصية يقف مانعا أمام البوح العام، او لغير ذلك من الأسباب.
على كل حال، دعوني أشارككم هذه اللواعج والمواجع، التي ليس لها من مراجع إلا تجارب الحياة وصروف الدهر.
لكم رأيت في حياتي وخبرت من يدعي المحبة، وقد يبالغ في إشهارها، ولا يتردد في إعلانها، لكنه عمليا، ومن غير تجن في الحكم، يتصف بالآتي:
– لا يهتم إلا بنفسه، وربما بأضيق محيطه.
– لا قدرة له على العطاء المادي والمعنوي.
– يحترمك ويتودد إليك طالما يرى فيك وجاهة او غنى أو مصلحة، فإذا افتقرت، او أصابك مكروه ما، تولى عنك كأن لم يعرفك من قبل.
– يعز فيك القليل، ويطمع منك الكثير.
– لا يعترف لك بفضل، ولا يتكلم فيك بعدل.
– ربما ساءه ما يصيبك من خير، او على الأقل غار منك غيرة شديدة تفسد صفاء الود، وتفتح باب الحسد.
إلى غير ذلك من القرائن الدالة على أن محبته المدعاة، هي ليست محبة نابعة من قلب كبير طيب معطاء، بل هي مشروطة بما يناله منها، مغلقة عن مبادلة الإحسان بالإحسان، والمبادرة إلى الإكرام من غير امتنان.
إنها ( محبة ) سرعان ما تنطفئ وتنكفئ عند أول امتحان في موقف من مواقف الابتلاء والمحن، ماديا كان أو معنويا، واكثر ما تنكشف وتفتضح في مواقف الدرهم والدينار .
فاتضح لي مما خبرت وعاينت أن أصحاب القلوب الكبيرة، وذوي الطيبوبة الأصيلة المتأصلة، والعواطف الصادقة العميقة، التي تعبر عن ذاتها في مواقف الحياة وصروف الدهر، هم قلة قليلة، كالكبريت الأحمر، او الذهب في سائر المعادن. أما أكثر من يدعون العواطف ويبخلون ويتراجعون في المواقف، فهم كالزنك أو القصدير، ولا ينبئك مثل خبير!!
لذلك خذوها مني قاعدة قطعية: “العواطف مواقف”، وإلا فهي مجرد ادعاءات وزوائف.