وقفات مع حدث الهجرة النبوية
هوية بريس – د.عبدالله البوعلاوي (أستاذ الفكر والعقيدة بكلية الآداب والعلوم الإنسانية ببني ملال)
يدخل العام الهجري الجديد، ويتجدد معه تذكر هجرة النبي صلى الله عليه وسلم إلى المدينة، هذه الهجرة التي لم تأت عبثا أو فجأة أو هروبا من الواقع، وإنما سبقتها إرهاصات وتدابير، إنها هجرة التي مهدت لبناء الإنسان، وأنجبت دولة حضارية بما تحمل الكلمة من معنى، وأسست قواعدها ومعالمها في زمن قياسي في تاريخ الأمم.
يمضي عامٌ من أعمارنا ويَحُلُّ عام جديد ليَأتي شهرُ محرم ليُذكِّرَنا بأحداث الهجرة النبوية التي تمثِل لنا عهدَ بناء الدولة الإسلامية، وترسخ مبدأَ عقيدةِ التوحيد في كيانها، وأن سُنَّة النصر والتمكين لله ولرسوله وللمؤمنين مرتبطةٌ بالتوكلِ على الله والأخذِ بالأسباب،”ومَن يَّتَوَكَّلْ عَلَى اللهِ فَهُوَ حَسْبُهُ”[1].
لم يغمض لها جفنٌ لقريش ولم يهدأْ لها بالٌ طيلة ثلاثةَ عشرَ سنة في مكة وهي تكيد لمحمد وأصحابِه، وتنكل بضعفيهم من الرجال والنساء، وهذا حال أعداء الدين في كل زمان ومكان، يقول الله تعالى: “وَإِذْ يَمْكُرُ بِكَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِيُثْبِتُوكَ أَوْ يَقْتُلُوكَ أَوْ يُخْرِجُوكَ وَيَمْكُرُونَ وَيَمْكُرُ اللَّهُ وَاللَّهُ خَيْرُ الْمَاكِرِينَ”[2]. فيُحدَّدُ موعدُ مؤتمرٍ عاجلٍ في دار الندوة من طرف قريش بوضع خطة تقضي على دعوة محمد صلى الله عليه وسلم، فينتهي القولُ برأي أبي جهل قائلا: أرى أن نأخذ من كل قبيلة فتىً شاباً جليداً نسيباً ثم نعطي كُلاًّ منهم سيفاً صارماً فيضربون محمداً ضربة واحدة فيقتلوه فيتفرق دمه في القبائل حتى لا تستطيع عشيرتُه الثأر. ووافق الحضور على هذا القرار الظالم بالإجماع وبدأوا في التنفيذ ” وَاللَّهُ غَالِبٌ عَلَىٰ أَمْرِهِ وَلَٰكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ”[3].
إن المنهزم نفسيا يستبعد قدرة الله وحال الذي لا يؤمن بالله لا يعلم، “أنه من يكن مع الله يكن معه ومن يحفظِ الله يحفظُه”، أليس هو القائل: “يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِن تَنصُرُوا اللَّهَ يَنصُرْكُمْ وَيُثَبِّتْ أَقْدَامَكُمْ”[4]. لكن توكل النبي صلى الله عليه وسلم على الله وأخذه بالأسباب خيَّب آمال هذه المؤامرة الخبيثة، فخرج النبي صلى الله عليه وسلم من مكة بأخذ جميع الاحتياطات اللازمة وأعد العدة فاتجه في غير الطريق المعتاد إلى المدينة، لأنه كان أن قريشا ستجد في طلبه، واستمرت حالة الطوارئ وكلها باءت بالفشل.
لقد كان من توفيق الله تعالى لعمر بن الخطاب أن يختار الهجرة النبوية عنوانا للتاريخ الإسلامي، بالرغم من وجود عدة مناسبات عظيمة يمكن أن يستخدمها للتأريخ مثل مثل ميلاد النبي صلى الله عليه وسلم أو بعثته صلى الله عليه وسلم، أو غزوة بدر الكبرى، أو فتح مكة إلى غير ذلك من الأحداث، لكنه اختار الهجرة حتى تبقى وفود المسلمين عبر الزمان والمكان مهاجرة إلى الله تعالى، ومن أجل أن يستقل الأمة الإسلامية بتاريخها وأمجاد حضارتها، ولتكون محطة للتغيير الدائم لها عبر السنين.
تدور حركة الزمان وتطلّ علينا السنة الهجرية، والعالم الإسلامي بل والعالم كله في أسوأ أوضاعه! وقيمة الإنسان في زمن التطور الاقتصادي والتكنولوجي موجود مادي متجسد يشارك سائر الكائنات الأخرى في الكون، فتحرر من كل القيود القيمية ومن كل خُلق، فانطلق ليفعل ما يريد بدون قيد أو وازع دين، إننا نعيش ترفا ماديا مع فراغ روحي، ونعيش حضارة زائفة ممتدة في إشباع رغباتنا وشهواتناـ لقد تمادينا في ترف الحياة المادية والإباحية النفعية لإشباع غرائزنا ولو على بني جنسنا. يقول الأمريكي “جون ديوي”: إن الحضارة التي تسمح للعلم بتحطيم القيم المتعارف عليها، لا تثق بقوة هذا العلم في خلق قيم جديدة؛ هي حضارة تدمر نفسها بنفسها[5]، ويقول: “إن أمريكا ليس لديها رسالة روحية كافية، إننا في حاجة إلى ضربة تجعلنا نفيق من ثرائنا، لقد انتصرنا على الطبيعة ولكننا لم ننتصر على أنفسنا”[6].
لقد مضى من عمر الزمن عام كامل بآلامه ونوازله ومصائبه على أمتنا العربية والإسلامية، ولم نتعلم من السنن الاجتماعية ولن تنبه إلى السنن الكونية ولم ننتفع بها لنشارك في صناعة الأمل، الأمل في الفرج بعد الشدّة، والعزّة بعد الذلّة، والنصر بعد الهزيمة، بالنظر وقراءة أسباب سقوط المجتمعات ونهوضها.
إنه لما ضاقت مكة برسول الله ومكرت به وبأصحابه وتآمرت عليه وعلى دعوته، لم يبق النبي صلى الله عليه وسلم مكتوف الأيدي، وينتظر المدد من السماء كما هو حال أغلبية المسلمين الذي ركنوا إلى الذلة والصغارة، وينتظرون الممد من وراء البحار طعما مما يجود عليهم الغرب من نفايات، لكنه صلى الله عليه وسلم توكل على الله وأخذ بجميع الأسباب وكأنها كل شيء، فجعل الله نصره وتمكينه بالهجرة.
إن الناظر المتأمل في الهجرة وأبعادها الحضارية يدرك فنَّ صناعة الأمل، ويقضي على الهزيمة النفسية ويبعث فيها روح والنصر وإعادة التمكين لوعد الله تعالى لعباده المؤمنين، يقول الله تعالى: “وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الْأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَىٰ لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُم مِّن بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْنًا يَعْبُدُونَنِي لَا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئًا”[7].
إن سُنة الأزمة تولد الأمل في قراءة الواقع، واقع الألم الذي يولد العمل على حماية الأوطان من المغرضين والمناوين له، فالهجرة يقظة ضمير وحياة، حياة بنور هذا الإسلام، الذي يجري في عروق هذه الأمة التي لن ولم تستلم لأعداء الله ولن تقهر.
تعتبر الهجرة من أهم أحداث تاريخ الدعوة الإسلامية، لأنها كانت مطلع تكوّن أول أو جيل فريد نقل الأمة الإسلامية من الدعوة إلى الدولة، وتعتبر المفصل الأهم بين وقائع السيرة، وفيصل بين مرحلتين: مرحلة الدعوة ومرحلة الدولة؛ مرحلة الاستضعاف ومرحلة القوة، ومرحلة التأسيس إلى مرحلة البناء. الهجرة مَعْلَمٌ بارز في قانون التدافع بين الحق والباطل والخير والشر والإصلاح والفساد. الهجرة فرّقت بين عهدين؛ عهدِ الفوضى والظلم والاستبداد، وعهدِ الحرية والنظام والعدل وحق الإنسان، بالهجرة انتهى عهدٌ وبدأ عهد آخر.
حتى لا تبقى أذهاننا مرتبطة بالبعد الجغرافي والانتقال المكاني للهجرة، فالهجرة الحقيقية؛ ترك المعاصي والذنوب والآثام، وهجرة ما نهى الله عنه، .قال عليه الصلاة والسلام: “المهاجر من هجر ما نهى الله عنه. فالهجرة ذ؛ هجرة الرذائل في الأخلاق والسلوك والضمائر والنفوس، سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم: أي الهجرة أفضل؟ قال: أن تهجر ما كره ربك. وفي رواية : “المهاجر من هجر السيئات، والمسلم من سلم المسلمون من لسانه ويده. فلنعقد العزم على هجر السيئات، وهجر ما نهى الله عنه في كل الميادين وعلى كل المستويات بدءًا بالفرد وانتهاءً بالأمة ،فيهجر الفرد ذنبه وتهجر الأمة معاصيها الكبيرة، فلنهاجر من دنيانا الضالّة إلى آخرتنا، ولنهاجر من السلبية والكلالة إلى الفاعلية، ومن العبثية والضلال إلى هداية هذا الدين، إلى رب العالمين.
أقتبس من الهجرة النبوية ثلاثة مواقف يحتاجها الإنسان في حياته اليومية:
1-الهجرة تخطيط: لقد كان عليه الصلاة والسلام متوكلاً على ربه واثقاً بنصره، ومع هذا كله لم يكن صلى الله عليه وسلم يوم بالمتهاون المتواكل الذي يأتي الأمور على غير وجهها. بل إنه أعد خطة محكمة، قام بتنفيذها بكل سرية وإتقان. وفي هذا كله دعوة للأمة إلى أن تحذو حذو النبي صلى الله عليه وسلم يوم في حسن التخطيط والتدبير، وإتقان العمل واتخاذ أفضل الأسباب، مع الاعتماد على الله مسبب الأسباب،أولاً وآخراً.
نحن أمة يُطلَب منا أن نخطط وأن نتخذ الأسباب وأن نكون على مقربة من عالم الأسباب لا أن نكون على مقربة من عالم الفوضى، نريد تخطيطاً واقعياً من أجل إنتاج غايات تصب في منفعة الإنسان ومنفعة هذا الوطن ومنفعة كل القيم التي نسعى إليها،لا أن نخطط لنَهْبِ المال العام وأكل أموال الناس بالباطل والاعتداء على حق الغير، لا نريد أن يسود قانون القوة أو قانون الغاب يأكل فيه القوي الضعيف، فتغيب حقوقُ الناس، فيزداد الغني غنى والفقير فقرا، لم تعد قلوبَنا في هذا الزمان لم تعد تتجه إلى الله، وإنما غدت القلوب تتجه إلى الناس، وإلى الدنيا والتسابق على الزعامة والتنافس على المنصب،”وما الحياة الدنيا إلا المتاع الغرور”
لقد أعد النبي صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لكل أمر عدتَّه، ولم يَدَعْ مكانا للحظوظ العمياء، لقد اتخذ الأسباب وكأنها كل شيء في تحقيق النجاح، ثم توكل على الله لأنه لا قيام لشيء إلا بالله، إن هذه التدابير التي اتخذها النبي صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ على كثرتها، ودقتها ليس صادرة عن خوف شخصي، بل هي طاعة لله عن طريق الأخذ بالقوانين والسنن الكونية، وتشريعاً لأمته من بعده ثم إنه في الوقت نفسه لم يعتمد عليها، بدليل إنه كان في غاية الطمأنينة حينما وصل المطاردين إلى الغار.هذا هو الموقف الكامل الذي يجب أن نأخذ بالأسباب وكأنها كل شيء، وأن نتوكل على الله لأنه لا قيام لشيء إلا به، فمن لم يأخذ بالأسباب سقط في وادي المعصية، ومن أخذ بالأسباب واعتمد عليها سقط في وادي الشرك، وعلينا أن نفعل ما فعله النبي، أن نأخذ بالأسباب في كل شيء، في جميع ميادين وجودنا وحياتنا.. أن نأخذ بالأسباب وكأنها كل شيء، وأن نعتمد على الله وكأنها ليست بشيء، علينا أن نستوعب أن التوكل أخذٌ بالأسباب من دون الاعتماد عليها، وافتقار إلى تأييد الله وحفظه وتوفيقه من دون تقصير من استجماع الوسائل.
وتعلمنا الهجرة، من خلال نتائجها الباهرة، أنه من يهاجر في سبيل الله يجد في الأرض مراغماً كثيراً وسعة، وأنه ما ترك عبدٌ شيئاً لله إلا عوضه الله خيرا منه في دينه ودنياه، وأنه من شغلته طاعةُ الله عن تحقيق مصالحه أعطاه الله خير الدنيا والآخرة، لقد ورد في الحديث القدسي:(عبدي أنت تريد وأنا أريد، فإذا سلمت لي فيما تريد كفيتك ما تريد، وإن لم تسلم لي فيما أريد أتعبتك فيما تريد ثم لا يكون إلا ما أريد).
الهجرة موقف
ليس الإسلام قناعةً وقَبول، إنه قيامٌ والتزام، ليس الإسلام ثقافةً واطلاع، إنه إذعانٌ واستسلام، الهجرة التي قام بها النبي صلى الله عليه وسلم عبَّرت عن موقفٍ، وعبَّرت عن إيثاره للحق الحديث عن الهجرة شيء والهجرة شيءٌ آخر. الحديث عن الهجرة ربما قد يكون مُمْتعاً، لكن أن تُقْتَلَع من جذورك، وأن تذهب إلى بلدٍ بعيد ليس فيها لك أرض، وليس فيها لك مأوى، وليس فيها لك أنصار، إن ممارسة الهجرة شيءٌ آخر غير الحديث عن الهجرة وعن وقائعها.
سيدنا إبراهيم حينما أُمِرَ أن يذبح ابنه، أن تقرأ هذه الآيات،وأن تترنَّم بها،وأن تُشيد بهذا النبي الكريم،وهذه التضحية الكبيرة هذا شيء،وأن تعاني أمراً إلهياً ينصبُّ على ذبح ابنك شيءٌ آخر.فالحديث عن الهجرة وعن فضل النبي(ص) وعن إيثاره وجهاده، وعن تحمُّله هذا شيء، ولكن معاناة الهجرة شيءٌ آخر، لقول الله عزَّ وجل:ولو أنا كتبنا عليهم أن اقتلوا أنفسكم أو اخرجوا من دياركم ما فعلوه إلا قليل منهم[8].والشيء الذي يؤكِّد ذلك أنَّ الذين يدافعون على الدين ومن أجل نصرة الدين ومن أجل حماية أرض الدين يضطّرون أن يهيموا على وجوهِهِم في العراء، في أيام البَرد الشديد، أو في أيام الحَرّ الشديد، إن هؤلاء يعانون ما يعانون، وليس سماع أخبارهم كمعاناتهم، شيءٌ كبير بين أن تعيش الأحداث وأن تسمع عنها، فلذلك الصحابة رضوان الله عليهم،كما قال(ص):”لو أنفق أحدكم مثل أحدٍ ذهباً ما بلغ مُدَّ أحدهم ولا نصيفه”[9].
الهجرة يقظة ضمير: قد نحتاج إلى ساعة صفاء الذهن لنصحح السير، نحتاج إلى إعمال العقل، لنعيش حدث الهجرة في كل لحظة من لحظات حياتنا، نهاجر إلى الذي خلقنا بتطهير نفوسنا وتزكيتها بقيم القرآن الكريم الخالدة والمعصومة، وأن نعيش الهجرة فكرة ومنهجا وواقعا وحدثا، فننظر إلى حرصنا على الدعوة إلى الله تعالى لا إلى تفريطنا فيها، وننظر إلى تحملنا المشاق في سبيلها، لا أن نقف موقف المتفرج عليها، وننظر إلى مستوى أخلاقنا وسلوكاتنا في تعاملنا مع الله تعالى ثم أنفسنا ثم إلى الناس أجمعين، ثم ننظر هل نعيش الهجرة واقعا بتغيير الواقع واستقامة على الطريق، فنهجر سوء الأخلاق إلى فضائلها ومن مُستقبح السلوك إلى محاسنه، فكلنا مهاجر، فلقد هاجر الأوائل إلى بلاد المشرق ففتحوها بحسن أخلاقهم ويهاجر اليوم المسلمون إلى بلاد الغرب فلم يأتوا لأمتهم إلا بمزيد من المشاكل والمنغصات فكانوا حملة بدل أن يكونوا حمال دعوة . فهل يخرج الرجل من بيته يسعى في طلب الرزق متوكلا على الله تعالى، يخاف على نفسه من ارتكاب الحرام، أم أنه مستعد كل الاستعداد في تلبية ما تطلب منه نفسه بالاعتداء على حق الآخر وحريته دون وازع ديني.
لقد جاءت الهجرة تتويجا للفترة الإيمانية، فترة الصبر على الابتلاء، مجتمع تربي في القيم القرآنية ائتمروا بأمره وانتهوا بنهيه، فكانت النتيجة بناء مجتمع متماسك سادت فيه الأخوة في الدين في ظل العقيدة والولاء لله وحده، وقد سطر القرآن الكريم هذه الأخوة وهذا الإيثار والتضحية والعطاء، فقال تعالى:” ِللْفُقَرَاء الْمُهَاجِرِينَ الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِن دِيارِهِمْ وَأَمْوَالِهِمْ يَبْتَغُونَ فَضْلاً مِّنَ اللَّهِ وَرِضْوَاناً وَيَنصُرُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ أُوْلَئِكَ هُمُ الصَّادِقُونَ، وَالَّذِينَ تَبَوَّؤُوا الدَّارَ وَالْإِيمَانَ مِن قَبْلِهِمْ يُحِبُّونَ مَنْ هَاجَرَ إِلَيْهِمْ وَلَا يَجِدُونَ فِي صُدُورِهِمْ حَاجَةً مِّمَّا أُوتُوا وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ وَمَن يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ”[10]. هذه هي الفئة المؤمنة من المهاجرين والأنصار ومن تبعهم من عرب الجزيرة التي كوَّن بها النبي صلى الله عليه وسلم أمة المسلمين وأقام دولة الإسلام الأولى في دار هجرته.
لماذا لم تكن الهجرة النبوية على نمط الإسراء والمعراج؟ هل يعجز الله أن ينزل جبريل والبراق ويوصل النبي عليه الصلاة والسلام إلى المدينة في لحظات؟ إن رحلة الإسراء والمعراج رحلة فردية خاصة، ومنحة ربانية للرسول(ص (لنريه من آياتنا. أما رحلة الهجرة فهي رحلة منهج للأمة وبناء للدولة الإسلامية، لا يصلح فيها جبريل عليه السلام رفيقا، لأن دولة الإسلام لا يمكن أن تبنى على جناح جبريل، ولا يصلح فيها البراق مركباً، بل لا بد من الصبر والتضحية والتماسك، والتدبير الجيد، وتوظيف المتخصصين كل في مجاله، ومجاهدة أخطار العدو .
الحمد لله رب العالمين
ـــــــــــــــــــــــــــ
[1] سورة الطلاق الآية 3
[2] سورة الأنفال الآية 30
[3] سورة يوسف الآية 21
[4] سورة محمد الآية 7
[5] نقلا من كتاب حاجة البشرية إلى الرسالة الحضارية لأمتنا، يوسف القرضاوي ص:12
[6] حاجة البشرية إلى الرسالة الحضارية لأمتنا، د يوسف القرضاوي، ص:12و13
[7] سورة النور الآية 55
[8] سورة النساء الآية 66
[9] من الجامع لأحكام القرآن
[10] سورة الحشر 8-9