الشيخ مولود السريري يبرز مظاهر تأثير الإسلام في الأمة الأمازيغية (4)

25 أغسطس 2020 17:20

هوية بريس – الشيخ مولود السريري

 

مظاهر تأثير الإسلام في الأمة الأمازيغية

 

#المظهر_الرابع: نشر اللغة العربية والعلوم الشرعية.

العمل الأصلي لعلماء المسلمين هو تعليمهم أمور دينهم عبادة، سواء كانت تلك الأمور عبادة أو معاملات، وتعليمهم ما يمكنهم من فهم ذلك من وسائل، وأدوات.

وعلماء هذا البلد قد شمروا عن ساعد الجد في تحصيل هذا الأمر وتحقيقه على أقصى ما يستطيعون، وقد سلكوا في تعليم الأحكام الشرعية – الفقه – کل ما يوصلهم إلى ذلك من مسالك.

ومن أبرز ما يعتمد عليه في ذلك أمران:

•• الأول: تدریس متون هذا العلم، وتحفيظها، وتأليف مؤلفات تدعو الحاجة إلى تأليفها ووضعها في ذلك.

ففي المدارس العلمية العتيقة نظام تعليمي يعتمد على أمور، منها:

1- كتابة النص الفقهي في اللوح الخشبي بخط عريض غليظ مُشكَّل – مضبوط بالشكل -، فيبدو جميل المرأى.

2- تقرير ذلك النص أي شرحه وبيان معاني ألفاظه بخط رقیق یکتب من تحت إلى الأعلى، وربما كتب أبيات تلم مسائل هذا النص، أو بعضه، وقد تكتب الصور الفقهية التي تبين المعنى المقصود منه – أي من ذلك النص – بالضبط.

3- حفظ ذلك النص بعد فهمه، وحفظ الأبيات “النظم” المصحوب به في شرحه.

وهل يُنسی ترنم الطلبة بما يحفظون من نظم – تارة يرفعون أصواتهم، وتارة يخفضونها – وهم على سطوح المدارس وفي البيوت، وفي المساجد – بيوت الصلاة -، وأفنية جدر المدارس، وفوق الهضاب، وتحت الأشجار. وهم مفرقون، تراهم أنى توجهت عيناك، مثنی، وفرادى، وجماعات.

أم هل ينسی ترجيعهم لما يحفظون من نثر، وهم يتمايلون. لا يفتؤون ذاکرین: أن العلم ذهب به الحفاظ.

4- الاستعداد لدرس اليوم الموالي بمراجعته والنظر فيه، والتناقش في مسائله، والتعاون في فهم ما غمض منه – وهذا ما يسمى عندهم بالتوطئة -، وهذا يكون بين الطلبة فقط، لا يحضره المدرس، وقد يختار للقيام به طالب نجيب، يكون قطب الرحى في التفسير والبيان، والتصحيح. لكن الغالب في هذا الأمر التناوب بين الطلبة، فمن وجب عليه القيام بذلك في يومه – یوم دولته ونوبته – أعد لذلك ما يلزم، ويتوسل إلى ذلك بمراجعة الدرس الذي يلزمه شرحه وبيانه، والبحث عن ضبط ألفاظه إعرابًا وبناء. وقد يفزع إن عجز عن شيء من ذلك إلى من يكون أعلم منه بذلك، فيسأله ويحصل منه على ما أراد إن وجده.

تجد بعد صلاة المغرب حلقات في بيت الصلاة، كل حلقة تضم الطلبة الذين يدرسون فنًّا معيَّنًا، وهم خافضون لأصواتهم في مناقشاتهم لئلا يزعجوا غيرهم.

وتستمر المذاكرة والمناقشة إلى صلاة العشاء، فإذا دخل الإمام إلى الصلاة قاموا إليها، فإذا صلوا انصرفوا إلى بيوتهم.

والطلبة في هذه المدارس يتدرّجون في التعلم، يقدمون الآلات والوسائل على المطالب – العلوم المقصودة بذاتها، وهو من يتعلق بالعمل وكيفيته – كما يبدؤون بالمتون الصغرى قبل الكبرى، ويترقون من درجة إلى درجة حتى يشتد عودهم في العلوم الشرعية وعلوم اللغة العربية.

وقد تخرّج من هذه المدارس علماء وفقهاء ومحدثون كثيرون جدا، ففي كل قرية وكل بلدة منهم جمع، وبهم حفظ لهذه الأمة في هذا البلد دينها ولغة كتاب الله – تعالى – “القرآن” والسنة النبوية، والعقيدة الإسلامية، وبهم درئت فتنة المتنبئين والمشعوذين، كأبي حمارة اليهودي، والبرغواطيين وغيرهم.
خلاصة القول: فضل هؤلاء العلماء والفقهاء على هذا البلد كثيرة، وقيمة هذه المدارس التي أنشؤوها عظيمة.

الأمر الثاني: كتابة وتأليف كتب الفقه، والأخلاق، والسيرة، والعقائد، والمواعظ، والرقائق، والحديث باللغة – اللهجة الأمازيغية – وترجمة هذه الكتب إلى هذه اللغة.

وقد اشتهر بهذا الأمر الفقيه محمد بن علي الهوزالي، والفقيه الحاج علي الدرقاوي – والد العلامة محمد المختار السوسي -، فالهوزالي قد ترجم مختصر خليل في الفقه المالكي إلى هذه اللهجة، فأخذ العوام في حفظه، وقراءته في المجالس والمواسم والملتقيات، حتى كانوا يتناظرون في المسائل الفقهية، ويتناقشون فيها، وقد اشتهرت الطائفة الدرقاوية في هذا الشأن، فديدانهم في مجالسهم الاشتغال بطرح الأسئلة الفقهية الصعبة – في نظرهم – والمداولة في أمرها، والبحث عن الأجوبة عنها. كما كتب هذا الفقيه – الهوزالی – بهذه اللهجة كتابًا في الرقائق والوعظ سماه «بحر الدموع» وهو نظم يتضمن ذكر خلق الإنسان، وما أحاطه الله – تعالى – به من عناية، وما حفّه به من نِعم ومنن، والتذكير بحقه – سبحانه – على خلقه، بأسلوب مؤثر بديع. وكتب – أيضًا – نظما ضمنه صفاته – تعالى – لحفظها ومعرفتها.

وأما الدرقاوي فإنه ترجم کتاب “مختصر الأمير” المصري في الفقه المالكي – أيضا – وهو أوسع في مادته الفقهية من “مختصر خليل”. لكنه لم يتم ترجمته له – على ما أعلم – إذ لم يترجم فيه إلا قسم العبادات.

وقد أتى من بعد هذين الفقيهين آخرون اشتغلوا بهذا الأمر، فترجموا إلى هذه اللهجة كتبا في السيرة، والحديث، وغيرهما.

وفي جهات أخرى مثل هذا الذي في سوس؛ وإن بشكل مختلف، ونظم المواعظ باللهجات المحلية عام.

وقد علم النفع بهذا العمل، فترى من لا يعرفون اللغة العربية من هؤلاء قد تعلموا أمور دينهم ما يحتاجون إليه في ذلك، وربما تعلموا مسائل الفقه المختلفة في العبادات والمعاملات، وإن كان بعضهم يغتر بما تعلمه فيفتن الناس، وهو ليس من أهل هذا الشأن على الإطلاق.

يتبع …

آخر اﻷخبار

التعليق

اﻷكثر مشاهدة

حالة الطقس
18°

كاريكاتير

حديث الصورة

128M512M